في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان محمود العوض 47 عاما من قرية قرب نابلس من الميسورين، اذ كان يعمل في الانشاءات العامة، وهي مشاريع للبنية التحتية ينفذها المجلس الاقتصادي للتنمية والاعمار بكدار بتمويل من الدول المانحة، لكنه بات اليوم من العائلات التي تعيش تحت خط الفقر بعد ان توقف عمله نهائيا ولم يتمكن من ايجاد عمل بديل. يقول محمود وهو رب اسرة مؤلفة من عشرة افراد:"توقفت المشاريع كافة في منطقتنا منذ الاشهر الثلاثة الاولى لحكومة حماس. بحثت عن عمل بديل لكني لم اعثر على اي فرصة". وكانت حكومة"حماس"تعرضت منذ اليوم الاول لتسلمها مهماتها في 29 ن آذار مارس الماضي، الى حصار مالي خارجي تركها عاجزة عن توفير رواتب موظفيها. وقال رئيس مؤسسة بكدار الدكتور محمد اشتيه الذي شغل مناصب مهمة في معظم الحكومات السابقة، ان الدول المانحة قلصت دعمها للفلسطينيين من 1,2 بليون دولار عام 2005 الى نحو 300 مليون دولار فقط العام الحالي، غالبيتها 85 في المئة جاءت من البلدان العربية. ومع التراجع الهائل في الدعم الخارجي، تقلصت مشاريع"بكدار"، وهي المؤسسة التي تولت اعادة بناء البنية التحتية للاراضي الفلسطيني بعد قيام السلطة، من 80 مليون دولار سنويا الى نحو 20 مليون دولار. ويقول خبراء الأممالمتحدة في الاراضي الفلسطينية ان تقلص الدعم الخارجي ادى الى ارتفاع نسب الفقر والبطالة بصورة غير مسبوقة في الاراضي الفلسطينية. وقال الممثل الخاص ل"منظمة الاممالمتحدة للطفولة"يونيسيف في الضفة والقطاع دان رومان ان معدلات الفقر وصلت في هذه الاراضي الى 70 في المئة. وتحدد المؤسسات الدولية والمحلية خط الفقر في الاراضي الفلسطينية عند 475 دولارا للاسرة المؤلفة من الاب والام واربعة ابناء. ويقول مدير مؤسسة استطلاعات الرأي"نير إيست"في رام الله جميل رباح ان نسب الفقر ارتفعت في عهد حكومة"حماس"جراء الحصار المفروض عليها من 50 في المئة الى 70 في المئة، مشيرا الى ان هذه النسبة ترتفع بمعدل 5ر2 في المئة شهريا. مساعدات غير تنموية واعلن الاتحاد الاوروبي الاسبوع الماضي ان مساعداته للفلسطينيين ارتفعت العام الحالي بنسبة 27 في المئة ووصلت الى 266 مليون دولار. وتعترف الحكومة"الحماسية"والمعارضة"الفتحاوية"على السواء بارتفاع هذه المساعدات، لكنها تقول انها مساعدات موجهة الى الفقراء للبقاء على قيد الحياة وليس للتنمية التي تولد فرص العمل. وقال وزير الخارجية السابق الدكتور نبيل شعث الذي كان على علاقة مباشرة بكثير من الدعم الاوروبي الموجه الى الفلسطينيين:"الدعم من هذا النوع يقدم لمن لا يجد لقمة العيش، انه ليس دعما ماليا يدخل العملية الانتاجية، بل دعم موجه للحالات الانسانية". نداء استغاثة ووجه ممثلو مؤسسات الاممالمتحدة وعدد من المؤسسات غير الحكومية اول من امس نداء"استغاثة"للدول المانحة لزيادة مساعداتها الانسانية للفلسطينيين، مشيرين الى التفاقم المطرد للفقر بينهم. ودعا ممثلون عن 12 وكالة تابعة للامم المتحدة و14 منظمة غير حكومية هذه الدول لتقديم مبلغ 453 مليون دولار بصورة عاجلة لتلبية الحاجات الانسانية للمواطنين. وقال منسق الاممالمتحدة للشؤون الانسانية كيفن كيندي:"اضطررنا الى اطلاق هذا النداء بعد تفاقم الاوضاع الانسانية"، مشيرا الى ان المساعدات المطلوبة ستخصص لمساعدة الفلسطينيين الاكثر فقرا، بمن فيهم الاطفال الذين يشكلون نحو نصف السكان. واضاف:"ثلثا الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يعانون حاليا الفقر، ويزداد بينهم اولئك العاجزون عن تلبية حاجاتهم الغذائية، فيما الخدمات الاساسية الصحية والتربوية في تدهور مستمر". وجاء في النداء المكتوب ان جزءا من المبلغ المطلوب 198 مليون دولار سيوجه لمشاريع توفر وظائف، فيما يوجه الجزء الآخر 150 مليون دولار لتوفير مساعدة غذائية لمن يحتاجون اليها. وقالت كارين أبوزيد، المفوضة العامة ل"وكالة الاممالمتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين"أونروا"ان الوضع في الاراضي الفلسطينية قابل للانفجار في أي وقت بسبب فقدان الأرواح وسبل المعيشة". ولا تجد الحكومة الفلسطينية جوابا تقدمه على الاسئلة المثارة في الشارع الفلسطيني في شأن ارتفاع معدلات الفقر في عهدها سوى القول ان السبب هو الحصار، وانها تعمل بمختلف السبل على"فك هذا الحصار وانهاء معاناة شعبنا". وقال وزير المال بالوكالة الدكتور سمير ابو عيشة:"استمرار الحصار لن يجعلنا نتخلى عن واجباتنا تجاه شعبنا، وكل ما نستطيع ان نعد به هو مواصلة العمل على فك الحصار". وتبدي الحكومة تفاؤلا ب"فك تدريجي للحصار"، خصوصا بعد جولة رئيس الحكومة الاخيرة التي تلقى اثناءها وعودا بدعم مالي من دولة واحدة على الاقل هي قطر. وقال وزير العمل محمد البرغوثي:"هناك اشارات عديدة ببدء تحلل هذا الحصار تدريجيا، آخرها تبني دولة قطر رواتب العاملين في القطاعين التعليمي والصحي". واضاف:"يبلغ عدد العاملين في هذين القطاعين نحو 55 الف موظف، واذا تمكنا من ايجاد دول أخرى تتبنى باقي العاملين، فاننا سننجح في ذلك". وتقول الحكومة انها دفعت 59 في المئة من اجور الموظفين من خلال اموال المساعدات العربية التي بلغت اكثر من 320 مليون دولار منذ تسلمها صلاحياتها، وهو مبلغ اعلى من ذلك الذي كانت تقدمه الحكومات العربية للحكومات الفلسطينية السابقة. وقال ابو عيشة:"سبب العجز هو حجز اسرائيل اموال الضرائب والجمارك الفلسطينية التي بلغت حتى اليوم 550 مليون دولار، وفي اي لحظة نتمكن فيها من تلقي هذه الاموال، فاننا سندفع جميع رواتب الموظفين المتأخرة". وتراهن"حماس"وحكومتها على قبول اسرائيل استئناف دفع اموال الجمارك والضرائب ضمن صفقة تشمل التبادل الاسرى ومواصلة الهدنة. ويرى غير مراقب ان هذه الفرصة ممكنة في حال شعرت اسرائيل بحاجتها الى صفقة من هذا النوع تحفظ لها الامن وتعيد لها جنديها الأسير في غزة منذ حزيران يونيو الماضي غلعاد شاليت.