هل يذكر القارئ إصرار اركان المعارضة العراقية المتعاملين مع الإدارة الأميركية على ان في العراق اسلحة دمار شامل وبرنامجاً نووياً نشطاً؟ اليوم، المجلس الوطني للمقاومة في ايران، وهو في مثل "قوة" المؤتمر الوطني العراقي وبالاتصالات نفسها، يقول ان ايران تملك برنامجاً نووياً سيؤدي الى امتلاكها قنبلة نووية في السنة 2005. هذا الكلام في صدق الكلام عن العراق، وقد قرأته في جريدة "واشنطن تايمز" الليكودية التي اعتادت الكذب عن العراق قبل ذلك، وللأسباب نفسها. طبعاً هناك برنامج نووي معروف في إيران، إلا ان الحكومة في طهران تؤكد انه لأغراض سلمية، ولإنتاج الكهرباء. لا أقول أنني أصدق الحكومة الإيرانية، وإنما أسجل ان برنامجها شرعي مئة في المئة، وضمن القوانين الدولية ومعاهدة الحد من الأسلحة النووية التي وقعتها ايران ولم توقعها اسرائيل. المعاهدة تضمن حق كل دولة في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، وهذا ما تقول ايران انها تفعله، فهي تريد توليد الطاقة من مفاعلها النووي، مع ان الخبراء يقولون انها بلد غني بالنفط والغاز، وإنتاج الكهرباء منهما اقل نفقة بكثير من انتاجها بالطاقة النووية. ثم ان اليورانيوم المستخدم في تشغيل المفاعل النووي يمكن ان يستخدم في انتاج قنبلة نووية. كل هذا صحيح، إلا ان الصحيح ايضاً ان ايران لا تخالف اي معاهدة دولية في ما تفعل، ومعاهدة الحد من الأسلحة النووية تسمح لأي دولة موقعة ان تنسحب من المعاهدة خلال ثلاثة اشهر إذا اقتضت مصلحتها العليا ذلك. وهذا يعني ان ايران تستطيع الانسحاب بعد ان تمتلك ما يكفي من اليورانيوم، ثم تنتج اسلحة نووية. كيف الحل؟ لا بد ان هناك حلولاً إلا ان تهديد ايران ليس احدها، كما ان التدخل في شؤونها الداخلية لا يفيد. ومع ذلك فالرئيس بوش يهددها بشكل دوري، منذ سقوط نظام صدام حسين، وإدارته تحرض الطلاب علناً على تحدي النظام. المشكلة، كما في كل مشكلة اخرى في الشرق الأوسط، ليست ايران، بل اسرائيل، والإدارة الأميركية الملتزمة كلياً بدولة نووية يقودها مجرم حرب تعلن انها ستمنع ايران من امتلاك سلاح نووي وتغض الطرف عن امتلاك اسرائيل هذه الأسلحة مع وسائل ايصالها الى اهدافها. وليس الأمر انني ارى اصبع اسرائيل وراء كل مصيبة للعرب والمسلمين، فأنصارها من الحقارة، أو الوقاحة، انهم لا يخفون اهدافهم، وإلى درجة ان دانيال بايبس، وهو اعتذاري اسرائيلي بالكامل رشحه الرئيس بوش لمنصب سلام، وباتريك كلوسون، وهو اعتذاري اسرائيلي آخر، اقترحا رفع منظمة مجاهدين خلق من لائحة الإرهاب التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية واستخدامها لتخويف النظام الإيراني. أغرب ما في الموضوع ان الإدارة الأميركية تهدد ايران وتعاديها، ثم تطلب منها ان تسلمها قادة من القاعدة احتجزتهم السلطات الإيرانية بعد عبورهم الحدود من افغانستان، وبينهم ما يزعم انه الرجل الثالث في القاعدة، وبعض قادتها الآخرين. ليس سراً ان ايران تحتجز بعض قادة القاعدة، فقد اعلنت ذلك على لسان عدد من كبار المسؤولين. بل ليس سراً انها عرضت على الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المطلوبون ان تسلمهم إليها، إلا ان هذه الدول رفضت تسلمهم، فهي لا تستطيع محاكمتهم او تسليمهم الى السلطات الأميركية من دون الوقوع في مشكلة مع انصار القاعدة الكثيرين، او مع مواطنين لا يؤيدون القاعدة، وإنما يرفضون تسليم مسلمين مثلهم الى الأميركيين بعدما رأوا من نماذج العدالة الأميركية في خليج غوانتانامو. وربما سلمت ايران المطلوبين الى الولاياتالمتحدة مباشرة على رغم المحاذير المحلية، إذا قبلت الإدارة الأميركية ان تقايض بهم مطلوبين ايرانيين، خصوصاً من مجاهدين خلق الموجودين في قواعد لهم في العراق الآن تحت حماية اميركية. غير ان الولاياتالمتحدة في وارد التهديد لا عقد صفقات مع ايران، وهي اذا لم تهدد طهران بسبب برنامجها النووي، فإنها تهددها في موضوع الموقف من عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. الولاياتالمتحدة تريد من ايران وقف دعم حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين وحزب الله في لبنان، غير ان فصائل المقاومة اوقفت عملياتها العسكرية من دون ان توقف الولاياتالمتحدة تهديداتها. ومع معارضتي العمليات الانتحارية دائماً، فإن تنفيذها لا يلغي ان "حماس" و"الجهاد الإسلامي" حركتا تحرر وطني في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وأن الإرهاب في الشرق الأوسط هو اسرائيلي خالص، وقد سبق كل ارهاب آخر، والولاياتالمتحدة تستطيع ان تقول ما تريد، إلا انها لا تستطيع ان تنفي انه لولا الاحتلال الإسرائيلي لما وجد "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد" اصلاً. في غضون ذلك، المواجهة بين الولاياتالمتحدةوإيران مستمرة، وهي لن تنتهي بحرب على الطريقة العراقية، فما سهّل الحرب على العراق، على رغم كل الكذب الذي استخدم لتبريرها، هو ان صدام حسين ديكتاتور يستحيل الدفاع عنه، بعد ان بطش بشعب بلده، وحارب جيرانه، وهدد المصالح الدولية في المنطقة. اما في ايران فهناك رئيس منتخب وبرلمان نشط على رغم كل المعوقات، والوضع العراقي غير قائم من قريب او من بعيد. مع ذلك انصار اسرائيل يحاولون، والعصابة نفسها التي خططت للحرب على العراق، ودفعت الإدارة الأميركية نحوها، تخطط الآن لعمل ضد ايران، فالأسماء تتكرر، ووسائل الإعلام نفسها، والمعارضة الوهمية تكاد تكون متماثلة، حتى انني احياناً اقرأ أخباراً عن ايران، وأتذكر انني قرأتها عن العراق، والفرق هو وضع اسم بلد مكان اسم بلد آخر. وهناك من يقول ان ايران هي مجرد البلد الثاني على القائمة، وبعدها سورية، ثم دول حليفة للولايات المتحدة. غير انني شخصياً لا أرى هذا، اي انني لا أرى حرباً اخرى على غرار العراق، فلا وضع في المنطقة يشبه الوضع العراقي.