سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة العاشرة . سكوكروفت : فوجئ حلفاؤنا باقتراح الرئيس مجيء عزيز الى واشنطن وذهاب بيكر الى بغداد بوش : قلت لشامير ... اذا هاجمكم صدام فإن لدينا القدرة لمحو بنيته العسكرية
في بداية الفصل 17 من كتاب "عالم تحوّل" وعنوانه "عبر ضوضاء" يواصل جورج بوش وبرنت سكوكروفت رواية ما حدث من مناقشات مع زعماء الكونغرس بشأن إن كان يجب اعطاء العقوبات فرصة للضغط على العراق كي يسحب قواته من الكويت أم يجب اعتماد خيار الحرب لتحقيق هذه الغاية. ولكي يدلل بوش على انه يحاول استنفاد كل الجهود الديبلوماسية قبل اللجوء الى الخيار العسكري اقترح ارسال وزير خارجيته جيمس بيكر الى بغداد ومجيء نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز الى واشنطن، وهو قرار فاجأ الحلفاء. برنت سكوكروفت مع اننا سعينا للحصول على دعم الاممالمتحدة منذ بداية الازمة، فقد كان هذا جزءاً من جهودنا لإقامة إجماع دولي، وليس لأننا اعتقدنا بأننا نحتاج الى تفويض منها. لقد وفّرت الاممالمتحدة رداءً اضافياً الى التغطية السياسية. ولم نعتقد ابداً بأننا لا نستطيع ان نتدخل، او اننا لن نتدخل، من دون مباركتها. كانت مصالح اميركا والعالم معرّضة للخطر وكانت الكويت قد طلبت المساعدة. لم نعتقد بأن سلطة اضافية كانت مطلوبة عدا المادة 51 من ميثاق الاممالمتحدة لتطبيق حصار، وانما اعتقدنا بأنها كانت مرغوبة سياسياً فقط…. كان قرار الاممالمتحدة في تشرين الثاني نوفمبر اجراءً سياسياً قُصِدَ منه تأكيد التضامن الدولي وتقوية الدعم الداخلي في الولاياتالمتحدة بالتوضيح ان في وسعنا استخدام القوة ومتى استخدامها. لم يعد ممكناً ان يكون هناك شك في ذهن صدام - او ذهن اي شخص آخر - ان التحالف كانت لديه الإرادة والوسائل لخوض حرب…. ومرة اخرى كنا نواجه موازنة حق الرئيس المتأصل في استخدام القوة في مقابل الفوائد السياسية لدعمٍ صريح من الكونغرس. منذ نهاية تشرين الثاني نوفمبر وحتى كانون الثاني يناير تعمّق النقاش مع الكونغرس. وكان النزاع متعلقاً بأهداف السياسة الخارجية والامنية في الخليج أقل مما كان متصلاً بمسائل السياسة الداخلية والدستورية…. في نهاية تشرين الثاني نوفمبر، افتتح السناتور سام نان جلسات استماع متلفزة عن سياستنا، موجهاً اسئلة عن استخدام العقوبات وعن جهوزيتنا العسكرية. وبصفته رئيساً للجنة القوات المسلحة وصوتاً محترماً في واشنطن، فإنه لم يكن مجرد عضو آخر من اعضاء مجلس الشيوخ: كان لديه نفوذ قوي وسلطة في قضايا الامن القومي. وبسبب مكانته، فإن موقفه القائل بأن علينا الاستمرار في تطبيق العقوبات - لسنتين اذا اقتضى الامر - اجتذب دعم ديموقراطيين كثيرين. وسرعان ما اصبحت جلسات الاستماع مشحونة سياسياً، مع استخدام الاعضاء والشهود المنبر للتعبير عن مخاوفهم او كمنصة لأغراضهم الخاصة. استدعى نان عدداً من كبار