شاءت الظروف أن تكون ليلى مؤتمنة على حياة مجموعة من الأطفال المحرومين في احدى دور رعاية الأيتام. لكن ليلى اختارت أن تمنع هؤلاء الاطفال من المشاركة في النشاطات الفنية والمسرحية والترفيهية والتربوية التي تطوعت لتنظيمها مجموعة من طلاب المدارس الخاصة والحكومية برعاية الغرفة الفنية الدولية في سورية JCI SYRIA. ولدى سؤالها عن السبب أجابت:"لأنني ملتزمة أخلاقياً ودينياً!". قررت ليلى أن تطبق التزامها ومعاييرها الشخصية بحرمان أطفال، محرومين أصلاً، من المرح والتسلية المفيدة واكتشاف عالم جديد لن يتاح لهم اكتشافه في مكان آخر! المشكلة أن ليلى وأمثالها كثيرات، وأن ملاحظات المترددين على دور البر والإحسان تسجل مشاهدات حول أحوال الأطفال هناك، تقشعر لها الأبدان. ففي كثير من هذه الأمكنة تتحول أموال المحسنين وجهود الكثير من المتطوعين إلى عبث لا أكثر. مراجعة الحالات الفردية ومحاولة إصلاحها أمر لا بد منه لكن الحاجة أصبحت حقيقية الى مفهوم جديد للتطوع والمؤسسات الطوعية، يسعف هذه المبادرات الفردية لتتطور في المستقبل وتشمل قطاعات حياتية أخرى في المجتمع السوري، الذي ما زال العمل التطوعي فيه في بدايته. فهل تكون البداية صحيحة، أم أنّ التعثر في الخطوات الأولى أمر لا بد منه؟ على هامش المهرجان الأول لتطوع طلاب المدارس الذي أقامته الغرفة الفتية الدولية في سورية JCI SYRIA، وهي من التنظيمات الشبابية العالمية التي بدأت عملها في سورية منذ عامين تقريباً، تحدث صالح رستم رئيس المنظمة في دمشق"عن مجموعة في طور الاعداد تهدف الى دعم فكرة التطوع وعمل المؤسسات التطوعية، كإقامة مؤتمر خاص بتنمية المسؤولية الاجتماعية للشركات، إضافة الى متابعة برنامج دعم التطوع الذي شهد مشاركة من المهتمين والمعنيين". وأضاف:"ما نقوم به هو جزء من رسالة الغرفة حول العالم، وهي تصب اهتمامها على دعم أعضائها الذين تراوح أعمارهم بين 18 و 40 عاماً للاسهام في تطوير مهاراتهم القيادية ووعيهم تجاه مسؤولياتهم الاجتماعية". ميا أسعد كانت مسؤولة عن إطلاق مبادرات عدة في الغرفة لتشجيع ثقافة التطوع بين طلاب المدارس لأن التطوع على حد قولها:"يسهم في تدعيم الانتماء بين أفراد المجتمع وقيادته، ومساعدة المؤسسات الأهلية في أداء واجباتها. كما أن المتطوعين هم أكثر الفئات إحساساً بالمشكلات التي يعانيها المجتمع". مفاهيم أم قوانين جديدة؟ يعود تاريخ قانون الجمعيات 93 المعمول به في سورية إلى العام 1953، وهو يتضمن مجموعة من المواد التي لا تزال تشكل عائقاً حقيقياً أمام تشكل جمعيات أهلية جديدة، وأمام تطور عمل الجمعيات الحالية ليشمل مجالات عمل متنوعة، تبدو الحاجة ماسة فيها الى مبادرات أهلية، تتكامل مع دور الحكومة وربما تتفوق عليه. بدأت قصة أنس 26 سنة مع دور الأيتام قبل عشرين عاماً عندما كان يحمل إليها بعضاً من ألعابه في الأعياد. وعلى رغم استمراره في أداء مجموعة من الأعمال التطوعية، فإن أنس"يشك في قدرة مثل هذه المبادرات والسلوكيات التربوية والأخلاقية على تحويل المبادرات الفردية التطوعية إلى جهد جماعي بناء". وتابع:"لا تزال فكرة تأسيس جمعية شبابية تعتمد على جهود متطوعيها من الشباب السوري وتدار من الشباب فكرة مستحيلة. أما الأسباب فهي كثيرة، تأتي على رأسها عقبات القانون الحالي والظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة". ألما 22 سنة، طالبة في كلية الهندسة المعمارية تطوعت في الهلال الأحمر السوري منذ ثلاث سنوات واختيرت للمشاركة باسم الجمعية في بريطانيا ضمن مشروع"جسور"الذي ضم متطوعين ومتطوعات من سبع دول عربية وانكلترا. وتعتقد ألما أنّ على الإعلام لعب دور أكثر فعالية في التشجيع على التطوع من خلال تغطية تجارب المتطوعين والفعاليات التطوعية،"فنحن غير متواجدين إعلامياً بما فيه الكفاية، إذ قلما تركز وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على نشاطاتنا، ويبقى كثير من أعمالنا غير معروف ما يقلل في شكل كبير من إقبال الشباب على العمل التطوعي، وأهميته على المستويين الخاص والعام". تطوير العمل الأهلي في سورية، يصبح يوماً بعد يوم ضرورة حقيقية، وحاجة ماسة بالنسبة الى شباب ما زال يبحث عن مؤسسة تستوعب طاقاته ومبادراته. فكيف تكون البداية؟ هل تكون بتغيير قانون الجمعيات الحالي، أم أن هناك إمكاناً لبدء التطوير وتغيير الثقافة والعادات السائدة في المجتمع؟