لا يزال المخرج السينمائي البحريني بسّام الذوّادي أميناً للأساتذة والفنانين المصريين الذين تتلمذ على أياديهم في معهد السينما العالي في القاهرة، وأبرزهم محمود مرسي، محمد بسيوني ومدكور ثابت. وعلى رغم أنه أخرج أول فيلم روائي طويل في البحرين وهو "الحاجز" وعدداً كبيراً من الأفلام الوثائقية والقصيرة مثل "القناع" و"ملائكة الأرض" و"أجيال" فضلاً عن عدد من المسلسلات والسهرات التلفزيونية أبرزها مسلسل "الهارب" و"فتاة أخرى" وثلاثية "العين" وسهرة "عيون تحت الجمجمة" و"يونس والآخرون"، إلا انه يذكر بإعجاب كبير ما قدّمه بقية المخرجين البحرينيين أمثال أحمد يعقوب المقلع وجمال الشوملي ومصطفى رشيد ومحمد سلمان وغيرهم من المبدعين الذين رفدوا الشاشتين الصغيرة والكبيرة بالأعمال الفنية. ولمناسبة وجوده في مدينة روتردام الهولندية إلتقته "الحياة" وحاورته في شؤون السينما والدراما البحرينية: قبل أن تُخرج فيلمك الروائي الطويل الأول "الحاجز" أخرجت عدداً من الأفلام القصيرة والبرامج المنوعة للتلفزيون. ماذا عن طبيعة هذه الأفلام والبرامج وأهميتها لدى المُشاهد البحريني؟ - الأفلام القصيرة التي تعنيها انتجت في القاهرة. منذ عام 1985 بدأنا تصوير برامج تأخذ طابعاً درامياً، وأنا بحكم عملي في التلفزيون منذ ذلك الوقت توجهت إلى الدراما والمسلسلات وكانت أول مرة تستخدم الكاميرا الواحدة لتصوير مسلسل من 15 أو 30 حلقة. وهذا العمل في حقيقة الأمر هو تقنية سينمائية. ثم انتقلت هذه التقنية إلى جميع المخرجين ليمارسوا العملية نفسها. فاللقطة السينمائية الواحدة كانت تُدرس في شكل دقيق. وهذا الأمر يعتبر جديداً ومختلفاً بالنسبة الى الجمهور، ما ترك انطباعاً جيداً لدى المشاهد الذي بدأ ينتبه الى هذه العناية الفائقة باللقطة الواحدة ضمن المسلسل الدرامي. وبالتالي فقد فتح لي هذا الاهتمام باباً جديداً أقدّم من خلاله أشياء مختلفة. يعتمد فيلمك الروائي الطويل "الحاجز" على مبدأ المفارقة. مفارقة البطل حسن الذي يرى العالم من خلال عين الكاميرا كما يتخيله هو، لا كما هو واقع الحال، وثمة تنويعات اجتماعية وحياتية أخرى تتناول أوضاع شقيقه وصديقه وأبيه. هل يتكئ هذا الفيلم على الحكاية أم يعوّل على تقنيات بصرية أخرى؟ - الفيلم لا يعتمد على الحكاية أو الحدوتة التي تقوم على بداية ووسط ونهاية، وإنما على حال معينة أو مجموعة حالات إن صح التعبير. فحبك للصحافة حال خاصة قد تولّد حالات أخرى تستمر وتكبر وتتسع. هذا الأسلوب كان يعتمد عليه القاص أمين صالح وقد أحببته. فهو يتناول حالات ومواقف غريبة مثل حال راشد الحسن الذي مثّل شخصية حسن في الفيلم. هذه الشخصية كانت سلبية تماماً، وليس لها أي دور إيجابي في الحياة. وقد عكست هذه الحال حالات سلبية أخرى من حولها في المجتمع الخليجي. شخصية اتكالية تعتمد على صديقها، ثم على أخيها وزوجته. وحتى الآلة تصبح محوراً وهو الذي يدور حولها، لأن هذه الشخصية ليست محوراً في الحياة الطبيعية. البعض من النقاد والمشاهدين قالوا انك تتناول