يستحسن بالسياسة الأوروبية أن تعالج مسألة دخول"حماس"المعترك السياسي من باب تزيين كفة السياسة على كفة السلاح، وترجيح الأولى على الثانية. ويفترض هذا تناول الأمر من أكثر من وجه واحد. فلقاء تجديد"حماس"الهدنة، يشجع الاتحاد الأوروبي الاتصالات المنتظمة بالبلديات التي تتولى المنظمة إدارتها، وإقامة علاقة طبيعية بها. ولقاء فصل عضوي ومحقق بين"حماس"وحزب الاصلاح والتغيير، كتلتها البرلمانية، والتزام الحزب الوسائل المشروعة وحدها، يقدم الاتحاد على الاتصال بالحزب. وعوض اعلان المقاطعة التلقائية للسلطة الفلسطينية حال دخول"حماس"هيئاتها، تعلن أوروبا ان استئناف المنظمة السرية العنف لا يترتب عليه تعليق المساعدة المالية فحسب، بل يجر تعليق الاتصالات،المحلية والوطنية، مع"حماس"والحزب معاً. والحوار مع"حماس"نفسها، وليس بواسطة الاصلاح والتغيير، مشروط في الأحوال كلها بتوجه ومنحى مختلفين تمام الاختلاف. والحق ان الرهان على تجدد"حماس"، الحركة الإسلامية، هو أقرب الى المغامرة غير المأمونة. فعلى رغم فوزها القريب في الانتخابات البلدية، ومشاركتها في الانتخابات البرلمانية، لا تزال قدمها راسخة في الشق العسكري. وعلى رغم إظهارها الانضباط والتماسك، فهي لا تنفك نهباً لتجاذبات داخلية وخارجية تبعثها على استئناف هجماتها. ولا يُستبعد أبداً أن يقتصر نهجها في المرحلة الأخيرة على التقاط الأنفاس في أعقاب الاغتيالات الاسرائيلية القاسية التي أطاحت قيادتها التاريخية. ولكن هذه الوقائع ينبغي ألا تحمل على إغفال وجوه أخرى واعدة، مثل فاعلية الإدارة البلدية، والتنسيق المحلي مع الاسرائيليين، واحترام التهدئة على ما يقر لها به المسؤولون الاسرائيليون أنفسهم، والتصريحات الظرفية والمتناقضة التي تلوح بجواز مفاوضة اسرائيل وتعديل ميثاق الحركة وعقد اتفاق مرحلي طويل على أساس حدود 1967. وپ"حماس"حركة قديمة الجذور وبعيدة الاستشراف. وعليه، فهي لم تعتد الانقلابات المفاجئة والحاسمة. وينبغي ألا يعول على انقلاب مفاجئ أو انعطاف بين ليلة وضحاها. ولكن ثمة دواعٍ كثيرة تدعوها الى الخوض في السياسة وهيئاتها ومؤسساتها، والاضطلاع بمسؤولياتها. ويترتب على العودة عن السياسة تعظيم ثمن دوام الفوضى أو خروج العنف من عقاله. وقد يثمر هذا استقراراً فلسطينياً، على ما يراهن محمود عباس، لعله وحده علاج الضياع والتمزق والتآكل والمنازعات العشائرية والعصبوية التي تحول بين الجماعات الفلسطينية وبين بلورة نظرة وطنية متماسكة تلم شتاتها، وتجدد إرساءها على ركن متين. ولا شك في أن هذا كله، وغيره مثله، ليس إلا إسعافاً أولياً وضمادات مستعجلة. ولا يسوغ الكلام على تفكك السلطة الفلسطينية ودينامية"حماس"إلا جراء ضعف عملية ديبلوماسية حقيقية، وغياب تدخل دولي حازم ودقيق، وتبدد أمل واثق في حل النزاع. ويتشارك الأطراف المسؤولية. ويسدد الفلسطينيون الثمن الباهظ. وبدل السلام بين شعبين يتحاربان، ينبغي السعي الى طمأنة سكان ينوؤون تحت أزمة ثقيلة، وقد يحتم هذا ابتلاع"علقم"الاسلاميين. روبرت ماليه مستشار الرئيس السابق بيل كلينتون للشؤون العربية - الاسرائيلية،"لوموند"الفرنسية، 25/1/2006