من غرفة فندقها المطلة على كورنيش الدوحة، تستقبلك شيرين بابتسامة دافئة وبكلمة ترحيب تخرج من صوت هادئ. من يعرف شيرين، يعرف تماماً أن المطربة التي حصدت في سنوات قليلة الشهرة، ليست بهذا"الهدوء". لكن اللقاء كان قبل ساعات من موعد حفلتها في افتتاح مهرجان الدوحة الغنائي. في عيني تلك الشابة بريق يمزج الغموض مع الحزن، وفي حديثها حنين إلى حياة البساطة والعفوية، وفي مفكرتها مشاريع تحاول من خلالها،"قلب المقاييس في عالم الأغنية". تضحك شيرين حينما تصف اختياراتها الفنية بالمجازفة،"هذا ما أردت فعله. أنا أبحث عن أعمال تبقى حيّة حتى بعد مماتي. مثل عبد الحليم، أحاول بناء مدرسة شيرين الفنية."لازم أعيش"جاء ألبوماً هادئاً كلاسيكياً نوعاً ما. لكنه نجح بسب اختياراته الصحيحة أولاً، ولأنني ثانياً كنت في تلك الفترة أمرّ في أوقات عصيبة ونفسيتي كانت متعبة جداً، فترجمت ذلك الإحساس في أدائي. وعندما تكون صادقاً تصل إلى قلوب الناس في شكل أسرع". وهذه هي المرة الثانية التي تطل فيها شيرين على جمهور الدوحة،"المهرجانات مهمة وهي الدولة كلها. والجمهور الخليجي هو قاعدة أساسية لكل مطرب. هو جمهور يستمع جيداً، ويحبني حتى لو لم أقدم حتى اليوم أي أغنية محلية. اللهجة اللبنانية أتقنها. وسأخوض التجربة قريباً، شرط أن تكون مع زياد الرحباني أو زياد بطرس أو جان ماري رياشي وسمير صفير". وترفض مقولة أن النجومية السريعة يقابلها هبوط سريع،"فالذي يبحث في كل عمل جديد على تطوير نفسه ينجح". لكنها في المقابل تخشى من الفترة الزمنية القصيرة التي بات على الفنان أن يعيشها في عصرنا هذا،"لن أنتظر اليوم الذي ستخفت فيه أضواء النجومية عني. سأكون حينها انسحبت. لن أقاوم وأتحدى، فأنا لا أستطيع العيش من دون نجاح. أتنفس التفوق وأتذوقه. والفشل يدخلني فوراً غرفة الإنعاش". بين القاهرة والناس وسط كل ذلك، تحنّ شيرين إلى تلك المراهقة التي هجرتها يوماً، وتشتاق إلى زحمة الشوارع الشعبية ونزهة النيل وتناول"الكشري"مع الأصحاب. وتقول متنهدة:"أحاول التعويض عن تلك التفاصيل الجميلة في أي بلد أجنبي أزوره. كما إنني أسرق بعض الدقائق لأمارس حياة أخذت منّي سريعاً. حرمتني الشهرة من أشياء كثيرة كما غيّر فيّ الوسط الفني نواحي عدة... صحيح أن النجومية تعطي الكثير، لكن الضغط اليومي الذي أعيشه جعلني عصبية في شكل كبير". وتستدرك سريعاً:"ليس بسبب الناس ومحبتهم بل على العكس، هم الدافع الحقيقي... لكنني مللت من رسم ابتسامة صفراء على شفتي طوال الوقت، تعبت من المجاملات ومراعاة الظروف. أعيش في بعض الأحيان أوقاتاً عصيبة، وأبقى طوال الوقت قلقة... لكن وسط كل ذلك، يطلبون مني أن أبقى هادئة!". وفي وقت يحسب على شيرين إنها تستفز في سرعة كبيرة، وفي كل مرة تتعرّض لهجوم أحدهم عليها، ترّد في شكل مباشر. لكنها تحاول قلب القاعدة،"لن أردّ على أحد بعد اليوم. كان آخر تصريح عن راغب علامة وأنا لم أقل إنه كذاب. وجدت أن مسألة الردّ تضيع الكثير من وقتي وطاقتي. ممكن أن يردّ محاميّ لكن أنا لن أفعل". في عيني صاحبة"لازم أعيش"، حزن كبير،" حتى عندما أكون سعيدة جداً لا أفرح حتى النهاية. أعرف أن هذه الفرحة لن تطول."