مواضيع صعبة ومعقدة ولا تهضم بسهولة. من وجهة نظري أرى أن السينما تجربة تطرح حالات مختلفة فدعوني أطرح الإشكالات التي أعتقد أنها تستحق أن تطرح، ثم أملوا عليّ شروطكم. وقد ساهم في تمثيل هذا الفيلم، إضافة إلى راشد الحسن كل من مريم زيمان، قحطان القحطاني وإبراهيم بحر. بصمة خاصة درستَ في معهد السينما العالي في القاهرة. ما هي حدود إفادتك من الأساتذة والفنانين المصريين الذين تتلمذتَ على أيديهم؟ هل هناك نماذج معينة لا تزال تتطلع إليها حتى هذه اللحظة، أم أنك أصبحت الآن تمتلك بصمة خاصة بك؟ - أنا لا أستطع أن أمتلك بصمتي الخاصة ولو بعد أربعين سنة لسبب بسيط وهو أنني سأظل أحمل مؤثرات الآخرين، الأساتذة والفنانين الذين درسوني أمثال محمود مرسي الذي علّمني ما معنى الإخراج ومحمد بسيوني ومدكور ثابت وغيرهم علموني ألف باء السينما، فكيف أنسى تأثيراتهم. كنا نشاهد أفلاماً لا حصر لها نتذكر بعضها، والبعض الآخر يختزنه اللاوعي، فكيف نتخلص من التأثيرات اللاواعية. شاهدنا أفلاماً كثيرة لفيلليني وتاركوفسكي وبيرغمان وأفلاماً أخرى لعشرات المخرجين العالميين والعرب. لذلك أعتقد أن كل عمل أخرجه يحمل شيئاً من مؤثرات الآخرين. ثم أن عمر تجربتي الفنية يجعل مبكراً الحديث عن البصمة أو اللمسة المميزة. إن انحسار السينما الخليجية وندرة إنتاج الأعمال السينمائية تقللان من فرص إيجاد هذه البصمة. هل تعتقد أن بلداً صغيراً كالبحرين جغرافياً وسكانياً قادر على إيجاد صناعة سينمائية كبيرة أسوة بالبلدان العربية؟ - لن تكون هناك صناعة سينمائية لا في البحرين ولا في الخليج. ما هي الأسباب من وجهة نظرك، مع أن العامل المادي متوافر، وإلى حد ما بدأ الكادر السينمائي يتوافر؟ - الجانب المادي متوافر لكن ليس للسينما. البلدان الخليجية لا تؤمن بالسينما في شكل عام. هم يؤمنون بالمسلسلات والتلفزيون. والتلفزيون كما تعلم هو الابن الشرعي للحكومة أو للدولة. السينما شيء مختلف تماماً. وسبب غيابها هو كونها صناعة لها شروطها ومتطلباتها. وإذا لم تتوافر كل مقومات هذه الصناعة من بنية تحتية وصناع مونتير، ومصورين سينمائيين ومخرجين ومهندسي صوت وممثلين وما إلى ذلك لن تكون هناك سينما. صناعة السينما تحتاج إلى معامل وأجهزة وثقافة سينمائية. معظم هذه الأمور نفتقر إليها. في بداية السبعينات من القرن الماضي كانت هناك فرص لإيجاد صناعة السينما وتطويرها. وربما قبل ذلك بقليل، أعني في الثلاثينات جاءت الشركات الإنكليزية بمصانعها السينمائية وأنتجت أفلاماً عن الدول الخليجية كان بالإمكان استغلالها وتحويلها إلى مصانع ثابتة مثلما فعل المصريون الذين استغلوا هذه المعامل وأفادوا منها في صناعة أفلامهم. في الستينات وأوائل السبعينات جاء الكثير من الشركات الأجنبية وأرادت أن تنتج أفلاماً عن مناطق الخليج العربي، لكن مع الأسف لم تحصل أي اتفاقات فغادرت هذه الشركات. فيلم "بس يا بحر" لخالد الصديق حقق نجاحاً جماهيرياً في الخليج وبقية البلدان العربية، كما حقق سمعة طيبة خارج الوطن العربي، لكن