الضباط العسكريين المتقاعدين والمسؤولين الحكوميين ليدلوا بشهاداتهم، بمن فيهم هنري كيسينجر والادميرال وليم كرو والجنرال ديفيد جونز، وكذلك وزير الدفاع السابق جيمس شليزنجر، ووزير البحرية السابق جيمس ويب، والمدير السابق لوكالة الامن القومي وليام أودوم. وربما كان ظهور كرو، بالنظر الى حداثة خدمته، الأكثر تدميراً. وباستثناء كيسينجر، تحدثوا جميعهم ضد استخدام القوة. جادلوا بطرق متنوعة بأن عسكريينا لم يكونوا جاهزين لحرب، وبأن الخسائر في الارواح ستكون مرتفعة، بعشرات الآلاف، وان اهدافنا كانت غامضة، وان العقوبات يجب ان تؤدي المهمة. وأصرّ شليزنجر على ان تأثير الحرب في المنطقة والاقتصاد العالمي سيكون هائلاً، واننا بينما كنا نحشد وجودنا العسكري في المملكة العربية السعودية، ضَعُفَ الدعم الشعبي. أبدى جونز قلقه من ان الزيادة في عدد القوات ستوجّه السياسة، وستؤدي بنا الى الدخول في حربٍ قبل الأوان، كما حدث للقوى الاوروبية في 1914، وان القوة اكبر بكثير من ان يمكن مناوبتها. قال ويب اننا اذا اردنا خياراً هجومياً فيجب علينا ان نُعيد نظام التجنيد ونطلب من الكونغرس إعلان حرب. رأى أودوم ان العقوبات ستنجح في نهاية الأمر وان بوسعنا ان ننتظر. سيكون من الأسوأ ان نقاتل، وان نتكبّد خسائر جسيمة، وان نُضطر الى البقاء لسنوات في العراق الذي اعتقَدَ بأنه أمر ضروري لمنع انهيار اقليمي اكثر من البقاء في المملكة العربية السعودية. كانت شهادة كيسينجر مختلفة تماماً عن معظم شهادات الآخرين. جَادَلَ بأنه، مع ان العقوبات قد تنجح في نهاية الأمر، فإن ذلك سيستغرق وقتاً أطول بكثير مما ينبغي وانه في حلول وقت الحُكم على نجاحها سيكون الأوان قد فات على استخدام خيار عسكري. كما سيصعب الاستمرار فيها في وجود ضغوط قوية لتخفيفها او رفعها وسحب قواتنا. لا بد من المحافظة على العقوبات والخيار العسكري معاً لأطول مدة ممكنة، لتكون لهما صدقية. لكنه تنبأ بأنه ستأتي مرحلة سيتعين علينا فيها ان نقرر بينهما. حجم نشر القوات في المملكة العربية السعودية والجهود اللوجيستية والسياسية اللازمة لإبقائها هناك، يعني ان وقتنا محدود. وفي نهاية الامر لن نعود قادرين على إبقاء وجود عسكري بحجمٍ كافٍ وسنضطر الى الاختيار بين عواقب انسحاب وعواقب عمل عسكري. بدا بعض الحذر، خصوصاً الحُجج القائلة بأن العسكريين غير جاهزين للحرب وان الدعم الشعبي يجب تنميته سلفاً، وكأنه يعكس الذكريات المتبقية من فترة حرب فيتنام. وباستثناء كيسينجر، بدا قليلون مدركين للأثر الضئيل الذي يبدو ان العقوبات تولّده، او ان الوقت قد يُضعف تضامن التحالف…". جورج بوش اعتقدتُ بأن قائمة الشهود "رُتِّبت" لمصلحة الناس الذين أيّدوا العقوبات كخيار وحيد. قال لي القائم بأعمالنا في بغداد، جو ويلسون في ما بعد ان ردّ فعل العراق على شهادة الادميرال كرو في صورة خاصة كان تشجيع الاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة لن تهاجم ابداً. وتعكس مفكرتي لأواخر تشرين الثاني نوفمبر بعض اغتياظي من الكونغرس والضغوط المتزايدة من المنتقدين: 28 تشرين الثاني نوفمبر النقاش يستعر الآن وسام نان، الذي اعتقد بأنه سيترشح للرئاسة، يحاول تقرير كم يجب ان يضغط. غيفارت "يُخاصم" الرئيس، قائلاً "لا استخدام للقوة، العقوبات يجب ان تنجح". لا يبدو أي منهم قلقاً بشأن الرهائن، لا يشاطرني أي منهم قلقي بشأن السفارة... انه أمر مثير للسخرية ان يكون اليمين الانعزالي مُصطفّاً مع يسار كينغمان بروستر ]القديم[ في الحديث عن عَرَض فيتنام. بوب كيري وهو بطل حقيقي في حرب فيتنام، وجون غلين، وهو بطل ايضاً يقولان: "لا قوة، لا قوة". ... التحليل النهائي: سنسود. سيخرج صدام حسين من الكويت، وستكون الولاياتالمتحدة العامل الحافز والمفتاح في تحقيق ذلك، وهذا مهم. دورنا كزعيم للعالم سيُؤكَّد مرة اخرى، ولكن اذا قبلنا بحلول وسط واذا فشلنا، فسننزل الى منزلة عقم تام وهذا لن يحدث. لا يهمني اذا كان لي صوت واحد في الكونغرس. هذا لن يحدث... أريدُ ان يكون الكونغرس مشاركاً. يستمر النقاش الكبير في شأن اعلان حرب، لكن المسألة الكبيرة هي اننا نحتاج اليهم" نريدهم" وسأستمر في التشاور…. كان أحد الاجراءات التي درستها للمساعدة في تقوية الدعم من الكونغرس ومن الشعب الاتصال المباشر بالعراقيين. أردتُ ان أُظهر اننا نقطع الميل الاضافي من اجل السلام وسيساعد هذا في إبطال بعض الاتهامات بأنني كنتُ أفكّر في شن حرب على شخص لم احاول حتى التحدث معه. منذ الوقت الباكر من تشرين الثاني نوفمبر على الاقل، كنتُ أنظر في فكرة اجتماع رفيع المستوى يتم فيه ابلاغ صدام بالضبط مدى تصميمنا - وانْ لا مجال لحلٍ وسط، وان الانسحاب، غير المشروط، والكامل هو الحل الوحيد. وفي حلول نهاية الشهر، حزمتُ أمري، متشجعاً بأن قرار الاممالمتحدة الذي يخوّل استخدام القوة يمكن ان يكون قد أوصل اليه الرسالة في النهاية، وقررتُ اقتراح اجتماع. المسألة الوحيدة كانت كيف. كان أحد الاحتمالات ان نطلب من طارق عزيز المجيء الى واشنطن" وآخر، أن أجتمع أنا مع صدام حسين. بإمكاني ايضاً ان ارسل ممثلاً الى بغداد ليسلّم رسالة شخصية، ربما جيم بيكر، او برنت، او السناتور ديك لوغار. قَلِقَ جيم من أنه اذا ذهب شخص آخر لمقابلة صدام فقد يقوّض هذا عمله، ويوحي بأن ليست لديه سلطة كافية. كان قلقي هو ان المحادثات في حالة صدام حسين ستكون ظاهرة للعيان اكثر مما ينبغي" وسيتعلق الامر ب "الكبرياء" الى حد كبير. لم يتأكد لي الى اي مدى يجب ان تكون هذه الاجتماعات علنية وكيف يجب ان تُنقلَ رسالتي. كان من الممكن ألا ينقل عزيز الرسالة كاملة الى صدام. في المساء التالي للتصويت في الاممالمتحدة، قررتُ أن أقترح كلاً من مجيء عزيز الى واشنطن وذهاب جيم بعدئذٍ الى بغداد. برنت سكوكروفت لم أكن متحمساً الى الفكرة لأنها