في عيد ميلاده، خصوصاً في السنوات الأخيرة طالما داعبه أصدقاؤه من "الحرافيش" الجدد وزائروه بأملهم في تهنئته بالسنة المئة. ونجيب محفوظ الذي تحل ذكرى ميلاده الخامسة والتسعون الاثنين المقبل 11 كانون الأول ديسمبر، لم يكن بعيداً من حاجز المئة، وكان البعض يعلق بالضحك والبعض الآخر يتهم مقدم التهنئة بالبخل، إلا أن المتحلقين حول محفوظ في السنوات الأخيرة وكانوا خير معين له على قضاء أوقات وأمسيات نابضة بالحياة، تمنوا فعلاً أن يبقى محفوظ في الحياة أكثر من ذلك، ولا يهم إذا نال منه وهن السمع والبصر، ولا يهم أن يكون متوقفاً عن الكتابة، فهو في نظرهم كما في نظر سواهم الإنسان الذي لا يعوّض. لكنّ تعثر محفوظ في غرفة نومه وإصابته بجرح غائر في رأسه يوم الأحد 16 تموز يوليو الماضي ثم سقوطه مجدداً بعد أيام في الغرفة 612 في مستشفى الشرطة حيث كان يعالج، ساهمت في نهاية الكاتب الأكثر إثارة للجدل في الأدب العربي الحديث. ولعلّ كتاب محمد سلماوي"نجيب محفوظ... المحطة الأخيرة"الصادر في مصر عن دار الشروق يكمل الصورة ويضع خاتمة لها، فهو يكتب فيه بأسى أمام جثمان محفوظ أن"مشكلة الأستاذ أنه كان معمراً في بلد لا يعرف أهله كيف يتعاملون مع المعمرين"وأن"تعاملنا معه أثناء حياته لم يكن أفضل كثيراً مما كان خلال فترة مرضه، فقد رميناه بالكفر والإلحاد، ونفذنا فيه أحكاماً بالإعدام من دون محاكمة". يقدم سلماوي تفاصيل دقيقة عن الأيام الأخيرة لمحفوظ وكان أمضاها معه في مستشفى الشرطة المجاور لمنزله. ويشير رئيس اتحاد الكتاب العرب إلى أن محفوظ فارق الحياة قبل الساعة العاشرة من مساء يوم الثلثاء 29 آب أغسطس الماضي، أي قبل يوم من التاريخ الرسمي للوفاة... ولم يفسر سلماوي لماذا تأخر إعلان الوفاة أو إخبار أسرته بها عندما حلت، لكنه في ما يبدو التزم، كما جاء في مقدمة الكتاب،"بتسجيل وقائع ما حدث من دون أن أتدخل بالتعليق أو التفسير، إلا أنني كنت أعرف أن بعض أحداث هذه التجربة ربما فضل البعض أن تظل طي الكتمان، لكنها تجربة شاء القدر أن أكون شاهداً لها، ولم أكن أستطيع أن أكتم الشهادة". كتب سلماوي أنه تلقى مكالمة هاتفية الساعة العاشرة مساء 29 آب أغسطس قال له فيها محدثه"البقية في حياتك"وأنه رد"أنا آت فوراً"، فقال المتحدث:"أرجوك ألا تفعل، انتظر، فهم سيبلغونك رسمياً". وسأل سلماوي محدثه الذي لم يكشف عنه:"هل تم إبلاغ أسرته؟"، فقال:"سيتم إبلاغهم رسمياً". لم يكن أحد مع الأستاذ في المستشفى، كانت ابنتا محفوظ هدى وفاتن وزوجته غادرن إلى المنزل المجاور في نحو الثامنة والنصف مساء، وقبل ذلك بقليل شهدت غرفته حركة غير عادية، وتوافد عدد من الأطباء إلى غرفته، ثم هدأت الأوضاع، ومُنع الجميع بعد ذلك من دخول الغرفة. ربما أوحى سلماوي الى أن هذا التأجيل في الإعلان هو بسبب إجراءات الجنازة الرسمية، وهو إذ اتصل صباح اليوم التالي بزوجة الكاتب فوجد أنها لم تبلغ بعد. وفي المستشفى أكد له الأطباء انه توفي في الثامنة وعشر دقائق بالضبط مساء، بعدما توقف القلب، ولم تتمكن الأجهزة من إعادته الى الحياة. أبلغ سلماوي السيدة عطية الله بترتيبات الرئاسة لجنازة عسكرية من مسجد آل رشدان في مدينة نصر، لكنها قالت إن وصيته أن نصلّي عليه في مسجد الحسين حيث مسقط رأسه، وهو ما برر في ما بعد إقامة جنازتين للكاتب الراحل. وإذا كان سلماوي ركز على أيام محفوظ في المستشفى، فإنه طاف على الحياة الصحية لمحفوظ في شكل عام. وتداعى على صفحات الكتاب الكثير من ذكريات سلماوي مع محفوظ وعلاقته به. وكان سلماوي بدأ منذ إصابة محفوظ في يده اليمنى خلال محاولة اغتياله عام 1994 في ملازمته كل يوم سبت من كل أسبوع، ليملي عليه عموده الأسبوعي في صحيفة"الأهرام"، وذلك طوال الإثني عشر عاماً الأخيرة، كما أن سلماوي هو الذي ألقى كلمة محفوظ في أكاديمية نوبل في السويد عام 1988 بناء على اختياره الشخصي.