لعلّ كلمة "كرنفال" هي الأنسب للتعبير عن أزياء النساء في شوارع مصر. منقبات، مخمرات، محجبات، أنصاف محجبات وغير محجبات، بمختلف الدرجات، ومع اختلاف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والعمرية، وبالتالي على اختلاف الأذواق يصعب التوصل الى خط عام للأزياء المصرية، بل هي مجموعة خطوط متشابكة ومعقدة أدت الى بزوغ أنواع وأصناف من مصممي وصانعي الأزياء. هذا "الكرنفال" الذي بدأ في الثمانينات، وانتعش في التسعينات، ويسير الى طريق مجهول في مطلع الألفية الجديدة ساعد على ازدهاره ما عُرف ب"صناعة أزياء المحجبات". فمنذ اتجهت غالبية نساء وفتيات الطبقة الفقيرة والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة المندثرة الى ارتداء "إيشاربات" على رؤوسهن تجاوباً مع التيار الإسلامي في منتصف الثمانينات، ظهرت تجارة "الايشاربات" بشكل مكثف ثم اتجهت نسبة من النساء الى ارتداء الحجاب الكامل أو الخمار أو النقاب، وهو ما أدى بدوره الى بدء خطوط انتاج في مصانع الملابس أو افتتاح مصانع خصيصاً لتلبية تلك الحاجة. والعقلية التجارية ذكية بطبيعتها، فالمرأة، سواء اكتفت بارتداء الايشارب، او الحجاب أو الخمار أو النقاب لن تكتفي حتماً بزي واحد، ولن ترضى بموديل موحّد. وفي الأعوام العشرة الأخيرة، افتتحت مصانع مخصصة بأكملها لانتاج ملابس المحجبات على أنواعها. وتطور الأمر من مجرد صناعة جلاليب وفساتين طويلة لا معالم لها الى صناعة كاملة الزوايا، فها هم المصممون والمصممات يبتكرون يومياً موديلات وقصات لا أول لها ولا آخر يحاولون فيها المزج بين متطلبات الزي الإسلامي، وما يفترضه من طول واحتشام وأكمام طويلة، والقصات المسايرة لأحدث خطوط الأزياء، باستخدام الأقمشة الجديدة، والألوان الشائعة في باريس وروما وميلانو ولندن من دون مبالغة. فظهرت هذا العام الألوان البنفسجية، والزهري، والرمادي، وامتزجت تارة وانفصلت تارة أخرى. حتى أقمشة الشيفون الشفافة الشائعة، لم تحرم من ارتدائها المرأة المحجبة، وذلك باستخدام الأقمشة المبطنة لها كما لم تحرم المحجبات من ارتداء البدلات والتايورات، مع مراعاة عنصري الاتساع والفضفضة، وتكلل كل تلك الازياء بأغطية رأس لا أول لها ولا آخر من ألوان وأقمشة وأحجام متفاوتة ترضي الجميع. وبارتداء بعض بنات الطبقتين المتوسطة المندثرة والثرية الآخذة في النمو، الحجاب، روعي في خطوط الانتاج أن تلبي رغبات وأذواق وجيوب الجميع. فهناك الفساتين المصنوعة من الحرير الطبيعي تباع بنحو 800 جنيه، وتلك المصنوعة من الحرير الصناعي والتي لا يزيد ثمنها على 60 او 60 جنيهاً على أعلى تقدير. والوضع نفسه يسري على الإيشارب والطرحة فهنا يباع ب15 جنيهاً على الأرصفة، وهناك ما يزيد سعره على 250 و300 جنيه في محلات في المناطق الراقية. وأضحت محلات بيع ملابس المحجبات لجميع الفئات معروفة، بفضل الإعلانات من جهة وتناقل المعلومات بين دوائر المعارف، واختار معظم محال المحجبات اسماء تعكس فحواها، "الهدى" و"الكوثر" و"التوحيد والنور" و"إسراء" وغيرها وهي محال تخاطب متوسطات وفقيرات الحال، حتى أن أحد تلك المحال قدم قبل سنوات خدمة من نوع خاص متشبهاً بالاسلوب الحديث في بيع السيارات وهي إمكان استبدال "الأخت المحجبة" لملابسها القديمة بأخرى جديدة مع دفع الفارق، ويكون مبلغاً بسيطاً. كما يعرض عدد من المحال إمكان البيع بالتقسيط تسهيلاً على أختي المحجبة. وفي المقابل، هناك محال لبيع ملابس المحجبات تقبل الدفع ببطاقات الائتمان: بل ان أحدها اختار لنفسه اسم "hijab.com" بصدد طرح موقع له على شبكة "الانترنت" ليتيح لعميلاته فرصة التفرج على المنتجات وشرائها عبر الانترنت، ومن دون تكبد عناء الخروج من المنزل. وما دمنا ذكرنا الانترنت، فهناك مواقع عدة - وإن كانت غير مصرية - تتعلق بأزياء الحجاب والمنقبات، معظمها صممه نساء ورجال مسلمون يدافعون ويروجون لارتداء الازياء الاسلامية، ويقدمون بالرسم اليدوي أو التصوير الفوتوغرافي مقترحات بتصاميم لهم. وهناك موقع اختارت صاحبته تقديم خدمة مجانية لهاويات التفصيل من المنقبات لصنع ملابسهن، من عباءات، وغشوة، وهو القماش الذي يغطي الوجه من أعلى الأنف الى أسفل، والطرحة