خالد الصديق كان يدرك أن السينما هي عمل جماعي، ولا يستطيع وحده أن يستمر أو يمضي إلى الأمام اعتماداً على جهوده الفردية، لذلك لزم الصمت وانزوى بعيداً من إشكالية الإخراج السينمائي. ولا أعتقد أن السنوات المقبلة ستشهد سينما خليجية، وإنما سيظل الجهد الفردي هو الأساس. تجربتي على الصعيد الشخصي ستظل فردية أيضاً. أتمنى على وزارات الثقافة في الدول الخليجية أن تستحدث أقساماً للسينما، وتنشئ أماكن خاصة بها. وأن تُقيم المهرجانات السينمائية في شكل منتظم، وأن تقدم منحاً دراسية للتلاميذ كي يدرسوا هذا الفن، ويكوِّنوا بنية تحتية له. نريد أن يزداد عدد المتخصصين في التلفزيون والسينما والمسرح، ونريد أناساً يفهمون في التقنيات. ترى هل هناك خطة لخلق أجيال جديدة؟ لا أظن. لذلك ترى أن الطالب الخليجي الذي يقول لأبيه أريد أن أدرس في قسم السينما يُجابه بالرفض لأن الأب سيحاججه قائلاً: إذا درست السينما فأين ستتوظف أو تعمل؟ تخيّل أن قاسم حداد رفض أن يذهب ابنه لدراسة السينما للسبب أعلاه، وهو ما سيفعله ابنه بعد التخرج؟ هل تتبنى تيارات وأساليب سينمائية عالمية في طريقة إخراجك، أم أنك تتبع الأساليب الإخراجية العربية؟ وكيف تنظر إلى واقع السينما البحرينية الآن؟ - لا أعتمد أي تيار عالمي في إخراج أفلامي وأعمالي الدرامية. أفكر بالموضوع جدياً وأخرجه اعتماداً على درجة إحساسي العالية به. ذات مرة فكرت أن أعتمد تياراً أو مدرسة أوروبية في إخراج عمل معين، غير أنني اكتشفت أنني يجب أن أغيّر نظرتي الى النص، وأسلوب تعاملي مع الممثلين، وحتى رؤيتي للعمل الفني، فوجدت أن ذلك يتعارض مع تكويني كفنان. أعتقد أن تجربتي المقبلة ستكون بسيطة. تجربة بحرينية لا لبس أو غموض أو تعقيد فيها. أما السينما البحرينية أو حتى الخليجية في السنوات العشر المقبلة فستشهد تطوراً محدوداً. أهم شيء في المشهد السينمائي البحريني هو مهرجان السينما الذي أقمنا دورته الأولى وكانت ناجحة، ونتمنى أن تكون الدورة الثانية التي ستقام في كانون الأول ديسمبر المقبل أحسن حالاً من الدورة الأولى. هذا المهرجان يثري المكتبة السينمائية العربية، ويدعم الكتاب السينمائيين الذين يكتبون عن السينما العربية. إن عدم وجود مكتبة سينمائية عربية هو خلل كبير بحد ذاته. كيف يتثقف المواطن العربي من دون كتب سينمائية، أو بحوث ودراسات نقدية متخصصة بالسينما؟ إذا استمر المهرجان، فإن هذا يعني أننا سننتج فيلماً جديداً كي نشارك في المهرجان أو ندخل في المسابقة. مهرجان السينما في البحرين يدعم الفيلم العربي، ويعطي جوائز منفصلة للمنتج والمخرج والممثل والمصور وكاتب السيناريو. فإذا استمر المهرجان لمدة عشر سنوات فلا بد من أن تشاهد أعمالاً سينمائية بحرينية. على الناس في الخليج أن يفهموا أن هذا الفن مهم جداً. وهو جزء من التكوين الثقافي والحضاري لأي بلد. بصراحة نحن نحصل على دعم من وزارة الإعلام لهذا المهرجان، وهو دعم كبير، ولكننا نتطلع إلى اهتمام الدولة في شكل جدي بفن السينما، ما يدخل ضمن خططها وبرامجها.