وجد التلفزيون الأردني نفسه في دورته البرامجية الجديدة التي أطلقها نهاية الشهر الماضي يقدم الجديد تماماً من البرامج، ممثلاً تحديداً في برنامج"سينمائي"بعنوان"مش سحب أفلام". وهذا البرنامج الأسبوعي الذي تقارب مدته نصف ساعة ويقدم برعاية مؤسسة"الهيئة الملكية للأفلام"، يهدف إلى تعريف المشاهد الأردني بأفلام أردنية قصيرة، بدأت موضتها بالانتشار قبل أعوام قليلة بدعم من أكثر من مؤسسة مستقلة، منها المؤسسة الداعمة للبرنامج. يبدو الطابع"الترويجي"للبرنامج مقبولاً تماماً، في ظل انبهار إعلامي محلي بحكاية الأفلام الأردنية الشبابية القصيرة. فدعم الأفلام هذه والشباب الذين"يبدعون"في هذا المجال يصنف في خانة دعم الصناعة الوطنية، بعيداً من الانتباه إلى جودة هذا"المنتج الوطني"ومدى ملاءمته ليكون الخطوة الأولى في سبيل"صناعة سينما"أردنية. ينسى البرنامج، في غمرة تقديمه للشباب، صانعي الأفلام، أن جمهوره هنا تلفزيوني لا سينمائي. ينسى أصلاًً أن الأفلام القصيرة لا تحظى بالمتابعة الجماهيرية في الدول العربية ربما هو بنسيانه هذه النقطة ينجح إذ يزيد رقعة مشاهدي هذا النوع من الأفلام. ينسى أيضاً أن لا تقديم مشوقاً يحمل الفيلم إلى المشاهد، وإنما الفيلم يأتي كما هو، بأسلوبه غير الموجه لجمهور التلفزيون الأكثر تلوناً وتطلباً من جمهور السينما. النقاط التي يبدو أن البرنامج غفل عن الالتفات إليها ليست حجر عثرة يجعله يقع في طريقه نحو إيصاله الرسالة: هناك أفلام أردنية قصيرة، وهناك جيل شاب يشق طريقه نحو صناعة السينما. لا شك في أن البرنامج يستطيع أن يفخر بنفسه لأنه الوحيد على الشاشات العربية ربما الذي يقدم إبداعاً شبابياً في منطقة يكاد يفقد"المعلمون"فيها دعماً ولو معنوياً. فكرة جعل التلفزيون، بهالته وسطوته على المشاهد والمشاهد هنا ملايين لا بضع عشرات يحشرون في صالة عرض ما خادماً للسينما بحد ذاتها فكرة ممتازة، بخاصة لسينما وليدة أو حتى لم تصل مرحلة الولادة، فهذا بشارة بولادة لاحقة - ليست قريبة بالضرورة. لكن جعل التلفزيون، بما يملكه من آلات وعتاد وقدرات تجعله يصل أبعد من جمهور سينمائي محدود محلياً، وسيلة لدعم سينما شابة، فكرة تحتاج إلى شغل أكثر وبعض ترتيب أوراق. فلا معنى لمقدمة موسيقية تحمل لحناً فولكلورياً أردنياً شارة للبرنامج - هل هذا عودة إلى قديم غير موجود فلا ماض لسينما أردنية، فهي لم تولد بعد؟ أم أن هذا تقريب لسينمائيين جدد من خانة الفولكلوريين الذين يحنطون الماضي بدلاً من وضعه في إطار حداثة منطقية غير مفتعلة تضمن شيئا من الاستمرارية لسينما أردنية شابة؟ الدفع بالأفلام السينمائية إلى الشاشة الصغيرة، بغية كسب الاهتمام وشد الانتباه إلى موجة الأفلام القصيرة الأردنية الناشئة، هكذا ومن دون مقدمات تعرف كيف تجعل الفيلم صالحاً ل"الاستهلاك التلفزيوني"، يضعف المضمون. فلا حكاية صناعة الفيلم ولا قصته تجد نفسها في البرنامج، ولا فكرة ضرورة وجود الأفلام القصيرة أصلاً كمطبخ يزودنا بالمخرجين المقبلين ? وحتى اللقاء مع مخرج الفيلم المعروض في الحلقة قرب انتهاء الموعد يبدو غارقاً في تقليديته، مبتعداً من أسئلة تفجر لدى المشاهد استفسارات تدعوه للتعرف أكثر الى هذه السينما الوليدة ? أوليس هذا هدف البرنامج؟ توسيع جمهور أفلام أردنية قصيرة، بعرضها تلفزيونياً في برنامج"مش سحب أفلام"فكرة لا شك أنها مهمة، ولا شك أيضاً في أنها تزيل العقبة الأولى في وجه السينمائيين الأردنيين الجدد. لكنها في تقديمها نيئة على الشاشة، من دون استواء أو بهار أو زينة إلى جانب الطبق، قتل، قد يكون بطيئاً، لسينما لم تولد بعد، وتنظر عبر شاشة التلفزيون إلى مستقبلها، لعله يكون أحلى.