التي تغطي الوجه تماماً ويمكن رفعها الى أعلى، وغيرها. وهناك من يقدم طرحة صلاة هدية لكل من تشتري عباءة وخماراً، وغيرها من الأساليب الترويجية الشائعة ولكن تحت شعار الملابس المحتشمة. أزياء المنقبات لم تكن متاحة في مصر الى عهد قريب، وكانت المنقبات يعتمدن على أحد مصدرين، إما تكليف أقارب أو اصدقاء يعملون أو يزورون دولاً خليجية بشرائها لهن، أو تصنيعها بالجهود الذاتية، لكن حالياً، هي متاحة في أماكن عدة، وبأسعار زهيدة. تقول رضا عبدالسلام 30 عاماً من خلف النقاب إن أقارب زوجها العاملين في السعودية كانوا يشترون لها ملابس النقاب من هناك، لكن محلات عدة فتحت في منطقة جسر السويس شرق القاهرة حيث تقطن، باتت تبيع تلك الملابس، ويبلغ سعر الغشوة نحو 15 جنيهاً والطرحة التي تعلوها بنحو 25 جنيهاً، اما العباءة فتراوح أسعارها بين 100 و250 جنيهاً، وجميعها من اللون الأسود. وتشير عبدالسلام الى الجوارب السوداء القاتمة، وتقول إنها تباع بنحو ثماني جنيهات وهي متوافرة بالألوان الأبيض، والبيج، والبني، والرمادي، والأسود بالطبع. نشوى عبدالمنعم الحوفي 30 عاماً وتعمل مقدمة برامج في قناة النيل المتخصصة للأسرة والطفل - محجبة وترتدي ملابس بالغة الأناقة، على رغم أنها لا تخرج عن كونها عباءة وطرحة. تقول: "ارتداء المرأة للحجاب لا يعني ألا تكون المرأة أنيقة، كما أنه لا يبرر فوضى الملابس السائدة في الشارع المصري". الحوفي تشتري أكثر ملابسها من محل "الفريدة" للمحجبات في "جنينة مول" وهو أحد أضخم مراكز القاهرة التجارية وأكثرها أناقة. تقولك "تتراوح أسعار العباءة بين 260 و400 جنيه مصري، وهي عباءة أشبه بالفستان، بمعنى أنها ليست مفتوحة، وتلبس وحدها من دون حاجة الى فستان تحتها". وتضيف الحوفي أن محلاً معروفاً يبيع جلباب المحجبات المصنوع من الكتان المدعم بالشغل اليدوي بأسعار أقلها 2800 جنيه مصري. وللعلم فإن الإقبال على المحل عالي جداً من المصريات الثريات والسائحات العربيات، لا سيما أولئك المقيمات في الفندق المتاخم للمحل في وسط المدينة. المشكلة الوحيدة التي تواجه الحوفي في الأزياء هي فساتين السهرة. تقول: غالب فساتين السواريه للمحجبات "بلدي" جداً أي أنها خالية من الذوق فهي فساتين عادية، وعليها تطريز بالترتر وأبعد ما تكون عن الأناقة. والبديل الوحيد يكون شراؤها من تركيا وسورية حيث فساتين المحجبات السواريه الانيقة والمكلفة أيضاً. وهناك اكسسوارات المحجبات، وهي تقتصر على الدبوس الذي يوضع في الطرحة أو الخمار، وقد يكون الدبّوس مصنوعاً من النحاس ولا يزيد سعره على جنيهين أو ثلاثة. وقد يكون من الذهب الخالص، بل مرصع بالألماس والأحجار الثمينة متعدياً سعره بضعة آلاف من الجنيهات. وهناك نموذج ثالث من المحجبات لا يتقيدن بشراء ملابسهن من محال المحجبات، وهن الغالبية. أميمة نجدي عيسى 31 عاماً تشتري ملابسها من المحلات العادية، ولا عليها سوى انتقاء الموديلات الفضفاضة، والأكمام الطويلة، مع اختيار غطاء للرأس بلون مناسب. وهي تنفي تماماً ما يقال من أن وراء ارتداء الحجاب عامل اقتصادي، بمعنى أنه يوفر في كلفة شراء الملابس تقول: "أدفع لشراء ملابسي ما تدفعه غيري من غير المحجبات، إضافة الى كلفة أغطية الرأس، ولها ميزانية مستقلة، إذ يجب التنويع فيها لتناسب الملابس". إلا أن نسبة كبيرة ممن يفضلن ان يندرجن تحت مظلة "المحجبات" اسماً فقط، وهو ما يؤكده مظهرهن. فهن يرتدين البنطلون الضيق، والبلوزة القطنية الضيقة والمفتوحة من منطقة الصدر، مفسرات بذلك تفاصيل أجسامهن، مع وضع غطاء للرأس يبدأ من منتصف الشعر لتنسدل منه خصلة مصففة بعناية، وأحياناً مصبوغة بلون ذهبي، على وجه مدهون بكل أنواع المساحيق وألوان الطيف بدرجاته. ظاهرة لا تخلو من طرافة في دنيا المحجبات في مصر، وهي ستوديو تصوير فوتوغرافي يفتح أبوابه في مدينة الاسكندرية لهن فقط، تحت شعار "مصوراتنا المتخصصات يقدمن لك أختي المحجبة أحلى صورة، والتحميض على يد سيدات أيضاً". وهكذا بغض النظر عن الزي الذي تختاره المرأة، فإن اختيارها يضمن خطوط انتاج جديدة، ومحلات مبتكرة، وفتح بيوت آلاف العمال والفنيين لإرضائها، محجبة، أو منقبة، أو مخمرة، أو غير ذلك.