القاهرة - "الحياة" - تضارب صارخ تعكسه أزياء فتيات الجامعات المصرية. ثمة من ترتدي النقاب الذي يغطي الوجه كله، ولا تترك إلا فتحتين ضيقتين فوق العينين تطل منهما على العالم، الى جانب زي واسع فضفاض، ذي لون داكن. وثمة من ترتدي الخمار الذي يكشف الوجه فقط، وهو ينسدل فوق الذراعين وتظهر الأنامل من تحته بالكاد، إلى جانب زي واسع داكن اللون اسوة بالمنقبات. فيما ترتدي فتيات اخريات ما يسمى في مصر ب"الحجاب"، الذي لا يعدو كونه محض ايشارب يغطي الشعر وجزءاً من الرقبة، وهي ترتدي - معه - ملابس عصرية، قد تكون ضيقة في بعض الأحيان، وترتدي سروالاً من الجينز الضيق الملاصق للساقين استريتش. فتيات لم يعرن اهتماماً لقضية الزي، فارتدين كل ما يحلو لهن، من "ميني جوب" الى الجينز، مروراً بكل صرعات الموضة المطروحة على الساحة. ثمة من يقول إن زي الفتيات ليس الا تعبيراً عن انتماء الى طبقة اجتماعية بعينها، وقيم هذه الطبقة، ووضعها الاقتصادي، غير أن هناك من يقول - الآن - بأهمية النوازع الدينية التي تحكمت بالمناخ العام في السنين الثلاثين الفائتة. كثر من فتيات الجامعة فغرن أفواههن حينما قلنا لهن: طبقة، وأخريات أنكرن - كل الانكار - معرفتهن بأن ثمة كتاباً يحمل عنوان: "فلسفة الملابس" لتوماس كارليل، ومنهن من سألت: الفلسفة دست أنفها في كل الأمور بما فيها الملبس؟! على أية حال، من الواضح أن النقاب يكثر في أوساط طالبات جامعة الازهر، وبين طالبات كلية دار العلوم في جامعة القاهرة التي تنصب دراساتها على اللغة العربية والتراث والعلوم الدينية، ويقل في الكليات الأخرى، فيما ينتشر "الخمار" في سائر كليات مصر الجامعية بنسب متفاوتة. الزي العصري - غير اللافت للنظر - ما زال المسيطر الى الآن على فتيات الجامعات، قد يكون ضيقاً في بعض الاحيان، ولكن هذا صار أمراً نادراً، مثلما صار اهتمام الطالبات بمجاراة أحدث خطوط الموضة أمراً نادراً كذلك، لا سيما إن كان خط الموضة يتجه الى التنورة القصيرة و"البلوزة" شديدة الضيق، ما يكثر في كليات محدودة، مثل "السياحة والفنادق" ولا نلمسه في كليات أخرى. الملابس الضيقة والقصيرة شديدة اللفت للأنظار، تتعرض الطالبة التي ترتديها لمضايقات من زملائها فالجميع هنا تحت 21 سنة، فيما لا يلتفت احد من هؤلاء الى زميلاته المنقبات أو مرتديات الخمار. هكذا لم يعد من المبالغة ان يقول البعض ان مدرجات الجامعات المصرية صارت برلماناً للملابس، بكل اتجاهاتها المتزمتة والمتحررة والمعتدلة! الموضة... التقدم عزة كامل 20 عاماً طالبة في كلية الاعلام - جامعة القاهرة، ترتدي ال تي شيرت والسروال الجينز الضيق، وتمزج العربية بالانكليزية في حديثها بمرونة بادية، ترى أن مسايرة احدث صرعات الموضة من أسس التقدم، وتقول: اذا لم نساير احدث موضة صرنا متخلفين مظهرياً، لا سيما اننا كطلاب إعلام، ينبغي لنا الظهور بمظهر لائق، وكقدوة لزميلاتنا في حسن الملبس، لأن وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والانترنت والفضائيات تغرقنا - صباحاً ومساءً - بأحدث صرعات الموضة، وليس معنى مجاراة هذه الصرعات أنني لست متدينة، أو انني تافهة أو مقصرة في واجباتي الدراسية، فلا علاقة بين الشكل والموضوع، ومن يربط بين هذه الأمور وبين الزي، شخص سطحي من دون شك! الزي الإسلامي في العام 1972، عرض في دور السينما المصرية فيلم "خلي بالك من زوزو" للراحلة الجميلة سعاد حسني، والذي كتبه صلاح جاهين، وناقش فيه المصريون للمرة الاولى قضية الحريات في الجامعة، زميل متزمت لزوزو حكم عليها عبر ملابسها، ما كان مؤشراً صحيحاً لما يجرى في الاوساط الطلابية من تفاعلات. ففي حقبة السبعينات، ومع صعود التيار المتطرف دينياً، عرف المصريون "النقاب" و"الخمار" بعد أن ودعوا تلك الازياء منذ نجاح دعوة "السُفور" في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن الماضي، وجرت معركة حادة على مدار السبعينات بين الصرعة الجديدة الميني جوب والميكروجوب وبين النقاب والخمار، ولظروف سياسية واقتصادية تغلب الطرف الثاني. منذ ذلك الوقت، ارتفع في الجامعة ومنها الى المدارس والشوارع والمنازل شعار "الزي الاسلامي" في مواجهة الزي المتحرر غير الاسلامي إذاً!