أعلن موقعان إلكترونيان ثقافيان في سورية، في مطلع هذا العام، انطلاقتهما على شبكة الإنترنت، الأول عنوانه"جدار"والثاني"ألف". وبدت هذه الانطلاقة بمثابة استغاثة لانتشال المشهد الثقافي السوري من سكونيته المزمنة، بعدما تحولت المنابر الثقافية في الصحف والمجلات إلى مكان لاستعادة الموتى والتغني بأمجاد الأسلاف، عدا بعض محاولات التسلل التي تقوم بها أصوات شابة لزعزعة هذه البنى الراسخة، وهي غالباً ما تصطدم بپ"صفارة انذار"قبل أن تركل الكرة في الملعب، أمام حجم المحظورات والتأويلات والمخاوف من تفسيرات ليست في البال. هكذا استمرت سطوة الآباء على أعمدة الصحف منذ عقدين على الأقل في ما يشبه العرض المتواصل لأفلام الاعادة في السينمات الخلفية، من دون أن يطرأ أي تعديل على صورهم الشخصية التي التقطت في عهد الشباب الأول، وصار في إمكان القارئ معرفة فحوى هذه الأعمدة ومراميها، تبعاً لنوعية البضاعة المعروضة، طالما أن بعض كتابها هم موجهون تربويون، أو معلمو لغة عربية، أو كتاب متقاعدون. ولم يعد اسم كبير مثل محمد الماغوط الذي يكتب عموداً أسبوعياً في صحيفة"تشرين"بعنوان"خواطر لا تسر الخاطر"يثير لغطاً، أو ما يكتبه حنا مينة وآخرون من الجيل ذاته. لكن هذا التغني بأمجاد تلك المرحلة يستدعي في الوقت ذاته سؤالاً ملحاً عن أسباب غياب مقترحات الأجيال اللاحقة، وكيف أقصيت نصوصها إلى الأدراج الخلفية، من دون أي مبادرة لاستقطابها. ولعل هذا الصمت الاضطراري الطويل، هو الذي قاد"ورشة الأمل"الجديدة إلى احتلال مواقع قسرية لنصوصها ولو عبر شبكة الإنترنت. يفسر جماعة"جدار"الأمر بأن هذه الخطوة جاءت بعد سنوات من التيه في مجاهل الشبكة العنكبوتية والمعاناة المتواترة بسبب الأساليب غير الناضجة في التواصل، مما أدى إلى ضياع الأثر الثقافي السوري وغيابه لمصلحة روح الثرثرة. ويضيف بيان"جدار"أنه قد"آن الآوان للمثقف السوري أن يجد مكاناً له تحت شمس الشبكة، للملمة شمل الكتاب السوريين وتقديمهم للقارئ بما يخدم روح الإبداع السورية المغيبة". وهذه الإشارات تبدو كما لو أنها جواب على جملة هزائم ثقافية كرستها المنابر الورقية، فهي لم تتمكن كواقع حال من استقطاب نصوص بديلة تحمل حساسية مختلفة وتعبر عن قلق اللحظة وهواجس الذات وتطلعات مرحلة جديدة، فالنص المغاير ظل عملياً على الهامش وخارج سلطة النص الرسمي، الأمر الذي جعل موقع"جدار"يؤكد ما هو بصري وبلاغي مفارق لملء فراغ تاريخي، أصاب النص الجديد بالتشرذم والتشظي بين أكثر من خريطة، محمولاً على وجع الأسئلة المرتبكة والملتبسة في انتماءاتها ومدلولاتها الجمالية. وكنوع من الشغب، حاول"جدار"أن يكون حائطاً للمجانين لكتابة حبرهم المؤجل وانتهاكاتهم اللغوية، وكأن هؤلاء الشباب في كتابتهم لجملة اعتراضية ولو كانت متأخرة، يرغبون في خلخلة البنى التقليدية فحسب وتأكيد جحيمهم الشخصي لا أكثر. ويكتب أحدهم:"سيارات النقل الداخلي توصل شعراء اتحاد الكتّاب إلى قلوب الناس"ساخراً من شاعر أدعى أن قصائده تسمع في ميكروباصات النقل الداخلي، مثله مثل المغنين الجدد، وهي جائزة تفوق جائزة نوبل بالنسبة إليه". أما موقع"ألف"فيتكئ على تجربة ورقية، انطوت في منتصف التسعينات فعاد في صيغة إلكتروينة تتماشى مع تحولات السرد الجديد ومعطيات الفنون البصرية والتشكيل والمسرح. ويضع في اعتباره أن يكون مساحة للسجال والجدل النقديين ومواكبة النصوص الإبداعية الجديدة التي لم تجد لها فسحة في الصحافة المطبوعة لأسباب رقابية. وها هو منذر المصري يستعيد من أدراجه قصائد قديمة لم يتمكن من نشرها في أي مطبوعة ورقية، ويكتب سحبان سواح مدير الموقع عن"الحرس القديم في الثقافة السورية وسلاسة علي عقلة عرسان التي استولت بعد غيابه عن المشهد على تركته القديمة". ويتساءل البعض أمام هبوب الريح الإلكترونية التي تقرع أبواب الثقافة السورية بقوة، هل ستكون هذه الصحافة بديلاً عن الصحافة الثقافية المطبوعة في سورية كنوع من فسحة أمل جديدة، حتى لو كانت افتراضية؟