ستشرع أبواب الحوار، في دولة الامارات العربية المتحدة، في أعقاب قرار رئىسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تعيين نجله الشيخ محمد بن زايد، نائباً لولي عهد إمارة أبو ظبي. وهو القرار الذي حسم ترتيب سلم أولويات الانتقال السلمي للسلطة في إمارة أبو ظبي، وفي دولة الامارات العربية المتحدة لاحقاً، حيث يحتل محمد بن زايد منصب ولي العهد في أبو ظبي في حال خلو المنصب، كما أكد القرار ذلك. وترى النخبة السياسية والقبلية والثقافية الاماراتية، الى قرار الشيخ زايد بوضع محمد بن زايد بعد ولي العهد الحالي الشيخ خليفة بن زايد، امتداداً لدرايته السياسية وخبرته القيادية، كما ترجمها موقفه المعروف بقيام الدولة الاتحادية الحالية على أساس تجميع طاقات سبع إمارات متفاوتة في الثروة والمساحة الجغرافية. على ان النقطة الأبرز في هذا القرار الذي قوبل بالتفهم والتأييد الشعبي، انه استمرار لصواب نظر رئيس الامارات في بناء قيادة ميدانية محلية شابة تتولى الأداء التنفيذي فضلاً عن التخطيط، على مستويات العمل الوطني بعامة. ولقد كان الخط الأول في تلك النقطة، هو الرعاية المعروفة على الصعيد الإماراتي والخليجي، التي أسبغها زايد بن سلطان آل نهيان، على إنجال شريكه في بناء التجربة الاتحادية، حاكم دبي الراحل راشد بن سعيد المكتوم، وبينهم الشيخ محمد بن راشد، ولي عهد دبي وزير الدفاع، الذي يبدو في سلوكه العملي واختياراته الثقافية، رديفاً لشخصية الزعيم التاريخي لدولة الامارات العربية المتحدة. ويضطلع محمد بن راشد، الذي يبدي احتراماً خاصاً لزايد في قصائد من الشعر الشعبي الاماراتي احياناً كثيرة، بدور القيادة الميدانية اليومية في دبي، وارتبطت باسمه مشاريع اقتصادية واجتماعية وإعلامية شهدتها الامارة الفتية في السنوات الخمس عشرة الاخيرة، وهو يحيط نفسه بمجموعة من الكفايات الاستشارية المرموقة. ومنذ سنوات عدة، كان حديث الحلقات الأكثر دراية من النخب بدولة الامارات العربية، ينصب حول الشيخ محمد بن زايد الذي اخذ صيته يظهر سنة بعد سنة، تحت رعاية شقيقه الشيخ خليفة بن زايد ولي عهد أبو ظبي في "المجلس التنفيذي لأبو ظبي" وفي "المجلس الأعلى للبترول"، وكذلك "هيئة أركان" القوات المسلحة، وهذا ما لفت اليه الانظار كرجل دولة مقبل في أوساط عالمية. وأخذ هذا الرأي يتعزز في الفترات القليلة الماضية، عندما أخذ محمد بن زايد ومحمد بن راشد، يشكلان حضوراً ذا ثقل في أكبر إماراتين يتشكل منهما الاتحاد السباعي، الذي يعتبر من وجهة نظر الدارسين المحايدين، التجربة الوحدوية العربية الأكثر جذباً لاهتمامات العرب المعنيين بالعمل السياسي الناضج على الصعيد القومي. ووجد هذا الرأي صداه، وصدقيته كذلك في تلازم قيادة ميدانية شابة في العاصمة السياسية للدولة، أي أبو ظبي، مع قيادة ميدانية شابة ايضاً للعاصمة الاقتصادية، أي دبي. وهذا ما تحقق في اكثر من مناسبة، ووجد تفهماً في بقية إمارات ومدن الدولة التي احتفل مواطنوها قبل ايام قليلة بالعيد الثاني والثلاثين لميلادها. ان الشيخ محمد بن زايد، كان امتثالاً وطنياً لخط والده المتمثل في شخصية شقيقه خليفة بن زايد. وسنرى ايضاً ان هذا التلازم انعكس كذلك بين حاكم دبي الشيخ مكتوم بن راشد وبين ولي عهده محمد بن راشد. وحيث يشترك الشابان محمد بن راشد ومحمد بن زايد في قيادة المؤسسة العسكرية للدولة، تبادل الرجلان صناعة الوحدة المأمولة للقوات المسلحة للدولة، وهذا هو الهم الأكثر احتراماً بين صفوف مواطني الامارات. وهو تحقق استجابة لدواعٍ وطنية وقومية، فضلاً عن الجوانب الاخلاقية. ولأنه المستشار الرئيس لوالده رئيس الامارات العربية المتحدة، تمكن محمد بن زايد من المساهمة الفاعلة في صوغ الشأن المحلي بإمارة أبو ظبي، والسياسة الخارجية والدفاعية للدولة الاتحادية عموماً، مستنداً في ذلك الى معطيات عقلية وثقافية ذات علاقة بالتراث المدون والشفهي لشعب الامارات، وكذلك بظاهرات التطور المعرفي العالمي. في هذا الصدد أشير الى ان محمد بن زايد هو رئيس "مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" الذي تحول في السنوات الاخيرة الى