اكتسى كورنيش المنارة في بيروت أمس هيئة مختلفة عمّا هو في الأيام العادية. إذ تحوّل موقع تجمّع للباصات والسيارات التي توافدت لنقل المشاركين في إحياء ذكرى مرور سنة على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. باصات توافدت من صيدا، والإقليم والبقاع الأوسط وطرابلس أُلصقت عليها صور للشهيد وعلى بعضها صور قائد"القوات اللبنانية"سمير جعجع، سحبت البساط من تحت أرجل الرواد الدائمين للكورنيش الذي يستقبل عادة هواة الرياضة ومحترفيها. بدت الباصات مهجورة، فراكبوها ترجّلوا منها وتجلّت صورتهم وهم يسيرون على الكورنيش باتجاه ساحة الشهداء في وسط بيروت، خليطاً من الألوان والأعمار والشرائح. الشالات الزرق المطالبة بالحقيقة كانت السمة الغالبة على المشهد، فيما"تزنّر"بعضهم بالعلم اللبناني أو ربطه على الجباه، ولم يبدُ الحزن عليهم كما في السنة الفائتة، حين توافدوا إلى ساحة الجريمة قرب فندق الپ"سان جورج"، بل بدا أنّ هناك تواطؤاً بين الاستمتاع بالحشد العام والمشاركة في تذكّر حدث شكّل منعطفاً في تاريخ لبنان. وحدهم كبار السنّ كانوا استثناءً في هذا المشهد، إذ لبسوا بزاتهم الرياضية ومارسوا المشي كالمعتاد. لكنّهم شاركوا على طريقتهم... إذ كانت المسيرة حديث الساعة وتركّز همّهم الأساس على ضرورة أن يفوق عدد المشاركين المليون، هذا بالطبع الى جانب الأحاديث"المعتادة"كضرورة استقالة رئيس الجمهورية اميل لحود و"انتقاد"حزب الله والتيار العوني اللذين لم يشاركا إلا بوفود رسمية. محمد 70 سنة لم تسمح له سنّه بالمشاركة الا أنّه أرسل"100 رجل من عنّا". ولم يتوانَ عن مهاجمة الأحزاب والتيارات التي لم تشارك بمناصريها في المسيرة معتبراً أنّهم"غير لبنانيين". وأضاف:"على كل حال، وحده الرئيس الحريري دخل التاريخ من الباب العريض. أما لحود والسوريون ومن لم يشارك، فقلّما يهمّ موقفهم لأنّ الناس ستنساهم. وحده الرئيس الحريري سيبقى لأنّه علمّ وعمّر وحرّر باستشهاده". لكنّ كلام محمد لم يمنع ماهر وخطيبته من اغتنام فرصة الإجازة للاستمتاع بالبحر والطقس المشمس. لم يشارك ماهر في المسيرة انطلاقاً من موقف سياسي تجاه"تيار المستقبل"بل لأنّه يعتبر أنّ مشاركته"لا تقدّم ولا تؤخّر". يقول:"لا نحتاج إلى يوم خاصّ لنتذكّر الحريري، هو موجود معنا كل يوم". وانضمّ الى ماهر وخطيبته، صيادو سمك توافدوا أيضاً ليمارسوا هوايتهم المفضّلة. الا أنّ معظمهم كانوا سائقي باصات أقلّوا المشاركين في المسيرة، ولم تسمح لهم أعمارهم بالمشاركة، فقرّروا جلب عدّة الصيد والفطور لممارسة هوايتهم. بائعو الترمس على الكورنيش استغلوا هذه الفرصة ليزيدوا حظوظ البيع، فوضعوا الأعلام اللبنانية وصور الرئيس الشهيد تضامناً، وربمّا من باب الحذر خصوصاً بعد موجة العنف التي استهدفت عمّالاً سوريين اثر اغتيال الحريري. كورنيش المنارة ارتدى حلّة مختلفة أمس وتحوّل حزمة ألوان، من الاحمر الى الأزرق، فيما راح الأطفال يزرعون زواياه حركةً... ونال التعب من بعض المشاركين، فقرّر الاستراحة قليلاً على أحد المقاعد الحجرية قبالة البحر ريثما يخفّ الازدحام ومنهم من كان يستمتع قليلاً بمشهد البحر قبل المشاركة في المسيرة. وحده محيط ساحة الجريمة، كان هادئاً يسكنه الصمت. لم يزره أحد كما في السنة الماضية. كان وحيداً إلا من عناصر أمن يتجوّلون بهدوء كأنّهم يحرصون على عدم تعكير صفوه، فيما علا صوت خجول من راديو... الأغاني الوطنية كانت لها حصّة كبيرة في هذا اليوم!