بدأت المواجهة مبكراً بين منظمة"فتح"وحركة"حماس"، ونجح الفتحاويون في المجلس التشريعي الفلسطيني المنتهية ولايته في تمرير قرار يمنح رئيس السلطة الفلسطينية"الفتحاوي"صلاحية انشاء محكمة دستورية، وإقرار التعديلات التي اقترحها الرئيس محمود عباس على قانون المحكمة الدستورية والتي ينص أبرزها على"انه يتم التشكيل الاول للمحكمة بتعيين رئيس المحكمة بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية بالتشاور مع مجلس القضاء الاعلى ووزير العدل، وتعيين رئيس وقضاة المحكمة بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية بناء على تنسيب من الجمعية العامة للمحكمة الدستورية". القرار الذي اتخذ في"الوقت الاضافي"، او في ساعة غفلة، سيمكن عباس من الغاء اي قانون قد يصادق عليه المجلس التشريعي الجديد باعتباره مخالفا للدستور، وسيضع امام حماس عراقيل دستورية يصعب تجاوزها، فضلاً عن ان منظمة"فتح"وضعت يدها على قرار تعيين صغار الموظفين في السلطة من خلال اصدار مرسوم بتعيين رئيس لديوان الموظفين تابع للرئاسة، وهو ما يمنح الرئيس ومن خلفه"فتح"، سيطرةً على قطاع الموظفين. وبموجب هذا التعديل، فإن رئيس ديوان الموظفين الجديد يستطيع منع الحكومة التي ستشكلها"حماس"من تعيين موظفين مؤيدين لها في مناصب حكومية مهمة او غير مهمة، او فصل او استبدال موظفين ينتمون الى"فتح"التي تهيمن على مجمل الوظائف في السلطة، كما قضى مرسوم رئاسي ثان بتعيين"أمين عام"للتشريعي ليحل محل"أمين سر"المجلس الذي يشغله نواب منتخبون في العادة، وبموجب التعيين الجديد، يكون الأمين العام للتشريعي مسؤولاً عن جميع موظفي المجلس، وهذا سيمنع"حماس"من احداث أي تغيير في تركيبة المجلس الراهنة. لا شك في ان"فتح"مصرّة على التمسك بالسلطة بالقوة، وفي احسن الاحوال تريد من"حماس"ان تمارس الحكم بكوادر فتحاوية وتحت نظرها وموافقتها، فإقرار التعديلات التي اتخذها المجلس التشريعي اول من امس يعني ان شعار افشال"حماس"دخل مرحلة التطبيق، ف"حماس"لا تستطيع ان تلغي هذه القرارات إلا بموافقة الرئيس، الذي لن يقبل، وفي هذه الحال سيكون على"حماس"الحصول على اصوات ثلثي المجلس وهو امر لا تستطيع تحقيقه. أن استمرار ما جرى اول من امس سيدخل السلطة الفلسطينية وضعاً يشبه الوضع الذي عاشه لبنان خلال الولاية الاخيرة للرئيس الراحل رفيق الحريري. حال من الكيد بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء والضحية هي البلد. لكن اذا كان لبنان يتحمل وضعاً من هذا النوع، فإن الفلسطينيين لا يستطيعون العيش في وضع سياسي يفتقر الى الانسجام في ظل الاحتلال، فضلاً عن ان فشل"حماس"الذي يبدو انه غير مستبعد، في ظل الهجوم الفتحاوي عليها، سيجعل"حماس"امام خيارين احلاهما مر. فإما القبول بالامر الواقع والتخلي عن البرنامج الذي فازت على اساسه في الانتخابات، او الدخول في مكايدة الرئيس في قضايا الشأن العام للحصول على تنازلات في الجانب السياسي، وهو ما سيؤدي الى النتيجة ذاتها لأن"حماس"ستفقد دعم الشارع الذي ستتضرر مصالحه اليومية. الأكيد ان ما يجري حالياً مؤشر الى ان"فتح"غير قادرة على استيعاب التغيرات على الارض، ودليل على ان"أبوات"المنظمة العجوز ليسوا مستعدين للتنازل عن السلطة ولو كلفهم هذا ادخال الاراضي الفلسطينية في اقتتال داخلي، وضياع لحقوق الشعب الفلسطيني، فعقلية"فتح" الاستبدادية لن تقبل بنتائج الانتخابات. ولهذا على الدول العربية ان تتدخل في لجم اطماع"فتح"وفسادها قبل الحديث عن اقناع"حماس"ب"خارطة الطريق"والاتفاقات التي ترتبت على اتفاق اوسلو. فنحن اليوم امام نزاع على السلطة، ولسنا امام اشكالية سياسية تتعلق بموضوع السلام والمفاوضات والاعتراف، و"حماس"مدعوة لإطلاع دول العالم على اطماع"فتح". والأهم من هذا وذاك، عليها ان تتحرك لتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، فكل يوم يمضي يعني مزيداً من التعديلات على القوانين والوظائف، والخشية ان تجد حماس نفسها امام واقع سياسي ودستوري ووظيفي يصعب العمل فيه، ويستحيل معه اجراء اي انجاز حتى لو كان على مستوى تطوير المخابز وتأمين الدقيق، فحركة"فتح"عاشت على مدى عقود بعقلية الخطف والابتزاز، ولن تتوقف عن هذا الاسلوب، وربما لجأت"فتح"الى اعلان حكومة موقتة بحجة ان اعضاء"حماس"في جولة خارجية قد تطول، وخوفاً على مكتسبات الشعب الفلسطيني يتم تشكيل حكومة الى حين عودة"حماس"وقبول العالم بها!