الولايات المتحدة تهدد ايران، وإيران تهدد بدورها، ومع تحويل إيران الى مجلس الأمن، سنرى من سيخسر أكثر، وإن أشكر حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد على شيء فهو على انه لا يزال في منطقتنا من يستطيع ان يرد ويهدد. أشكر ايضاً"نيويورك تايمز"، فهي قالت رأيي تماماً يوم الخميس الماضي، وبما انها صحيفة اميركية، وصفتها انها اهم صحيفة في العالم، فهي ليست متهمة مثلي بأنها من الطرف الآخر وتعبّر عن رأيه. الحصيفة الرصيفة قالت ان روبرت جوزف، وكيل وزارة الخارجية الاميركية المسؤول عن الحد من التسلح والأمن الدولي، وصف لماذا لا تستطيع اميركا قبول ايران مسلحة نووياً بعبارات"هي صدى خطابات الادارة قبل ثلاث سنوات وهي تبني حجة الحرب ضد صدام حسين". وهذا رأيي وأنا اسمع روبرت جوزف يقول ان"ايران نووية ستشجع القيادة في طهران على انتهاج طموحات عدوانية داخل المنطقة وخارجها في شكل مباشر وعبر الارهابيين الذين تؤيدهم". وهكذا لم يبق امامنا سوى ان نسمع عن"كعك أصفر"من النيجر وعلاقة مع القاعدة، من المصادر نفسها التي اوقعت الولاياتالمتحدة في العراق. أريد ان اسجل في هذه السطور احتجاجي الشديد، كمواطن من الشرق الاوسط، على اختيار روبرت جوزف اللجنة الاميركية - الاسرائيلية للشؤون العامة ايباك منبراً للحديث عن ايران، فهذا اللوبي اليهودي وكر للتآمر على الولاياتالمتحدة، وهناك قضية تجسس كبرى أمام المحاكم الاميركية الآن، بين المتهمين فيها موظفان كبيران سابقان في"ايباك"هما ستيفن روزين ومساعده كيث وايزمان، مدير السياسة الخارجية في اللوبي. وكان سيتهم معهما جواسيس السفارة الاسرائيلية لولا الحصانة الديبلوماسية. أرجو من الدكتورة كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية، ان تنظر بهدوء الى احتجاجي وتقرر بنفسها ولنفسها إن كنت محقاً في اعتراضي على تعامل الادارة مع جهة متهمة. العرب والايرانيون لم يتهموا يوماً بالتجسس على اميركا في عقر دارها، ووكيل وزارة الخارجية يزعم ان اذا جمعت ايران بين الطموح النووي والصواريخ فهي"يمكن ان تحوّل الى رهينة مدناً في بلدان اصدقائنا في الشرق الاوسط وأوروبا". أي مدن؟ هذه المرة أشكر روبرت جوزف نفسه، فهو قال ان ايران بأسلحة نووية هي خطر على القوات الاميركية في المنطقة، وخطر على حياة دولة اسرائيل. هذا هو بيت القصيد، فالأسلحة الايرانية، لا يمكن ان تهدد القوات الاميركية، لأن ايران كلها ستمسح عن الخريطة لا اسلحتها فقط، والولاياتالمتحدة تهدد بحرب جديدة من اجل اسرائيل، تماماً كما كانت الحرب على العراق من اجل اسرائيل. النتائج هذه المرة ستكون مختلفة تماماً، فإيران اقوى من الولاياتالمتحدة في الشرق الاوسط، ومع ذلك فعصابة المحافظين الجدد نفسها التي قتلت 2400 اميركي ومئة ألف عراقي تدفع الادارة الاميركية نحو حرب جديدة ستكون الخسائر فيها أضعاف ما رأينا في العراق. وكلام وكيل الوزارة كله كان تكراراً لحجج الحرب على العراق، فهو قال ايضاً ان"ايران هي محور اسلحة الدمار الشامل والارهاب، واذا امتلكت ايران مواد انشطارية او اسلحة نووية فستزيد فرصة نقلها الى طرف ثالث". هذا ما قالته لنا الادارة الاميركية عن صدام حسين وپ"غيمة الفطر"الرهيبة التي ستتبع تسليمه اسلحة نووية الى الارهابيين. أتوقف هنا لأقول انني نقلت في الأيام الاخيرة آراء مسؤولين عرب في ايران وبرنامجها النووي، فالتبس الأمر على بعض القراء، واعتبر انني ابدي رأياً خاصاً او اوافق على ما نشرت. موقفي هو ان الشرق الاوسط يجب ان يكون مجرداً من الاسلحة النووية، وسأؤيد الولاياتالمتحدة اذا سعت في هذا السبيل. ولكن اذا بقيت اسرائيل وحدها تملك قنابل نووية، ومعها وسائل ايصالها الى اهدافها، فإنني اطالب ايران وكل دولة عربية قادرة، مثل مصر والمملكة العربية السعودية، بالسعي لامتلاك سلاح نووي. لا استطيع ان أكون اكثر وضوحاً من هذا. ايران تنكر انها تسعى لامتلاك سلاح نووي، الا انني لا اصدق هذا الكلام، وعندي من الحرية ان أؤيد سعيها الذي تنكره لامتلاك سلاح نووي، فالمشكلة الاميركية مع هذا السلاح هي اسرائيل، وجون نغروبونتي، مدير الاستخبارات الوطنية، قال للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ قبل يومين ان ايران لا تملك اسلحة نووية او عناصر صنعها، الا انه اشار الى تصريحاتها التي تهدد اسرائيل، مرة اخرى. السيد نغروبونتي تحدث عن ثقة النظام الايراني بنفسه، وهذا صحيح، فإيران تتعرض للتهديد وتهدد بدورها، وعندما طالبت الدول الاوروبية الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وكالة الطاقة الذرية الدولية بتحويل ايران الى مجلس الامن، رد علي لاريجاني، كبير المفاوضين النوويين الايرانيين، بتوجيه رسالة خطية الى وكالة الطاقة تهدد بوقف التعاون النووي"الطوعي"مع الوكالة اذا احيلت ايران الى مجلس الامن. القرار الذي رعاه الاوروبيون، وأيدته الولاياتالمتحدة، مخفف اصلاً، ولا يتضمن أي اشارة الى عقوبات بناء على اصرار روسيا والصين، بل ان عبارة"عدم التزام"ايران حذفت من القرار المقترح، ومع ذلك فمجموعة عدم الانحياز في وكالة الطاقة لا تزال تعارضه. ايران تملك اسلحة كثيرة للدفاع عن نفسها، والحلفاء الاوروبيون يعرفون ذلك، فنراهم يهددون ويتراجعون. ولا أحد يريد مواجهة عسكرية اخرى في المنطقة سوى العصابة المعروفة في الادارة الاميركية، الا ان اسرائيل ستدفع الثمن قبل غيرها هذه المرة، وستدفع الولاياتالمتحدة والمنطقة كلها الثمن معها.