لا أحب أن أفرح زيادة عن اللزوم"، ولا أدري إن كانت الصفعات التي خبأتها لي الحياة هي التي ألبستني هذا الثوب. تراني، وسط الفرح، أجلس وحيدة أفكر. لكنني في النهاية، أستطيع أن أقول أنني سعيدة بفني وعائلتي". شيرين التي تغني بشجن، تعترف بأن قلبها مفتوح على الحب،"صادفت ذلك الفارس على الحصان الأبيض لكنني لم أوفق عقلياً في الاختيار... أحلم عندما أبلغ ال 29 عاماً أن أتزوج وأبني منزلاً وأسرة لكنني لن أعتزل الغناء". بوب وعبد الحليم وشيرين التي كرّست صوتها لأغاني البوب من جهة، والأعمال الهادئة من ناحية ثانية، تحبّ صفة"المطربة الشعبية"، في حال"كان المقصود هو استقطاب أعمالي للشريحة الكبرى من الجمهور". وتكمل بحزم:"لكنني لست حكيم أو شعبان عبد الرحيم. وهذا ليس انتقاصاً من حقهما، هما قدما خطاً واضحاً ونجحا فيه، لكنهما لم يطرقا باب الأغنية الكلاسيكية". وبين"شيرين آه يا ليل"، و"شيرين صبري قليل"، و"شيرين لازم أعيش"، تفضل المطربة المصرية تسمية"شيرين عبد الوهاب"،"فأنا نجحت في جميع الألوان الغنائية. وهذا يتطلب مني مجهوداً أكبر لاختيار أغان أفضل، علماً أن ألبومي الجديد سيتضمن أعمالاً متميزة، ستقلب موازين القوى وتبدل كثيراً في ملامح الموجة السائدة". تحب صاحبة الإحساس الدافئ، عبد الحليم وأم كلثوم وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة، وشادية التي تعتبرها مثالاً أعلى. كما تعشق صوت فيروز ووديع الصافي وجوليا بطرس ومعين شريف... فضلاً عن نانسي عجرم التي تحبها كثيراً، وجورج وسوف ونبيل شعيل وحسين الجسمي. ومن مصر، محمد الحلو وعمرو دياب وأنغام. وعن اعتزال محمد الحلو، تقول شيرين:" لو أحسست بأن وجودي في الساحة الفنية بات باهتاً سأبقى في المنزل. وهو لو أحسّ بذلك فأنا أحييه، علماً إنني لن أحرم من صوته، لأنني سأذهب لزيارته دائماً". وترى أن المعادلة بين الجمهور وعدم الابتذال ليست صعبة،"فأنا لا أبحث في الشعر عن"إفيهات"ترغب المستمع بالأغنية. بل بالعكس، على كل كلمة أن تحمل معنى وتعكس حالة صادقة". صاحبة الصوت المتمكن، لم تعد تعتمد فقط على حنجرتها، بل باتت تهتم بطلتها أيضاً، وبيروت هي خيارها الأول،"أنا أؤمن بمقولة"إدي العيش لخبازه". في باريس قد يكونون تفوقوا على بيروت في مسألة التصوير الفوتوغرافي لأنهم يستطيعون أن يظهروا الشخص طبيعياً وجميلاً في آن. لكن في ما يتعلق بالطلة، ففي بيروت حسّ مرهف لدى جميع العاملين في هذا المجال". شيرين ستطلق قريباً كليب أغنية"على بالي"مع المخرجة اللبنانية ليلى كنعان، وتخوض بإصرار تجربة التمثيل السينمائي مجدداً، في فيلم متّقن، كما تقول.