في مثل هذه الأيام من كل عام، منذ 27 عاماً، كانت محطات الإذاعة والتلفزيون المصرية تكثف الجرعات"الحليمية"من أغانٍ وأفلام ومقاطع من أحاديث مسجلة، وذلك استعداداً لحلول ذكرى وفاة العندليب الراحل عبدالحليم حافظ? لكن في هذا العام، ومع قدوم الذكرى ال82 لرحيله توافق اليوم 30 آذار/ مارس، تناول المشاهدون والمستمعون جرعات مكثفة من أغنية"موعود"التي رأى القائمون على غير محطة تلفزيونية وإذاعية، أنها خير ما يمثل الفترات الحرجة الأخيرة من حياة الراحل أحمد زكي الذي جسد شخصية العندليب في فيلم لم يكتمل بعنوان"حليم". وفي السنوات القليلة الماضية، كانت الذكرى التي تؤلب مواجع المتضررين من الفيديو كليب والتطورات الحادة التي فتكت بالأغنية المصرية، فرصة للولولة على الرصانة والوقار، والبكاء على أطلال الفن الراقي، والنحب على زمن الالتزام، وذلك تحت ستار إحياء ذكرى العندليب. في هذا العام، خف هذا الاتجاه - بل كاد أن يختفي تماماً - وذلك لسببين، أولهما: الاستقرار النسبي الذي تمكن الفيديو كليب من تحقيقه رغم أنف الجميع. والسبب الثاني هو تشابك أضلع مرض أحمد زكي، ورغبته العارمة في تجسيد شخصية عبدالحليم حافظ حتى في الأيام الأخيرة لمرضه، وأوجه التشابه الكثيرة التي تربط قصة حياة الفنانين حافظ وزكي ثم رحيل زكي قبل أيام من حلول ذكرى حليم. ولسبب ما، اعتبر المصريون عبارات ولقطات تأبين الفنان أحمد زكي في حد ذاتها احتفالاً بذكرى رحيل العندليب من دون الحاجة إلى الإشارة المباشرة لذلك. وبدلاً من التركيز على التفتيش في الدفاتر القديمة الموضوعة في أدراج الصحافيين منذ ثلاثة عقود، وذلك لإعادة تدوير مقالات ومواضيع لا تخرج عناوينها عن إطار"أسرار لم تنشر من قبل عن العندليب"و"الحب الوحيد الحقيقي الذي لا يعرفه أحد في حياة العندليب"، اتسع المجال هذه المرة ليشمل كذلك"أسرار لحظات رحيل الفتى الأسمر"، و"محطات ننشرها للمرة الأولى من حياة أحمد زكي". صحيح أن دار الأوبرا المصرية لن تغير من عاداتها في الاحتفال بذكرى عبد الحليم حافظ بإقامة حفلات موسيقية يحييها مطربو الدار ومطرباتها، من دون الإشارة إلى أحمد زكي لأنه لم يكن مطرباً، لكن المؤكد أن مرتادي حفلات الأوبرا سيستمعون الى أغاني عبدالحليم حافظ على إيقاع ذكريات النمر الأسود.