لو كان احمد زكي حياً، لكان اول من وقف ضاحكاً مستهزئاً بعد سماعه خبر إطلاق مشروع"البحث عن حليم". ولكان لسان حال بطلنا الأسمر لا يتردد في القول: وما النفع من البحث عن حليم بعد"حليم"؟ ربما كان غضب للوهلة الأولى. واعتبر ان في الأمر تحدياً ما. فمن يتجرأ على البحث عن حليم بعد ما وُجد أحمد زكي لهذا الدور؟ لكن سرعان ما كانت ستعيده ثقته بنفسه الى نصابه. ويتحول سخطه الى دهشة. فهو يعرف بينه وبين نفسه أن البحث عن حليم قبل أحمد زكي شيء، والبحث عن حليم بعد أحمد زكي شيء آخر... ويعرف ايضاً أن هذا الدور لا يليق إلا به، حتى مع غياب اوجه الشبه الخارجية. تماماً مثلما كان مقتنعاً أن دور عبد الناصر لا احد يستطيع تجسيده سواه. وكذلك دور انور السادات. في هاتين الحالتين ايضاً لم يكن هناك وجود لأي مقومات شكلية مساعدة. ومع هذا برع أحمد زكي في كل دور اعطي له وتقمص الشخصيات خير تقمص. حتى انه حين جيء بممثل هو شبيه عبد الناصر ليلعب دور الزعيم الراحل في فيلم"جمال عبد الناصر"لأنور القوادري بعد سنوات من قيام احمد زكي بالدور في"ناصر 56"، فشل في مهمته، وظلت صورة زكي هي الصورة الوحيدة الراسخة في أذهان الجمهور العريض. إذاً في انتظار عرض نفترضه قريباً لفيلم"حليم"الذي كان آخر ما مثله أحمد زكي يبدو توقيت"البحث عن حليم"لا يلعب لمصلحة المشروع التي اعلنت عنه قناة"ام بي سي"التلفزيونية، في بادرة لإيجاد شبيه العندليب الأسمر ضمن برنامج تلفزيوني تتنافس فيه مجموعة من عشاق عبد الحليم حافظ وما أكثرهم!. ومن المفروض أن يتوج الفائز بطل مسلسل درامي عن صاحب الأغاني الخالدة، تنتجه"العدل غروب"بعنوان"العندليب من يكون"، وهو العنوان نفسه الذي اتخذه برنامج MBC. هذا البرنامج الذي يؤكد القيمون عليه، أن الهدف منه خدمة الفن الأصيل من خلال رعاية طاقة شبابية شبيهة بعبد الحليم من حيث الأداء والشكل والحضور. التحدي الكبير ومع ان فيلم"حليم"الذي لعبه أحمد زكي في آخر أيام حياته وصارع لإنجازه وهو على فراش المرض، قبل ان يخطفه الموت من دون ان يتمكن من إنهاء مشاهده لم يُعرض في الصالات بعد، فمن المؤكد أن ما قدمه زكي في هذا العمل يعجز عن تقديمه أي فنان آخر، وهو كفيل بقطع الطريق امام كل من راودته نفسه"سراً"ان يعيش شخصية عبد الحليم حافظ على الشاشة. من هنا سيكون التحدي كبيراً امام هذا المشروع المفروش بالنيات الحسنة. لأن الشكل الخارجي، أو الإطار الذي يغلف به المشروع، ما كان يوماً الأساس. فأين الشبه مثلاً بين صابرين وأم كلثوم؟ ومع هذا حين جسدت صابرين شخصية الفنانة الخالدة جعلت المشاهد يعتقد بأنه بالفعل امام سيدة الغناء العربي، يعيش قصصها، ويتعرف الى جوانيتها. وما يقال هنا عن صابرين، لا ينطبق على فردوس عبد الحميد التي وإن كانت فنانة لها تاريخها في التمثيل، لم تتمكن من إقناع الجمهور أنها ام كلثوم، بل ظل في بال المشاهد، أن هذه فلانة في دور ام كلثوم. أتينا على هذا المثال، لنقف على حقيقة ان مشروعاً من هذا النوع يجب ألا يكتفي بالبحث عن الشبيه الجسدي فحسب، بل يجب الاهتمام بأن يكون هذا الشبيه من طراز أحمد زكي، الذي إذ برع في دور، يصعب على أي كان أن يمحوه من ذاكرة الجمهور. وهنا قد يسأل سائل: ولماذا إذاً، كل هذا اللف والدوران، طالما ان أحمد زكي مثل دور عبد الحليم على الشاشة، وطالما ان أغاني عبد الحليم لم تمت يوماً، لا بل تتضاعف اهميتها بانتقالها من جيل الى جيل؟ وهل من حاجة الى المشروع بأساسه؟ إزاء هذا، قد يظن المرء أننا نتنبأ منذ الآن وقبل بدء المشروع بفشله. وطبعاً ليس هذا قصدنا هنا. إذ ربما ينجح البرنامج وينتهي مع كثيرين يشبهون حليم. لكن هل سنقع على واحد يتمتع بكتلة الاحاسيس والمشاعر والكاريزما التي يمتلكها؟ احتمالات كل هذا قد يضع أصحاب المسلسل امام ثلاثة احتمالات: إما خوض التجربة حتى النهاية، حتى لو لم تكن النتيجة هي المرجوة وهو الاحتمال الارجح، وإما العدول عن الفكرة من اساسها، وإما تغيير الخطة برمتها، والاتجاه نحو تصوير المسلسل على طريقة سليم الترك في كليب يوري مرقدي الاخير"أنساك"الذي يهديه الى سندريللا الشاشة العربية. في هذا الكليب، لمن لم يشاهده، يحيي سليم الترك - بإمكاناته المتواضعة طبعاً - الفكرة التي راودت كبار صناع السينما في العالم في فترة معينة، حين فكروا بأن تمثل، مثلاً، مارلين مونرو، قصة حياتها من ولادتها الى مماتها، بدلاً من اختيار ممثلة، حقيقية، لتجسيد هذا الدور. طبعاً بوجود الشغل على الكومبيوتر والتقنيات الحديثة، لم يعد شيئاً مستحيلاً، لكن الفكرة لم تتعد الأفكار، وعدل المنتجون عنها سريعاً. اليوم سليم الترك يعيد إحياء سعاد حسني ويجعلها بطلة يوري مرقدي في كليبه الاخير لأغنية"أنساك". نراهما معاً تركيباً طبعاً يسيران في الطرقات، يفترشان الأرض، يلعبان"الكباش"، يتسابقان على الدراجات... طبعاً ما يسهل في كليب من دقائق، تختار مشاهده من دون أي صعوبات من اعمال سابقة، يصعب على فيلم من ساعة أو ساعتين ذي موضوع محدد شامل، يتناول مسيرة حياة كاملة، مع ما يحمله هذا الامر من تعقيدات جمة لناحية توليف هذه المشاهد في عمل متكامل، على رغم ان حليم نفسه سهّل الامر على هؤلاء بأفلامه الكثيرة والمتشعبة المواضيع التي لا تبتعد كثيراً عن صورته الحقيقية... ومع هذا ربما سيكون هناك دائماً من يطرح هذه الفكرة وربما أيضاً أفكاراً قد لا تخطر على بالنا... وفي انتظار ذلك، سنظل نترقب بشوق أولئك الأشخاص الذين سيجرؤن على منافسة... أحمد زكي.