أيقظت إمكان مفاوضات مباشرة بعد ان أعطت الاممالمتحدة تفويضاً باستخدام القوة، ولكن بدت على الرئيس بوش تلك العلائم التي أنبأتني بأنه قد حَزَمَ أمره. كنا، هو وأنا، قد ناقشنا الفكرة - مرات عديدة - وأشرتُ الى ان أوثق حلفائنا قد يعتقدون بأن عزيمتنا ضَعُفت، لكنني لم أُلح في المسألة. كان هناك منطق قوي في الحجة القائلة بأن الرهان كبير الى درجة ان من المهم بذل جهدٍ جدي لاجراء مناقشة مباشرة… غير اننا ارتكبنا غلطة. أراد عمل ذلك على الفور، من دون مزيد من الجدل. لذا عملنا، بيكر وانا وحدنا، على وضع صيغة تصريحه. لو اننا أطلعنا ريتشارد هاس عليه سلفاً، لكان أشار بالتأكيد الى القرب بين التواريخ التي كنا نقترحها للاجتماعين وبين انتهاء أجل إنذار الاممالمتحدة، وهو قرب لم يكن من شأنه إلا التسبّب في مزيد من تكتيكات التأخير. صباح يوم 30 تشرين الثاني نوفمبر، أعلن الرئيس الدعوة، موضحاً أسبابه لذلك عارضاً الاجتماع في واشنطن مع عزيز، الى جانب سفراء دول التحالف. في الجزء الثاني من اسبوع 10 كانون الاول ديسمبر. طَلَبَ من صدام ان يستقبل بيكر في موعد مناسب للطرفين بين 15 كانون الاول و15 كانون الثاني يناير. كان ردّ الفعل من حلفائنا في التحالف على الاعلان حاداً وفي أفضل الاحوال، مختلطاً. لم نكن قد شاورناهم سلفاً، لذا كان مما يمكن فهمه انهم فوجئوا، من دون ان يعرفوا هل كنا نريد عقد صفقة سرية او ربما تخوَّفوا من ان نخذلهم. اتصل الرئيس هاتفياً بالملك فهد، وكذلك بحسني مبارك، وتورغوت أوزال، وأمير الكويت، ورئيس وزراء بريطانيا الجديد، جون ميجور، ليشرح المهمة ويطمأنهم الى انه لن تكون هناك تنازلات. كان الاجتماع المقترح مجرد فرصة لعرض الحقائق امام صدام…. كان رد فعل مبارك اكثر ايجابية، ووصف فكرة ارسال بيكر الى بغداد بأنها "خطوة جيدة". من جهة اخرى أبرق السفير هنري كاتو يقول ان الحكومة البريطانية "جُنَّ جنونها" بسبب عدم التشاور - خصوصاً ان الاعلان جاء بعد ساعات فقط من تناول بيكر العشاء مع وزير الخارجية دوغلاس هيرد في نيويورك. برنت سكوكروفت كان الجانب السلبي دولياً لدعوة طارق عزيز واضحاً على الفور وخطيراً فعلاً. اذ هزَّ التحالف من جذوره، بعد ان بدا ان قرار الاممالمتحدة أزال العقبة الاخيرة أمام القيام بعمل. لم يكن هناك الشيء الكثير مما يمكننا عمله لطمأنة حلفائنا، لكن الرئيس بذلَ قصارى جهده. ونجحت الجهود في نهاية الأمر…. في الجانب الايجابي، كانت هناك فائدتان: الاولى ارتياح ذهن الرئيس، وعِلمه انه اتخذ خطوات اضافية من اجل السلام وتجنبَ الاتهام بأنه كان مستعداً لإرسال جنود اميركيين الى المعركة من دون ان يكون قد جرّب مفاوضات مباشرة. وكانت الفائدة الثانية ردّ الفعل الداعم المفاجئ في الولاياتالمتحدة. وقد خفّفَ هذا من بعض الضرر الذي أحدثته جلسات استماع سام نان، ووجد الديموقراطيون، الذين وقفوا مواقف معارضة من الحرب، أنفسهم في حيرة: كيف يمكنهم ان يعارضوا رئيساً يدعمه تحالف دولي قوي، واقترحَ الآن اتصالاً مباشراً بمثل هذه الطريقة الدراماتيكية؟ جاء تأثيره الاول في اجتماعٍ لزعماء الحزبين في الكونغرس في 30 تشرين الثاني نوفمبر في غرفة مجلس الوزراء، حيث بدا الجميع مُعجبين بهذا الإظهار الواضح لجدية الرئيس في محاولة حل المواجهة من دون قوة. في الاجتماع، حاول الرئيس بيع فكرة قرار يدعم تصويت الاممالمتحدة - وهي فكرة تجنّبت مشكلة مطالبة الكونغرس بتفويض لكنها تُظهر التضامن - وسأل مرة اخرى هل يجب ان تكون هناك جلسة خاصة للنظر في القرار؟ كان توم فولي مرتاباً ويأمل بوضوح بإعطاء العقوبات مزيداً من الوقت…. ذكَّرَ بوب دول زملاءه بأن: "الدستور يسمح باستدعاء الكونغرس مرة واحدة. اننا نفوّت فرصة. يمكننا تسريع هذه العملية والتوصل الى اتفاق على قرار في ثلاث ساعات - قرار سلام، لا حرب. اننا نتخلى عن مسؤوليتنا ونبدو كأننا نريد الأمرين معاً... فلنُرسل رسالة الى صدام وشبّانه التسعمئة ألف". قال ان الوقت ليس وقت مشاحنات سياسية حزبية. أَمُل بأن يستدعي الرئيس الكونغرس اذا لم ينعقد الكونغرس من تلقاء نفسه. قال بوب ميتشل: "انني أميلُ الى ما يقترحه دول. اذا كنا سنفعل الأمر، فلا بد من اتفاق الحزبين بتصويتٍ جيد". قال ديك غيفارت اننا اذا كنا سنستخدم القوة فيجب ألا يحدث هذا إلا بعد ان نكون قد استنفدنا العقوبات، ويمكن ان يحدث خلاف على ما يعنيه ذلك…. سأل كليبورن بيل هل ان تكون هناك مفاوضات عبر قناة خلفية. قال الرئيس: "انني مستعد تماماً للحديث. لكن خطر تقديم تنازلات هو خطر فادح يُدفع غداً. انها سابقة خطرة. العالم متحد. ان بلداً يَغتصِبُ بلداً آخر لا يستحق اي شيء". قال نان: "لا أحد يتحدث عن تراجع. المسألة هي هل نسير ببطء شديد مستخدمين العقوبات أم بسرعة عن طريق الحرب؟" قال انه لا يزال يعتقد بأن الوقت في جانبنا. ومع انه وافق على ان التهديد بالقوة مهم، الا انه كان قلقاً من ان حجم قواتنا ووضعها اللوجيستي سيبدآن بإملاء السياسة…". جورج بوش أراد زعماء مجلس الشيوخ الجمهوريون المضي قدماً ووضع مسودة قرار دعم. كانوا قلقين من ان الجمهوريين يوصَفون ب "حزب الحرب"، وأَمِلوا بدفع الديموقراطين الى اتخاذ موقف بوضعهم في مركزٍ كان البديل فيه التصويتَ ضد الرئيس في ما كان بصورة اساسية اعلان حرب. كان دول واثقاً من انهم يستطيعون الإبقاء على جدول الاعمال محصوراً في قرارٍ بشأن الخليج وتصويتٍ ايجابي. لم أكن قد حزمتُ أمري بعد. ومع كون الكونغرس منقسماً بشأن ما اذا كان ينبغي الدعوة الى جلسة خاصة - وفق خطوط حزبية في ما بدا - ومع تهديد بعضهم باقتراح قرارات اضافية تطلب مني السعي الى موافقة، اعتقدتُ بأن عدم عمل اي شيء هو افضل من بذلهم محاولة للحدّ من سلطة الرئيس. كان عليّ في مرحلة ما ان استخدم النقض ضد مثل هذا القرار، مُرسلاً بذلك أسوأ اشارة