يُعد الكاتب وحيد حامد حالة فريدة في ساحة السينما المصرية خلال القرن الاخير، ليس فقط لأن أعماله تثير جدلاً لجرأتها وصراحتها في تناول الواقع وما يعتريه من فساد، ولكن أيضاً لأنه يكاد يكون المؤلف الوحيد من بين أبناء جيله الذي لم ينسحب من الساحة، وظل صامداً في مواجهة تيار أفلام الكوميديا التي باتت مسيطرة في الأعوام الاخيرة بفعل ما تحققه من ايرادات مرتفعة وغير مسبوقة. بدأت رحلة حامد مع الابداع من الاذاعة مطلع سبعينات القرن الماضي حتى وصل رصيد ما كتبه الى نحو عشرين مسلسلاً وسباعية وخماسية، منها:"شياطين الليل"وپ"الفتى الذي عاد"وپ"العوم على رمال ساخنة" وپ"الشيطان يعود". بعد ذلك انتقل الى كتابة الدراما التلفزيونية وكان اول ما كتبه المسلسل الغنائي"أوراق الورد"بطولة المطربة وردة واخراج محمد شاكر وحقق عند عرضه نهاية السبعينات نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وتكرر الأمر مع مسلسله الثاني"أحلام الفتى الطائر"بطولة عادل امام واخراج محمد فاضل، لتتوالى بعد ذلك مسلسلاته التي وصل عددها الى ثمانية مسلسلات، منها:"العائلة"بطولة محمود مرسي وليلى علوي واخراج اسماعيل عبدالحافظ، وأحدث عند عرضه عام 1993 ضجة كبيرة تطرأ لجرأته في مناقشة قضية الإرهاب، وهي أيضاً الضجة ذاتها التي احدثها مسلسله"أوان الورد"بطولة يسرا واخراج سمير سيف عند عرضه عام 2000 بسبب تعرّضه لما يسمى الوحدة الوطنية في مصر. أما آخر مسلسلاته التلفزيونية فكان"الدم والنار"الذي عرض عام 2004. وإلى جانب الدراما الإذاعية والتلفزيونية كتب حامد خمس مسرحيات، أولها مسرحية"آه يا بلد"التي عرضت عام 1971 وآخرها"جحا يحكم المدينة"التي عرضت منتصف الثمانينات. واذا كانت ابداعات حامد تنوعت ما بين الدراما الاذاعية والتلفزيونية والمسرح الا ان السينما صارت منذ منتصف الثمانينات خياره الاول حتى وصل عدد الأفلام التي كتبها الى خمسة وثلاثين فيلماً يعد معظمها أعمال السينما المصرية ومنها"طائر الليل الحزين"وپ"التخشيبة"وپ"البريء"وپ"الراقصة والسياسي"وپ"اللعب مع الكبار"،"الإرهاب والكباب"، وپ"كشف المستور"وپ"طيور الظلام"وپ"اضحك الصورة تطلع حلوة"وپ"معالي الوزير". حفلت مسيرة حامد مع الإبداع بعدد من الجوائز والتكريمات آخرها تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الاخيرة التي أقيمت بداية كانون الاول ديسمبر الماضي كما يعرض له حالياً فيلم"دم الغزال"من بطولة يسرا، نور الشريف، منى زكي واخراج محمد ياسين. عن هذا الفيلم ومشاريعه المقبلة كان لپ"الحياة"هذا الحوار: ما القضية الرئيسة التي أردت أن تطرحها من خلال فيلمك"دم الغزال"الذي يعرض حالياً؟ - قضية الارهاب، فسيناريو هذا الفيلم انتهيت من كتابته منذ ثلاثة أعوام ولكن المنتجين لم يتحمسوا لانتاجه بحجة انه يتناول قضية الإرهاب، وان الارهاب انتهى ولم يعد موجوداً، الا انني كنت على قناعة تامة بوجود ارهاب ثقافي وفكري في المجتمع سيولّد العنف من جديد وظل العمل مؤجلاً الى أن وجدت شركة الانتاج التي تحمست له ووافقت على مشاركتي في انتاجه. ولجت قضية الارهاب في اكثر من عمل تلفزيوني وسينمائي من قبل فما الجديد الذي تطرحه في هذا الفيلم؟ - أتناول القضية من واقع المجتمع ومن خلال مجموعة من العلاقات المتشابكة بين شخصيات من طبقات اجتماعية مختلفة، باختصار أريد أن أقول إن الفقر والفساد يشكلان أرضية خصبة لنمو الارهاب. ألا تعتقد بأن قضية الارهاب انتهت على الاقل في مصر؟ - لا اعتقد بأنها انتهت فهي تختفي لفترة ثم تظهر من جديد، واعتقد ان حوادث الارهاب التي وقعت منتصف العام الماضي وتزامنت مع تصوير الفيلم تؤكد عمق رؤيتي التي لا تنحصر على الارهاب الذي يحدث في مصر فقط بل في عدد من الدول العربية والاجنبية. عمارة يعقوبيان معظم أعمالك السينمائية التي كتبت لها السيناريو والحوار كانت من تأليفك أيضاً ما الذي دفعك لكتابة السيناريو والحوار لفيلم"عمارة يعقوبيان"وهي في الاساس عمل ادبي من تأليف غيرك؟ - عندما قرأت رواية"عمارة يعقوبيان"أعجبتني جداً، فقرأتها مرة ثانية فازداد اعجابي بها اكثر، ما دفعني الى الاتصال بمؤلفها وعرضت عليه شراءها لانتاجها في فيلم سينمائي فوافق، وعندما بدأت اتخاذ الخطوات العملية لانتاجها وجدت ان المشروع يحتاج الى انتاج ضخم لا تتوافر لدي الامكانات المادية له، فانتظرت الى أن طلب مني عماد أديب انتاجها من خلال شركة"جود نيوز"فوافقت. أما عن احداث الفيلم فهي تدور من خلال نماذج متباينة ومختلفة من البشر يجمعهم السكن داخل عمارة واحدة هي عمارة يعقوبيان التي تقع في وسط القاهرة ومن خلالهم ترصد التحولات التي مرّ بها المجتمع المصري خلال السنوات الاخيرة. شهد هذا الفيلم التعاون الأول بينك كسيناريست وبين ابنك مروان كمخرج، كما انه يعد التجربة الاولى له في اخراج الافلام الروائية الطويلة، فماذا عن هذه التجربة شديدة الخصوصية؟ - بالنسبة الى تجربتي مع مروان كمخرج أذكر أنه حدثت بيننا قبل التصوير بعض الخلافات في وجهات النظر ولكننا تغلبنا عليها. وهي خلافات اعتدت عليها مع معظم المخرجين الذين تعاملوا مع أفلامي. فأنا في تعاملي مع المخرجين استمع الى ملاحظاتهم حول السيناريو والحوار واتناقش معهم، وفي النهاية نصل الى الشكل الذي يرضي كلاً منا بالاقتناع. أما عن مروان كمخرج فلديه طاقة وموهبة فنية عالية ويمتلك أدواته. ونالت معظم افلامه القصيرة التي اخرجها عدداً من الجوائز داخل مصر وخارجها وآخرها الفيلم القصير"لي لي"قصة الاديب الكبير يوسف ادريس. وهو في فيلم"عمارة يعقوبيان"استطاع السيطرة على الفنانين الذين يشاركون في الفيلم وتوجيهه ليخرج منهم أفضل ما لديهم من اداء بما يخدم العمل ككل، وهو ما سيتأكد منه الجميع عند مشاهدة الفيلم خلال عرضه قريباً. والفيلم تشارك في بطولته نخبة من كبار الفنانين منهم عادل إمام ونور الشريف ويسرا ومعهم أحمد بدير وسمية الخشاب وهند صبري واسعاد يونس وخالد صالح. بعيداً من الفيلمين السابقين، ماذا عن أعمالك الجديدة في الفترة المقبلة؟ - لدي ثلاثة سيناريوات افلام سينمائية جاهزة للتصوير خلال الفترة المقبلة وكلها تحمل أسماء موقتة، ربما يتم تغيير بعضها عند بداية التصوير، منها فيلم بعنوان"بدون ذكر اسماء"وانتهيت من كتابته منذ نحو عامين وعرضته على الرقابة فطالبت بحذف بعض المشاهد والجمل الحوارية ولكنني رفضت. وعرضته على لجنة التظلمات التي وافقت على تصويره من دون أي حذوفات. وتدور أحداثه داخل كواليس"الصحافة الصفراء"من خلال مصور صحافي شاب يكتشف انه اداة لبعض المنتفعين من ارباب صحافة الفضائح ورجال الاعمال الفاسدين فيقرر ترك المهنة. أما سيناريو الفيلم الثاني الجاهز للتصوير فهو بعنوان"فاروق الاول والاخير"ويتناول قصة حياة الملك فاروق آخر ملوك مصر من توليه العرش وحتى وفاته. شخصية الملك فاروق من الشخصيات المثيرة للجدل وتناولها عدد من الاعمال الفنية بشكل يسيء إليها، فكيف ستتناولها في فيلمك؟ وهل أثار بعض المشكلات مع الرقابة؟ - اعتمدت في كتابة السيناريو على وثائق وحقائق تختلف تماماً عما هو شائع عن الملك فاروق ومن خلال هذه الوثائق والحقائق تعاملت مع الشخصية بأسلوب محايد سيصحح بعض الصور السلبية التي التصقت به، فالملك فاروق كان وطنياً وما يؤخذ عليه من سلبيات كان سببها المحيطون به داخل القصر سواء ممن كانوا يعاونونه في ادارة شؤون الحكم او بعض افراد الاسرة، فقد عانى كثيراً بسبب خيانة الجميع له وهو ما اكتشفته من خلال المعلومات التي جمعتها والتزمت بها في السيناريو، ومن الحقائق التي سيؤكدها الفيلم وتنفي ما كان شائعاً عنه انه لم يكن"زير نساء"لانه باختصار وكما هو ثابت طبياً عنه كان يعاني من عجز شديد. أما بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، لم تحدث أي اعتراضات رقابية على الفيلم وصُرّح بتصويره وينتظر ان يبدأ خلال الشهور المقبلة، وسيخرجه سمير سيف، ونعكف حالياً على اختيار الممثلين الذين سيشاركون في بطولته. وماذا عن الفيلم الثالث الذي قلت إنك انتهيت من كتابته الى جانب الفيلمين السابقين ومن المنتظر أن يُصوّر قريباً؟ - هو فيلم بعنوان"الغاوي"واتفقت مع الفنان نور الشريف على القيام ببطولته. ويطرح ويناقش قضايا سياسية مهمة وحتى الآن لم استقر من يتولى إخراجه. انتشرت في السينما المصرية ظاهرة"خياطي"السيناريوات الذين يفصلونها بحسب مقاس ومواصفات نجوم الشباك هل كتبت مثل هذه النوعية من السيناريوات من قبل؟ -"عمري ما كتبت"سيناريوات من هذا النوع ولن يحدث. فأنا عندما اكتب سيناريو اي عمل لا أحد يعرف ماذا أكتب ولا اعلن عن سيناريو كتبته الا بعد ان يخرج من الرقابة، بعدها أختار المخرج المناسب له ونجلس معاً لترشيح الفنانين الذين يشاركون في بطولته. على رغم الجرأة الكبيرة التي تتميز بها أعمالك والتي تصل الى حد المباشرة في تناول القضايا الشائكة مثل الفساد وغيره إلا أن صدامك مع الرقابة كان نادراً، وهو يجعل البعض يصفك بأنك صاحب نفوذ؟ - نعم لي نفوذ ولكن هذا النفوذ هو انني أكون دائماً على حق وصواب وصاحب قضية، كما انني تعودت ألا أقدم تنازلات وهذا مهم جداً لأن خصمي لو تأكد بأنني لن اتنازل سيعطيني حقي كاملاً وبسهولة. هذا هو نفوذي الذي يتحدث عنه البعض، ومع هذا فأنا أكثر مؤلف تم الاعتراض على أفلامه رقابياً مما ادخلني في معارك مع الرقابة في عدد من الافلام، ومنها:"البريء"وپ"الغول"وپ"طيور الظلام"وپ"التخشيبة"وپ"كشف المستور"وپ"النوم في العسل"واخيراً سيناريو فيلم"بدون ذكر اسماء"الذي رفضته الرقابة ووافقت عليه لجنة التظلمات. وماذا عن جديدك في الدراما التلفزيونية خصوصاً أن آخر مسلسلاتك"الدم والنار"حقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً عند عرضه في رمضان قبل الماضي؟ - ليس عندي جديد في هذا المجال بل انني اعلنها لك وللمرة الأولى انني اعتزلت كتابة الدراما التلفزيونية وان"الدم والنار"هو آخر مسلسلاتي. فقد اصبحت المسلسلات التلفزيونية تعتمد على اسم النجم الذي يجلب أكبر قدر من الاعلانات ولا يهم بعد ذلك اي شيء سواء جودة النص او الاخراج او حتى الانتاج خصوصاً بعد ان أصبح أجر النجم يلتهم نحو نصف موازنة العمل، بينما النصف الثاني يتم الانفاق منه على اجر بقية الممثلين والمؤلف والمخرج والفنيين والتصوير وبقية تكاليف الانتاج.