في أعقاب فوز"حماس"في الانتخابات كثرت الخيارات، فالحكومات الأوروبية التي تدرك جيداً أنّ المجتمع الفلسطيني يقف على مسافة أسابيع قليلة من الفقر المدقع وشبه المجاعة، تشعر بثقل الضغوط التي تطالبها بالتوصل الى ترتيب ما تستطيع بموجبه الاستمرار في تأمين المساعدة المالية والإنسانية للسلطة الفلسطينية. أما مصر والأردن فلديهما حدود متاخمة للضفة الغربية وغزة ويسعيان الى تفادي الانهيار الاجتماعي الشامل في الأراضي المحتلة، فيما يسعى الفلسطينيون المعتدلون في الأراضي نفسها وفي الشتات الى الحفاظ على أمل قيام دولتين لشعبين وفرصة للتوصل الى فلسطين ليبرالية وديموقراطية وتعددية، وحيّة في قلوب المواطنين الفلسطينيين الذين يزداد يأسهم يوماً بعد يوم. لهذه الأسباب كافة، يزداد الضغط على فتح وحماس للقبول بحكومة وحدة وطنية. ومن شأن تحالف كهذا أن يسلّم على الأرجح الوزارات الاجتماعية الى"حماس"التي تريد بسط نفوذها ليشمل العناية الاجتماعية بالسكان، فيما تترك العلاقات الخارجية بالإجمال بين يدي حركة"فتح"، المحاور الذي يلقى قبولاً لدى المجتمع الدولي وربما إسرائيل أيضاً. ويتوقع معسكر المنادين بالتحالف أن يساهم وجود"فتح"في الحكومة في ترويض تطرّف"حماس"الإيديولوجي والحفاظ على الوحدة الوطنية في ما سيكون فترة عتيدة صعبة بالتأكيد. بيد أن حكومة وحدة وطنية ستفسد الديموقراطية الفلسطينية ولن تفيد في المحصلة النهائية قضية السلام العربي الإسرائيلي. فقد رفض الشعب الفلسطيني فكرة استمرار حكم حركة"فتح"حين صوّت بأعداد كبيرة لمرشّحي"حماس"في الانتخابات النيابية، وكان الاستياء الشعبي من حكم"فتح"الفاسد وفشله في نيل تنازلات مقبولة من إسرائيل وهوسه بالقتال الداخلي بين الموالين وصل ذروته. ولكن ليس من الواضح ان كان الفلسطينيون الذين صوتوا لمصلحة"حماس"، يؤيّدون استراتيجية عنيفة ضد الاحتلال، إذ أظهرت الاستطلاعات ان أكثريّة واضحة ترفض العنف المتجدد وترغب في مفاوضات سلام، ومع ذلك لم تردع مواقف"حماس"المتشددة حيال إسرائيل هؤلاء المنتخبين عن التصويت لمصلحة تغيير واضح في القيادة. قد تستفيد حماس على الأرجح من وجود"فتح"الى جانبها في الحكومة، إذ يمكن للحزب المهزوم أن يكون كبش محرقة ملائماً للغاية في حال ساءت الأمور. بيد أنّه لا يجوز منح"حماس"خيار تفادي المسؤولية المترتبة على منتصر ديموقراطياً في تسيير"شؤون المواطنين". لا بد من اختبار أفكار"حماس"وقدراتها، عندها يمكن للشعب أن يقوّم أداءها. وبهذه الطريقة فقط، يمكن أن تتطور الديموقراطية الفلسطينية وأن تنتج حكومة شرعية وممكنة وقادرة على كسب قبول دولي حول قيام دولة فلسطينية يمكنها ان تتفاوض على قدم المساواة مع إسرائيل. ويجري حالياً النظر في خيار آخر يقضي بتعزيز سلطة رئيس السلطة الفلسطينية لكي يتمكن محمود عباس، من خلال ولايته الانتخابية التي بدأت العام الماضي، من أن يضطلع بمركز القوة الموازية لپ"حماس"في الحكومة. ويملك رئيس السلطة الفلسطينية أصلاً صلاحية تعيين رئيس الوزراء وإقالته ونقض القوانين، وهو يتولى أيضاً منصب قائد القوات المسلحة، على رغم ان صلاحيته تمر عبر وزير الداخلية. فهل يستطيع عباس أن يمنع"حماس"من ضم أعضاء الميليشيا التابعة لها والبالغ عددهم خمسة آلاف عنصر إلى جدول رواتب قوى الأمن مثلاً؟ أيمكنه إدارة المساعدة الدولية من خلال مكتبه وليس من خلال الوزراء المسؤولين عن الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية؟ قد ينجح عباس بدعم دولي لكن فقط على حساب توسيع القسم التنفيذي وتقويض التدقيق والتوازنات المتأصلة في الحكومة الديموقراطية. فقد تم تحجيم نطاق تحرك الرئاسة الفلسطينية بأمر من المجتمع الدولي الذي أمل أن تكون الديموقراطية وسيلة لإزاحة تسلط واستغلال عرفات للسلطة. وأي عكس للمسار الآن من شأنه ان يؤكد للفلسطينيين أن اللاعبين الدوليين يهتمون بشخصيات أصحاب المناصب الفلسطينيين أكثر من اهتمامهم بالديموقراطية الفلسطينية. وسيكون ذلك خرقاً مؤسفاً للثقة مع الشعب الفلسطيني ومع غيرهم من العرب الطامحين الى الديموقراطية. كما ستواجه"حماس"خيارات صعبة في حال غالت في ممارسة دورها القيادي الجديد: فهل يمكنها تبني جدول أعمال يتمتع ببراغماتية كافية لجذب خبراء من خارج الحركة ستكون بحاجة إليهم لملء حكومة بأكملها بالوزراء؟ هل هي مستعدة للتنازل عن بعض مبادئها الإيديولوجية بغية تحقيق الاعتراف الدولي والمحافظة على تدفق الأموال إلى خزينة السلطة الفلسطينية؟ وفي حال لم تكن مستعدة، فهل هي على استعداد لتلقي تمويل من إيران أو مصادر أخرى مماثلة حتى لو على حساب إخضاع الكفاح الوطني للفلسطينيين إلى جدول أعمال متطرف يخص آخرين؟ مع أنّه من الممكن أن ترغم عملية الحكم بحد ذاتها"حماس"على تلطيف مواقفها الأكثر حدة، ومن المرجح أن تكون العملية بطيئة، فمن الصعب تصوّر كيف يمكن لحركة لم تحصل على تصويت ثقة قوي من الشعب أن تقتنع بالتخلي عن مبادئ أساسية في غضون أسابيع من أجل البراغماتية. لكنّ خيارات صعبة كهذه هي بالتحديد ما يفترض أن يطلبه الحكم الديموقراطي من الأحزاب الحاكمة، وحدها الدكتاتورية يمكنها حماية النقاوة الإيديولوجية خلال فترة حكمها ولقاء ثمن دموي ليس إلا. فضلاً عن ذلك، تبقى"حماس"تمثّل جزءاً حقيقياً من الرأي الفلسطيني حول مواضيع مختلفة، كالثقافة والدين والأخلاق الشعبية وطريقة التعامل مع إسرائيل. وبعد نيل"حماس"أصوات الشعب يتعين عليها الآن تحمل مسؤولياتها القيادية. ويأمل المرء أن تعكس خياراتها هذه المسؤوليات الجديدة من دون ان تزيد من بؤس الفلسطينيين. ولن تؤدي حكومة تحالف بين"فتح"وپ"حماس"سوى إلى تأخير يوم الحساب. * تمارا كوفمان وايتس مديرة المشروع العربي للديموقراطية والتطوير، في مركز"سابان"لسياسة الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينغز، الولايات المتحدة