، وعلى رغم تراجع التطرف في الجامعة، بقي الشعار مرفوعاً في الجامعة. فأميمة حسن، طالبة في دار العلوم، تقول: الظاهر يعبر عن الباطن، والشك ينقل المضمون، والفتاة المسلمة عليها ارتداء الزي الاسلامي، ما يعني النقاب والثوب الفضفاض، وعليها ألا تتعطر، أو تلفت نظر زملائها الذكور و"تفتنهم". والفصل بين الزي والاخلاق على طريقة ما لقيصر لقيصر، وما للرب للرب مذهب مستورد من الغرب، ولا يصح للمسلمين اتباعه، لأن لهم زيهم الخاص! وتتفق معها زميلتها في الكلية نفسها زينب جاد الله وتضيف: أرفض أن ترتدي الفتاة المسلمة ايشارباً على الشعر، فيما ترتدي ملابس ضيقة على جسدها، فهذا ليس حجاباً مطابقاً لشريعة الاسلام. انه يحجب الشعر فحسب، فيما يظهر مفاتن الجسد، ويعرض الفتاة للمضايقات، ولا يؤدي الهدف من فرض الحجاب الذي جاء في القرآن الكريم، فنحن بارتدائنا الزي الاسلامي نحمي أنفسنا ومجتمعاتنا، ونتبع ما أنزله الله. وفيما تعتنق بعض الطالبات رأي اميمة وزينب عن اقتناع، نجد بعض الفتيات يرتدين "الحجاب الاجتماعي" إن جاز التعبير، ففي مصر، شرائح اجتماعية كاملة ترتدي الحجاب من دون تأسيس فكري ديني محدد، ولمجرد شيوعه في أوساطهم الاجتماعية، ومنهن من ترتدي توفيراً لعناء ارتياد محال الكوافير التي صارت باهظة التكاليف، وفريق ثالث من الفتيات ارتدينه ب"أوامر" من الأبوين. من الفريق الأخير نجوى عثمان، الطالبة في كلية الحقوق التي قالت: أمرني أبي بارتداء الحجاب ايشارب يغطي الشعر فقط وأنا في الثالثة عشرة من العمر، والحق أنني لم أكن أفكر بهذا من الأساس، أرتدي السروال الجينز لأنه عملي ويعطيني حرية في التحرك، وعلى العموم، لا أشعر بضيق من ارتدائي الحجاب، لأنني علمت - حينما كبرت - أنه الزي الذي أمر به الشرع. وثمة خلاف واضح بين المنقبات والمختمرات، يتأسس على النص القرآني، فمنهن من تفسر آيات الحجاب، بالنقاب، ومنهن من تنحاز الى "الخمار"، ولكن هذا الخلاف لا يؤدي الى صدامات مباشرة، غير أن كل فريق ينظر الى الفريق الآخر بوصفه على باطل! وراء الحجاب منذ الثمانينات، صار أمراً مألوفاً أن تطالع في كل حي - بل وفي كل شارع - من مدن مصر، محلاً متخصصاً ببيع ملابس المحجبات، لم يكن موجوداً في البلاد قبل تلك الحقبة، معظم المترددات على تلك المحال من طالبات الجامعات، وعلى رغم ما طرأ على هذه الملابس من تطور، واتجاه للمعاصرة، وعلى رغم أناقة هذه المحال، الا ان ما تبيعه من الملابس أرخص كثيراً مما تبيعه محال الملابس النسائية العصرية. ثمة انقسام - اذاً - بين طالبات الجامعة في هذه المسألة: بعضهن يترددن على محال المحجبات، والاخريات يدفعن كثيراً من المال في محال الملابس العصرية، وهو ما تؤكده نرمين عبدالعظيم، طالبة بكلية التجارة بقولها: لي زميلات يشترين كثيراً من الملابس الخاصة بالمحجبات والمنقبات، فيما اشتري أنا ملابس أقل في الكمية، وبعضهن ترتدي الحجاب لرخص اسعاره، ولأنه صارت له خطوط موضة، طرأت علينا من هونغ كونغ والصين وكوريا الجنوبية، التي تمتلئ اسواقنا بمنسوجاتها وملابسها الموجهة للمحجبات، وهي ملابس جميلة الشكل رخيصة الثمن. وأنا أرفض ارتداء الحجاب لهذه الأسباب، لأنها في رأيي نفاق ديني واجتماعي. ونرمين قالت انها في الجامعة ترتدي ملابس عصرية متناسقة، ومجارية للموضة، ولكنها لا تستطيع ارتداء "الميني جوب" في الجامعة، أو أية ملابس متحررة أخرى، وهي ترتدي تلك الملابس في عيد ميلادها، وفي بعض السهرات مع صديقاتها، لا سيما اذا كانت السهرة في صالة ديسكو. غير أن تلك الازدواجية لا تقلق نفس نرمين، ولا تشعرها بالفصام في السلوك، وهي تعلق على ذلك بالحكمة العربية القديمة: "لكل مقام مقال" ولا بد للانسان من قليل من العلمانية في سلوكياته لكي لا يعاني نفسياً. أما هدى صدقي، طالبة في كلية الهندسة، فتمثل حالة خاصة، تعبر عنها بقولها: ارتبطت عاطفياً بزميل لي، ولم أكن وقئذ محجبة، ولم يكن ظاهراً في الشاب الذي ارتبطت به اي اتجاه نحو التزمت، فهو كان شاباً عصرياً، مولعاً بالغناء الأجنبي، مدخناً، بل كان يحتسي مشروبات روحية في رأس السنة والأعياد، ولكنه أمرني - باسم الحب - بارتداء الحجاب، ولما سألته مندهشة عن ذلك، أجابني بكلام غير مقنع، غير أنني لمست في كلامه هذا شعوراً غامضاً بالذنب، وارتديت الحجاب ارضاء له، ولكننا افترقنا بعد ذلك بشهور ووجدتني ذات صباح اخلع الحجاب، الذي ارتديته من دون ارادتي، وانتفى سبب وجوده.