يواصل طلاب فرنسا تحديهم لرئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان، بإعلان عزمهم النزول مجدداً إلى الشارع اليوم، في تظاهرات منددة بعقد العمل الجديد الذي أقر أخيراً ويهدف إلى معالجة بطالة الشباب من غير الحائزين على شهادات أو تأهيل مهني. راجع ص 11 وتشارك في التظاهرات إلى جانب الطلاب، الأحزاب اليسارية والنقابات التي توقعت أن يبلغ عدد المتظاهرين في باريس وسواها من مدن فرنسية نحو 1.5 مليون متظاهر. وفي ظل التعبئة الطالبية المستمرة ضد عقد العمل الجديد، حيث أكدت الجمعيات العمومية التي عقدت أمس في الجامعات الفرنسية مواصلة غالبيتها الإضراب، اضطر الرئيس جاك شيراك إلى الدعوة إلى بدء الحوار حول الموضوع"في أسرع وقت". وقال شيراك في كلمة ألقاها خلال احتفال أقيم في قصر الإليزيه إن على الجميع تحمل مسؤولياته وان التظاهرات ينبغي أن تجرى"بهدوء وفي ظل احترام الجميع". وكانت التظاهرات التي شهدتها العاصمة وعدد من المدن الأخرى، أول من أمس انتهت إلى مواجهات عنيفة بين مجموعات من المتظاهرين وقوى الأمن. وأفادت الحصيلة التي أوردتها وزارة الداخلية عن اعتقال 272 شخصاً منهم 187 في باريس وإصابة 51 من رجال الشرطة بجروح، فيما أبلغ عن 18 جريحاً بين المتظاهرين، الذين حولوا الحي اللاتيني إلى ساحة حرب حتى ساعة متأخرة من الليل. وفيما تعمل أجهزة الأمن الفرنسية على إعداد الاحتياطات الضرورية لتفادي تجدد المواجهات على هامش تظاهرة اليوم، فإن السؤال الذي بات مطروحاً هو كيفية الخروج من هذا الوضع. استطلاع ووفقاً لاستطلاع أجراه معهد"سي أس 1"فإن المخرج يتمثل بالعدول عن العقد الجديد، الذي بات يحظى بمعارضة 7 فرنسيين من اصل عشرة، وهو ما يتفق مع مطلب الطلاب المحتجين ويعزز قناعتهم بجدوى احتجاجهم. وبالنسبة إلى النقابات، فإن المخرج لا يكمن في التجاوب مع الدعوة إلى الحوار التي وجهها دوفيلبان لبحث كيفية تطبيق العقد الجديد، بل بالتراجع عنه، كونه يفتقر إلى مبدأ الثبات في الوظيفة المنصوص عليه في قانون العمل الفرنسي. ومن وجهة اليسار الفرنسي، وتحديداً الحزب الاشتراكي المعارض، يتمثل المخرج أيضا بتراجع دوفيلبان عن عقده، باعتباره شكل خطوة أولى نحو تبديد المكاسب والتقديمات التي يحظى بها العمال في فرنسا. أما الحكومة، فترى أن المخرج يقضي بعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية والشروع بتطبيق العقد الجديد، باعتباره"السبيل الوحيد لمكافحة بطالة مرتفعة جداً"في بعض الأوساط الشبابية وتفوق نسبتها ال 20 في المئة. وبإصرارها على هذا الموقف، تواجه الحكومة ورئيسها اختباراً شديد الصعوبة مع شباب فرنسا الذين أثبتوا دوماً قدرتهم على فرض آرائهم المعارضة على المسؤولين بدءاً بالرئيس الراحل الجنرال شارل ديغول وعبر أحداث أيار مايو 1968، ولاحقاً بإفشال خطط إصلاحية اقترحتها الحكومات المختلفة. وكان دوفيلبان قرر إعداد العقد الجديد على ضوء ما لمسه من معناه خلال أحداث الضواحي في الخريف الماضي، معتبراً أن غياب النمو والفتور الاقتصادي ينبغي ألا يحولا دون العمل على دمجهم بسوق العمل وتحسين أوضاعهم. والمفارقة اليوم، هي أن شباب الضواحي، وهم المعنيون الأساسيون بعقد العمل الجديد، لم يتحركوا ضده. بل أن بعضهم يرى فيه فرصة إيجابية، في حين أن هذا العقد محط غضب الطلاب الجامعيين الذي لا يعنيهم.