لليوم العاشر على التوالي، استفاقت فرنسا على حصيلة جديدة مأسوية لأعمال العنف التي لم تعد مقتصرة على الضواحي الباريسية بل امتدت إلى مناطق أخرى، فيما واصلت الحكومة اتصالاتها ومساعيها لمحاصرة ما بات يوصف بأخطر أزمة تواجهها منذ تشكيلها في حزيران يونيو الماضي. وعقد رئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان اجتماع أزمة مع عدد من أعضاء حكومته, بينهم وزير الداخلية نيكولا ساركوزي, لتقويم الوضع في"المناطق المدينية الحساسة". تخريب وتجاوزت أعمال العنف على مدى الليالي الثلاث الماضية نطاق التحركات الانتقامية المعهودة في الضواحي الفرنسية، وبدأت تأخذ منحى الأعمال التخريبية المتعمدة على أوسع نطاق، علماً أنها اندلعت احتجاجاً على وفاة شابين صعقاً بالتيار الكهربائي، لدى اختبائهما داخل محول هرباً من الشرطة في ضاحية كليشي سوبوا. واقتصرت أعمال العنف في البداية على مواجهات مع الدوريات الامنية، وحرائق محدودة، لكن مثيري الشغب اعتمدوا نهج استهداف المقرات العامة والممتلكات الخاصة بألسنة الحرائق التي يشعلونها. وأتت الحرائق على نحو تسعمئة سيارة في الضاحية الباريسية وفي ضواحي مدن أخرى مثل ليل وستراسبورغ وبوردو وتولوز وغيرها، ما جعل سكان الضواحي المتضررين الأساسيين، علماً إن عدداً منهم فقد موارد رزقه من متاجر ومطاعم صغيرة وغيرها في الحرائق، وبات يعاني خوفاً يجبره على ملازمة منزله وعدم المجازفة بالخروج الى الشارع. وشهدت منطقة أولني سوبوا الواقعة ضمن ضاحية سان دوني، تظاهرة صامتة ضمت مئات من المواطنين، وشارك فيها رئيس بلدية المنطقة الذي صرح بأن المتظاهرين أرادوا التعبير عن قلقهم ومطالبة مثيري الشغب بالكف عن أعمالهم المؤذية. ودان مشاركون في التظاهرة أعمال العنف، لكنهم أشاروا إلى أنهم يتفهمون أسبابها ونقمة الشباب المشاركين فيها إذ لا مدارس تؤويهم ولا مهن لديهم. رئيس مسجد أولني سوبوا اعتبر أن العنف المتفشي في الضواحي منذ أيام، لن يؤدي إلى أي حل للمشكلات، وان الحل لا يمكن التوصل إليه إلا بالحوار. اجتماع طارئ وعقد دو فيلبان اجتماعاً حكومياً مصغراً لتقويم الأوضاع، بعدما استقبل أول من أمس مجموعة من شباب الضواحي. وبدأ الاجتماع بخلوة له مع الوزير ساركوزي، انضم إليهما لاحقاً وزراء العمل جان لوي بورلو والمال تييري برونون والتربية جيل دوروبيان والعدل باساكل كليمان، والوزير المفوض لتكافؤ الفرص والغاء التمييز عزوز بيغاغ. وصرح ساركوزي عقب الاجتماع بأن الحكومة موحدة ومجمعة على ضرورة اعتماد التشدد حيال العابثين بأمن الضواحي وكشف اعتقالات شملت 258 من هؤلاء. ويندرج الاجتماع الذي أعلنت رئاسة الحكومة أن اجتماعات مماثلة ستتبعه اليوم، في إطار النهج الذي يرغب دوفيلبان في إرسائه على صعيد التعامل مع وضع الضواحي. ويقضي بقمع المشاغبين والعمل لاعتماد إجراءات تربوية واقتصادية لمعالجة جذور التوتر الدائم المسيطر على الضواحي، المسماة بالمناطق الحساسة ويبلغ عددها 750 منطقة في فرنسا. وكان دوفيلبان أعلن ان خطة متكاملة تعدّ لمواجهة أزمة الضواحي التي يجمع مراقبون على اعتبارها تعبيراً جديداً عن فشل عقود من التعامل مع الفرنسيين من أصحاب أصول المهاجرين. واستقبل دوفيلبان رئيس المجلس الفرنسي للديانة المسلمة، عميد مسجد باريس، دليل بوبكر الذي أشار إلى أن رئيس الحكومة أكد له أن قنبلة الغاز التي انفجرت في مسجد كليشي سوبوا قبل أيام لم تستهدف المجلس، وأعرب عن احترامه للجالية المسلمة. رسالة المعارضة الى ذلك، واصلت المعارضة اليسارية حملتها على الحكومة، ووجه رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي فرانسوا هولاند رسالة إلى دوفيلبان طالبه فيها الإسراع في عقد جلسة برلمانية لمناقشة الوضع في الضواحي. وقال فيها:"تتحمل حكومتكم جزءاً من المسؤولية عن أعمال العنف ويعود إليكم تقدير الأبعاد المترتبة على هذه الأزمة"واطلاع الفرنسيين"بشفافية تامة على تفاصيل ما يجري". وضم مسؤولون في الحزب الشيوعي أصواتهم إلى النائب عن حزب"أنصار البيئة"الخضر نوبيل مامير مطالبين باستقالة ساركوزي، معتبرين إن مواقفه وتحركاته كانت الصاعق المفجّر لأحداث الضواحي. القذافي وأجرى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي اتصالاً هاتفياً بالرئيس جاك شيراك عبر خلاله عن"قلقه"حيال الأحداث التي تشهدها العاصمة الفرنسية وبعض ضواحيها. وأفادت وكالة الأنباء الليبية أن شيراك"طمأن"القذافي الى الوضع في باريس، مؤكداً انه"تحت السيطرة".