يتنازع الولاياتالمتحدة رغبة متناقضة في الخروج من العراق والبقاء فيه، معاً. ولعله لم يسبق لأميركا أن عانت مأزقاً مثل هذا. فالأميركيون عاجزون عن الانتصار، وليس في مستطاعهم الرحيل. والخبر السار هو أن الانتخابات النصفية الأخيرة كشفت زيف المزاعم التي نسجها بوش عن العراق، وشقت الطريق الى التصدي للمأزق من غير مواربة. ولكن الوجه الآخر من الخبر هو أن أحداً لا يعرف كيف يكون التصدي. فالبيت الأبيض، ووزارة الدفاع البنتاغون، على وشك اللجوء الى"الخطة باء". وهذه ترمز الى تدبير معجز يؤدي الى الخلاص المنتظر. ويبدو أن نائب الرئيس، ديك تشيني، وأعوانه المقربين، لا يزالون، وحدهم، على يقين من احتمال نصر كلّي، ويعولون على تنفيذ خطة تصعيدية تنتهي، من غير هفوة، بإطاحة حكم الملالي. وفي الأثناء، نأى هنري كيسينجر بنفسه عن أنصار"الخطة ألف". فهو ظن من قبل أن الحرب هي الحل. ويرى اليوم أن الانتصار العسكري بعيد وممتنع. وعندما يدير هذا الرجل ظهره الى حرب، فمعنى هذا ان هذه الحرب خاسرة. ويرى كيسينجر أن بداية انسحاب متسرّعة قد تجرّ الى حرب أهلية واسعة النطاق، يترتب عليها إخلال بموازين الشرق الأوسط. ويذهب كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وهو كان وصف هذه الحرب بالمجنونة، الى أن الولاياتالمتحدة"علقت في فخ العراق"، ولن تستطيع الرحيل طالما العراقيون قاصرون عن إنشاء"بيئة آمنة"- في وقت لا يُبدون حرصاً يذكر على البيئة الآمنة هذه. والجنرال المتقاعد، انطوني زيني، وهو سبق أن وصف حملة جورج بوش للإطاحة بصدام حسين بالحمق، وأنكر إرسال قوات عسكرية الى بغداد، ها هو يشير اليوم بإرسال قوات إضافية آملاً في الخروج من الفوضى. والجنرال ريموند أوديارنو، وجنوده أخرجوا صدام حسين من مخبئه تحت الأرض، ويستعد للعودة الى العراق والاشراف على العمليات، كفّ عن التنويه بديموقراطية توماس جفرسون رئيس الولاياتالمتحدة بين 1801 و1809، وبدعوته الى توازن السلطات. وتقتصر أمنيته على قيام حكومة عراقية قانونية ومقبولة. وهو يخطط لبلوغ أهداف متواضعة مثل لجم العنف المذهبي، وبناء السلطة المدنية. ولكنه لا يدري مقدار حظه في النجاح. وفي جلسة استماع عقدها مجلس الشيوخ، قدّم الجنرال جون أبي زيد، بسذاجة من يكتشف الحرب، اقتراحين لمعالجة المسألة العراقية. ولم يلاحظ أن أحد الاقتراحين يلغي الآخر. يقضي الأول بألا تقلص الولاياتالمتحدة عديد قواتها في العراق، لأن العراقيين في حاجة الى العديد الحالي. ويقضي الثاني بألا تزيد بلاده عديد الجنود لأن الولاياتالمتحدة لا ترغب في تحول العراقيين عالة عليها. وعليه، فهامش المبادرة ضيّق. وأدى انعطاف الأوضاع الحاد الى إبطال مسوغات الانسحاب ومسوغات البقاء، جميعاً. وتعاظم عدد القتلى في صفوف المدنيين العراقيين، وبلوغه قريباً عدد الضحايا في عهد صدام حسين، يحمل على الخشية من تخطي المشكلة عدد الجنود الأميركيين في العراق. فهي قد تكون العراق نفسه. فالولاياتالمتحدة غزت العراق، ثم غزا العراق نفسه، وبات الوجود العسكري الأميركي تحت رحمة بلاد بلا رحمة. وعدا تقديم النصح الى إسرائيل بمعاملة الفلسطينيين معاملة أقل قسوة - وكأن خلاص العراق رهن ذلك - يكتفي جيمس بيكر وهو شريك رئاسة"مجموعة الدراسات حول العراق" باقتراح حوار بين الولاياتالمتحدة وإيران وسورية. والشك قوي في أن يكتب النجاح للحوار المقترح. فالرئيس بوش أعلن، أواخر الشهر المنصرم، احتمال ضلوع البلدين في اغتيال الوزير اللبناني، بيار الجميل، ببيروت. ويجدر بجيمس بيكر، والحال هذه، أن يفكر في"الخطة جيم"الثالثة. وفي الأثناء، يحاول البنتاغون حسم أمره. فإما زيادة عدد الجنود الأميركيين، وإما الإعداد للبقاء طويلاً، وإما الانسحاب. ولكن ما السبيل الى فهم الترجُّح بين الاحتمالات الثلاثة؟ عن مورين دوود، "نيويورك تايمز" الأميركية ، 1 / 12 / 2006