كان أمراً مثيراً الذهاب الى استوديو مصر لحضور اول ايام تصوير فيلم"هي فوضى"للمخرج يوسف شاهين الذي تجاوز الثمانين، ومع ذلك ها هو يعود الى الوقوف وراء الكاميرا على رغم ضعف حالته الصحية في الفترة الأخيرة. وهو أمر يؤكده العاملون في الفيلم مدهوشين اذ يرونه يقوم بالتصوير منذ التاسعة صباحاً ومعه كمخرج منفذ للفيلم اقرب تلاميذه المخرج خالد يوسف. يوسف شاهين الذي يعمل بالإخراج السينمائي منذ منتصف أربعينات القرن الماضي عندما قدم أول أفلامه كمخرج وهو"بابا امين"، يدخل، ومعه تجربة فريدة في السينما المصرية والعربية بعد أن قدم خلال رحلته الطويلة عدداً من الأفلام ليس كثير العدد نسبياً ولكنه من علامات تاريخ السينما المصرية إذ غاص بأفلامه في قلب مصر بماضيها وحاضرها. ولذلك كان طبيعياً ان تثيره حالة الفوضى والتي لن نجاوز الحقيقة إذا وصفناها بالفوضى العارمة التي أصابت المجتمع المصري في سنواته الأخيرة. وهذا ما جعله يوافق على فكرة الفيلم بعد دقائق من سماعها من المؤلف ناصر عبدالرحمن. ولكن على عكس سهولة الموافقة المبدئية بدا تنفيذ السيناريو صعباً. ويقول المؤلف عبدالرحمن:"كنت قلقاً وانا ذاهب لمقابلة شاهين بسبب أسماء كبار كتاب الأدب والسيناريو الذين عمل معهم ولكن فوجئت بموافقته السريعة اذ قال لي:"هي دي الفكرة التي أريدها"وبدأت كتابة السيناريو قبل نحو سنة وسبعة اشهر ثم جرت مراجعته 25 مرة عرفت خلالها مدى اهتمام يوسف شاهين بأدق تفاصيل السيناريو والحوار. ولكن التعديلات التي أدخلتها لم تكن في الدراما الأساسية للفيلم التي لم تختلف كثيراً عن النسخة الأولى للسيناريو. أنا اعتبر أن ثقة شاهين فيّ لكتابة أحد أفلامه شرف كبير". وسبق لناصر عبدالرحمن تأليف فيلم"المدينة"ليسري نصرالله الذي ينتظره الآن لاخراج فيلم آخر. نذكر أن من اشهر أفلام يوسف شاهين في هذا الاتجاه الغاضب نفسه"الاختيار"وپ"عودة الابن الضال". وكما يحدث في هذين الفيلمين سيحاول أبطال"هي فوضى"الآن البحث عن الحب والحرية. وعن الفوضى التي يقصدها الفيلم يقول ناصر عبدالرحمن:"هي الحال التي تسود المجتمع وأفراده والتي يمكن لي تشبيهها بالعقد الذي فرط، فتبحث كيف تلملمه مرة أخرى. بمعنى أن الإنسان صار لا يعرف كيف يسير والى اين. المشاعر الأصلية للإنسان"اتلخبطت"والجميع محكوم بقيود حتى السلطة التي يجسدها هنا أمين الشرطة"خالد صالح"بقسوته ومشاعره التي فقدها في ظل خلل أصاب أهل المجتمع المصري الذي شغل عقل شاهين لأكثر من نصف قرن، بمن فيهم الفلاحون في رائعته"الأرض"أو المهمشون في"باب الحديد". يقوم ببطولة"هي فوضى"خالد صالح ومنة شلبي وهالة صدقي ويوسف الشريف وهالة فاخر ورولا محمود.