حاضنة لكبار الباحثين الاستراتيجيين العالميين وخبراء السياسة الدولية، حيث أخذ المراقبون لتطورات الحياة السياسية والاوضاع الأمنية في منطقة الخليج العربي خصوصاً يعولون كثيراً على الدراسات المنشورة للمركز، وكذلك على الحلقات الدراسية التي نظمها ايضاً. يقودنا هذا التشخيص الى تسجيل دور محمد بن زايد في رسم السياسة الخارجية للإمارات العربية المتحدة، من خلال شخصية الشيخ حمدان بن زايد وزير الدولة للشؤون الخارجية، الذي اصبح نائباً لرئيس الوزراء قبل اسابيع عدة بقرار استباقي من رئيس دولة الامارات العربية ذاته. ولقد دخلت القوات المسلحة الاماراتية شبكة العلاقات الدولية، في منطقة البلقان مثلاً، في نطاق الاممالمتحدة، كقوة تدخل سلمي، مهمتها الحفاظ على أرواح المدنيين، وتطهير ساحات القتال من الألغام، وهي تجربة جديدة على الجيوش العربية في العصر الحديث. والآن، فإن تعيين محمد بن زايد نائباً لولي عهد أبو ظبي، وولياً للعهد في حال خلو المنصب، يجعل فكرة "القيادة الميدانية الشابة" لدولة الامارات العربية المتحدة، التي طالما طرحت بين اوساط النخب الاماراتية، واقعاً ملموساً، لا بد من ان ينال عناية المعنيين بالتحولات العربية في بواكير القرن الحادي والعشرين. والسؤال الأكثر جدية، حين تسجيل ولادة هذه القيادة الشابة الميدانية، هو كيفية استجابتها لتحديات ضخمة على الصعيد المحلي خصوصاً، لا سيما وأن مهمات العمل الوطني الاماراتي لا تزال المحور المفضل لدى ابناء الامارات، سواء في وسائل الاعلام والاتصال الحديثة، او على صعيد منتديات العمل الشعبي التقليدية. في حقيقة الأمر، ان ملامح حقبة جديدة في العمل الوطني الاماراتي بدأت تتشكل. وأنها تطرح نفسها على هذه "البنية القيادية الشابة" التي تكونت بطريقة سلمية وتدريجية، وليس بطريقة "انقلابية" او استجابة "لضغوط خارجية". وهذا ما يجعل تصديها لمهمات العمل الوطني، قابلاً للنجاح استناداً الى تراكم خبرة "الجيل المؤسس"، وفي مقدمها الارتقاء بمستوى "المشاركة الشعبية" الى فضاءات أكثر تطوراً ورقياً من مستوى الصيغة الحالية للمجلس الوطني الاتحادي، اذ المأمول ان تتسع هذه الصيغة الى حال انتخاب اعضاء المجلس، بالطريقة المباشرة لا سيما بعد التغييرات التي شهدتها دول المنطقة في هذا الصدد. ان اصوات مواطني الامارات، عالية في ما يتعلق بنقد تجربة "المشاركة الشعبية" وهناك نداءات مخلصة تدعو الى اشراك قطاع المرأة في هذه العملية، والالتفات الى الكفايات النسائية التي أثبتت وجودها في ميادين الدراسات العلمية المتخصصة، واستثمار كفاياتهن على صعيد مجلس الوزراء ايضاً. ولا شك في ان المهمات الأولى لهذه "القيادة الميدانية الشابة" اعادة صوغ مصادر الاقتصاد الوطني الذي يقوم على النفط، بعدما تمكنت إمارة دبي في السنوات العشر الاخيرة، تعويض التراجع في عائدات البترول، من خلال منافع التبادلات التجارية والمالية الضخمة، فضلاً عن السياحة، وهذا ما جعل الامارات العربية المتحدة، جسر اتصال بين شعوب هذا الكوكب وثقافاته. وعلى رغم ان تقارير الهيئات العالمية المحايدة، تشير الى هامش في الحرية الاعلامية بدولة الامارات العربية، الا ان الجسم الاعلامي والثقافي الاماراتي يطالب بالمزيد، وهناك مواقف معلنة لجمعية الصحافيين الاماراتيين تؤكد ضرورة "توطين" العمل الاعلامي والثقافي، والانفتاح على التجربة العالمية من زاوية التركيز على الهوية المحلية والثقافية الخاصة لشعب دولة الامارات العربية المتحدة وإتاحة المجال الأوسع امام القطاع الشبابي للقيام بمهماته ووجباته الوطنية. من هذه الزوايا، يمكن النظر الى مغازي القرار الاخير لرئيس دولة الامارات العربية المتحدة، والذي هو استمرار لعملية سياسية واجتماعية وثقافية، لا بد من ان تتصدى "القيادة الميدانية الشابة" الاماراتية للتعامل معها، وفقاً لعالم متغير. قوامه ثقافة الحرية وحقوق الانسان والانتقال الحر للمعلومات "وبناء تجربة عربية متقدمة في هذا الميدان بعد ان تحولت تجربة "الدولة الاتحادية" الى حقيقة عيانية وملموسة. * صحافي اماراتي، مدير ادارة آسيا واستراليا في جامعة الدول العربية - القاهرة.