أكد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس، عزمه على المضي في خطة اصلاح نظام التقاعد وذلك غداة «يوم الرفض» العارم لمضمون هذه الخطة الذي عبر عنه ملايين المتظاهرين، وعلى رغم تمديد الاضرابات في قطاعات حيوية عدة لليوم الثالث على التوالي امس. ونقل الناطق باسم الحكومة الفرنسية لوك شاتيل عن ساركوزي قوله خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة الفرنسية، انه «أياً تكن الصعوبات التي تواجه تطبيق خطة بهذه الأهمية»، فإنه يتوجب على الحكومة والبرلمان «المضي بها بعزم وتروٍ لما فيه المصلحة العامة». الإصرار ذاته، أبداه وزير العمل اريك فورت الذي يعد مهندس هذه الخطة التي تقضي بتمديد سن التقاعد الى 62 سنة بدلاً من 60 حالياً، بقوله ان الخطة الإصلاحية «من مصلحة البلاد ومصلحة المتقاعدين ومصلحة الشباب». وأتى التصريح الأكثر وضوحاً على لسان سكرتيرة الدولة لشؤون الأسرة نادين مورانو التي صرحت عقب الاجتماع الحكومي بأن «الاحتجاج في الشارع لن يحملنا على العودة عن اصلاح ضروري». وتشير هذه المواقف الى ان ساركوزي ليس في وارد الإذعان لضغط الشارع، وانه مستمر في الرهان على تلاشي الاحتجاج، على رغم دخوله في مرحلة جديدة، من خلال الإضراب القابل للتمديد يومياً وانضمام الطلبة الى حقوق المحتجين. والمرجح ان ساركوزي يرى في إحجام النقابات الى الآن عن الدعوة الى اضراب عام مفتوح، مثلما حصل في عهد الرئيس جاك شيراك وحكومة آلان جوبيه سنة 1995، دليلاً على عدم رغبتها في خوض معركة قاسية ضد خطة اصلاح نظام التقاعد. والمعروف ان الإضراب العام الذي شهدته فرنسا ضد خطة جوبيه لإصلاح نظام التقاعد، أصابت البلاد بشلل تام على مدى أسبوعين وانتهت بسحب الخطة الإصلاحية الحكومية. والفارق بين اضرابات عام 1995 والاحتجاجات الحالية هو ان النقابات باتت مدركة لضرورة اعتماد اصلاحات بهدف انقاذ نظام التقاعد من الإفلاس الذي يهدده، لكنها تعتبر ان الخطة الحكومية التي أقرها البرلمان ويواصل مجلس الشيوخ مناقشتها غير منصفة للذين يمارسون أعمالاً قاسية والذين بدأوا العمل في سن مبكرة وللنساء اللواتي توقفن عن العمل لتربية أولادهن. لكن التخوف الآن هو ان تضطر هذه النقابات الى تجذير موقفها تحت ضغط الرأي العام، الذي يرفض بغالبيته الخطة الحكومية، وفي حال اتساع نطاق الاحتجاج في المؤسسات التعليمية. وكانت النقابات أعلنت عن اجتماع امس، لتقويم الوضع كما دعت الى تظاهرات جديدة السبت المقبل في المدن الفرنسية الرئيسة. وبالطبع، فإن القرار الذي سيصدر عن النقابات اليوم وكذلك حجم التعبئة في التظاهرة المقبلة، يحظى باهتمام بالغ من جانب أوساط الرئاسة، لأن التوصل الى تطبيق الخطة الإصلاحية هو بمثابة حجر الأساس في اطار حملة الانتخابات الرئاسية التي ينوي ساركوزي خوضها مجدداً آملاً في الفوز بولاية ثانية عام 2012. ومن البديهي التساؤل عما سيكون عليه موقف ساركوزي في حال تصاعد المواجهة واتساعها، خصوصاً أنه كان في طليعة الوزراء الذين طالبوا رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان بسحب قانون عقد الوظيفة الأولى للشباب، عام 2006، نظراً الى حدة رفض الفرنسيين لهذا القانون.