"القيادات الشابة! مثل هذه العبارة كان نوعاً من المزاح الثقيل، قبل سنوات قليلة فقط... لكن الصورة تغيرت بعض الشيء، بفضل ولادات قيصرية صعبة، فرضتها المتغيرات والحاجة"، يقول الإعلامي الشاب الذي لم يجد موقعاً ثابتاً للعمل، ويضيف:"كان مستحيلاً أن ترى قيادياً شاباً في موقع القرار، مهما كان نوعه. فالستينيون يحتلون الكراسي بالجملة ويتفرجون على أنفسهم في مرايا القاعة الفارغة. اليوم لا تخلو خريطة الإدارة من وجوه شابة تسعى إلى ترسيخ وجودها وديناميتها ونظرتها المختلفة إلى المسؤولية في حرب شبه معلنة بين جيلين". الإعلامي الشاب نفسه يعلن تفاؤله بإحراز بعض التقدم في المباراة بعد فوز بعض"الأربعينيين"بمناصب حساسة، ويعدد حفنة من الأسماء الشابة التي صعدت سلم الإدارة، مثل عبد الله الدردري رئيس هيئة التخطيط، ولاحقاً نائب رئيس الحكومة بدأ حياته المهنية مراسلاً لپ"الحياة"، ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ديالا الحاج عارف، وعبد الفتاح العوض، رئيس تحرير"الثورة"الذي جاء إلى موقع القرار الإعلامي بعد نجاحات مهنية لافتة. ويوضح:"المشكلة ليست في ندرة الكفايات الشابة، إنما في الهيكلية القديمة للمؤسسات، وهي هيكلية بيروقراطية صارمة لا تسمح بعبور المبادرات الجديدة والجريئة". ويشير الدكتور أكرم ناصر، الأستاذ في المعهد العالي للعلوم والتكنولوجيا في بحث له، إلى أن التسرّع الذي رافق تولي عدد كبير من الشباب قيادات الإدارات العامة، لم يكن موفقاً تماماً، ولكل قاعدة استثناء، وتالياً لا بد من مزج ثنائية إبداع الشباب بحكمة القادة والكهول". واللافت للنظر في السنوات الأخيرة صعود جيل جديد من رجال وسيدات الأعمال في إدارة مؤسسات وشركات خاصة، لكن هؤلاء أتوا من موقع وراثة عائلية لشركات كان آباؤهم أسسوها ضمن عقلية تجارية تقليدية. فأغلب العائلات السورية العريقة تعمل في حقل تجاري محدد تتوارثه أباً عن جد، وما فعله الجيل الجديد هو إدخال عقلية إدارية متطورة تعتمد الأتمتة والكومبيوتر والطاقات الأكاديمية لتطوير آلية العمل التي كانت تدار"بالتوكل". إضافة إلى هؤلاء، اقتحمت الساحة قيادات شابة لإدارة مشاريع يشاع عنها انها وهمية والهدف منها تبييض أموال غامضة لا تخلو من رائحة فساد. وأدى اتساع حضور القيادات الشابة في مراكز القرار إلى التفكير في أطر تجمع هذه الطاقات، فتأسست أكثر من جمعية متخصصة، أبرزها"الجمعية السورية لرواد الأعمال الشباب"وهذه الجمعية كما يقول أحد أعضائها محمد زكريا طرفي، جاءت"ترجمة لطموح الشباب المتحمس والمخلص الذي شعر أن من واجبه الاسهام في تطوير المناخ الاقتصادي، بهدف خلق تجمع قادر على الافادة من الجهود والمواهب الفردية لكل الأعضاء وتحويلها إلى عمل جماعي مؤثر وايجابي، على أسس علمية وتقنية وإدارية حديثة". من جهته، يحذر المهندس سعد بساطة، رئيس فريق العمل في مشروع الجاهزية التنافسية العائد لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي من"ممارسة الأخطاء والانزلاق في الرمال المتحركة"في حال استئثار الشباب وحدهم في صنع القرار والخشية من الغرور بسبب الاعتداد الأكاديمي الذي يوهم الشباب بأنه يغني عن الخبرة والتجربة. وهو ما يعود ويؤكده أكرم ناصر من موقع أن المدير الشاب"لا يفرّق بين الناصح والمنافق"في وجود قوى خفية تحارب نجاحاته، إضافة إلى تعلقه بالمنصب على حساب أي قرار أو رؤية قد يراها صحيحة، لأنه في الغالب ارتقى منصباً لا يستحقه. ويختتم قائلاً:"مدير ناجح فنياً وفاشل إدارياً، هو في النتيجة مدير فاشل".