تأتي مواقع التواصل الاجتماعي امتداداً للفضاءات الإلكترونية التي وفرتها الشبكة العنكبوتية منذ دخولها حياتنا كنوافذ إعلامية مفتوحة ومتاحة للجميع بعد أن كان الإعلام محصوراً في وسائله التقليدية التي لا تتاح الفرص فيها لكل الناس بسبب هيمنة الرسمية واحتكار النخبوية وانتشار الشللية، فانتشرت المواقع ثم المنتديات ثم المدونات لتشكل منابرَ للإبداع والمبدعين ومتنفساً للثقافة والمثقفين وساهمت في تقديم الوجوه الجديدة الشابة للساحة الثقافية بصفة عامة والأدبية بصفة خاصة. ولقد لاحظنا بعد سنوات تحوّل الإنتاج الذي كان ينشر في الإنترنت إلى كتب مطبوعة بعضها نشر عن طريق جهات ثقافية رسمية، بل إن الفاعلين في المشهد الإلكتروني انتقلوا إلى الكتابة في الصحف والمجلات ووصلوا بعد ذلك إلى الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية وظهروا على شاشات التلفزة وموجات الإذاعة، فساهموا في الحراك الثقافي بفعالية فكأنهم انتقلوا بنتاجهم من الهامش إلى المتن ومن الظل إلى الضوء، وتلاشى كثير من المواقع والمنتديات والمدونات بسبب ذلك، فطباعة المواد المنشورة في المواقع والمنتديات والمدونات في كتب سواء كانت قصصاً أو قصائد أو خواطر أو روايات ليس بالأمر الجديد في علاقتنا بالتطور التكنولوجي، وفي مرحلة سابقة طبعت كتب تضمنت رسائل ال sms التي كان يتبادلها الناس عن طريق الهاتف الجوال. في مرحلة لاحقة دشنها ظهور مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر وغيرها سحب البساط من تحت أقدام المواقع والمدونات، فكثر إقبال الناس عليها المشهور منهم والمغمور والذكر والأنثى والصغير والكبير والعالم والجاهل، طلباً للتواصل الاجتماعي والاتصال المعرفي والحوار الوطني، ولأنها شكلت ثورة في أعداد المستخدمين وخاصة في التويتر الذي انطلق في 2006م، فقد تحوّل إلى قناة إعلامية تفاعلية عالمية حرّة، المستخدم وحده هو المحرر والرقيب لما ينشر فيها؛ فظهر أثرها وتأثيرها في المجتمع لدرجة أن وسائل الإعلام التقليدية أصبحت تقتات على هذه التغريدات، فتنقل ما يجري في تويتر من حوارات ساخنة ومن قضايا مطروحة ومن هاشتاقات تفاعلية ومن آراء صاخبة على الرغم من ضيق مساحة الكتابة المتاحة للمستخدم التي لا تتعدى 140 حرفاً فقط. وفيما نلاحظ حركة دؤوبة في تحويل كثير من الكتب المطبوعة إلى كتب إلكترونية بطرق تكنولوجية متعددة بل إن هناك كتبا عديدة نشرت إلكترونياً ولم تنشر ورقياً لأن كثيراً من المهتمين بعالم النشر يتوقعون اضمحلال الورق وسيطرة النشر الإلكتروني على الساحة الثقافية؛ فإننا نتفاجأ متعجبين بتحوّل المنشور في الفضاء الإلكتروني إلى كتب ورقية! في حين نجد بعض المبررات المنطقية لهذا الاتجاه فربما لأن النشر الإلكتروني وخاصة في العالم العربي يفتقر للتوثيق وحفظ حقوق الملكية الفكرية ويتعرض للسرقة والضياع بعكس النشر الورقي، وربما لارتباطنا بالعوالم المحسوسة أكثر من ارتباطنا بالعوالم الافتراضية فلا نشعر بقيمة إنتاجنا إلا إذا رأيناه بأعيننا ولمسناه بأيدينا وشممناه بأنوفنا، وربما إثباتاً للكرم العربي بالتمكن من الإهداء للأصدقاء والمعجبين، وربما لتحقيق مكاسب أخرى مادية أو معنوية. وفي السنتين الأخيرتين ظهر جلياً في ساحتنا الثقافية التوجه إلى جمع التغريدات في كتب يعلو أغلفتها العصفور الأزرق، وعلى الرغم من رؤية هذا التوجه عند المغمور وعند المشهور إلا أن المشاهير هم الذين دفعوا بمسألة جمع التغريدات كنشاط تأليفي للواجهة ولعله يأتي من باب اعتزازهم بما يقدمون واعتدادهم بمستوى تغريداتهم ليعم نفعها المجتمع مستثمرين شيوع وسيرورة ما يمكن وصفه تجاوزاً ب(أدب التغريدة) الذي تتناقله وسائل الإعلام بسرعة فائقة!! والحقيقة أنني لم أكن أرغب الاسترسال في هذا الموضوع إلا أن الزميل بداح السبيعي بمقالته الأسبوع الماضي عن (عصفور معرض الكتاب) استجاش ما في الخاطر فلا زال للحديث بقية.