ممكنة الى صدام بشأن التصميم الاميركي. اذا لم نستطع الحدّ من جدول اعمال جلسة خاصة ونحصل على اجماع في كلا المجلسين، فإنه لا معنى لطلب تصويت بعد. أعقبَ عرضُ الرئيس تبادلَ ديبلوماسيين مع بغداد شهرٌ من التلاعب والمناورات الديبلوماسية العراقية، ربما بأمل التسبّب في انقسام التحالف او استغلال الضغط في الولاياتالمتحدة لاعطاء العقوبات مزيداً من الوقت. أوضحَ العراق انه يقبل "فكرة الدعوة واجتماع" لكنه لم يعرض اموراً محددة. في 4 كانون الاول ديسمبر، اعلن صدام انه سيسمح لكل المواطنين السوفيات ال 3300 الذين كان يحتجزهم بالمغادرة، وبعد يومين، قال ان كل اجنبي سيُسمح له بالمغادرة. وكان من الواضح ان الاعلانيين وُقِّتا لاستغلال الدعوة للحديث، وممارسة ضغط اضافي على التحالف كي يتراجع. جورج بوش علمتُ بتصريح صدام عن اطلاق الرهائن خلال رحلةٍ الى اميركا الجنوبية، حيث تلقيتُ ايضاً نبأً بأن وزارة الخارجية قد أعلنت انه بمجرد ان يكون جميع مواطنينا قد خرجوا من الكويت، فإن السفارة ستُغلق. كانت تلك المرة الاولى التي سمعتُ فيها بالخطوة وأزعجتني. بما ان صدام كان يُطالب بإغلاق السفارة، فإن من الممكن ان تبدو خطوتنا كأنها تقديم تنازل بعد وقت قصير من الرسالة القوية التي وجّهها قرار الاممالمتحدة ودعوتي الى اجتماعات عالية المستوى لتحذير العراق من تصميمنا. وأزال إغلاقها ايضاً استفزازاً ممكناً لاستخدام القوة، بالنظر الى انه لن يعود في وسعنا الاشارة الى ضرورة تموينها وتحرير المحصورين في داخلها. وبينما قلقتُ من ان الإجلاء سيُنظر اليه كعلامة ضعف، فقد صوّرته وسائل الاعلام الاميركية بأنه محاولة منّا لتمهيد السبيل لمزيد من العمل. ويُحتمل انه قد جعل توجيه ضربة أمراً أسهل وأملتُ بأن يُنظر الى الامر على هذا النحو، لكنني لم أكن مرتاحاً. وسرعان ما علمتُ بأن الاعلان قد فُسِّرَ في الدوائر السياسية في واشنطن، وفي الخارج في اوساط حلفائنا، كتنازل لصدام. كانت هناك إيحاءات بأن اغلاق السفارة، والرحلة المقترحة الى بغداد، ودعوتي الى عزيز تُظهرُ كُلها اننا أخذنا نضعف. بدأت الرهائن بالتدفق الى خارج العراق في 9 كانون الاول ديسمبر، بمن في ذلك 163 أميركياً. وغادر السفير لدى الكويت ناثانيل هاول والموظفون الديبلوسيون الاربعة الباقون بعد اربعة ايام من ذلك. اجتمعتُ مع مجموعة صغيرة من الاميركيين الذين أُطلقوا في 13 كانون الاول ديسمبر في البيت الابيض وسمعتُ قصص خوفهم ورعبهم في الكويت. وفيما استمعتُ اليهم، ورأيتُ قلّة التغطية الاعلامية التي يجري إعطاؤها لتجاربهم، غضبتُ وشعرتُ بأن الاميركيين لا يبدو عليهم انهم يأبهون. بعد ان أطلق صدام الرهائن، أحيا حِيَلُه لربط الكويت بالمشكلة الاسرائيلية - الفلسطينية وطلب حواراً اعرض بشأن الشرق الاوسط. رفضنا، مكررين ان المحادثات ستقتصر على مناقشة انسحاب العراق. ثم بدأ العراقيون يساوموننا بشأن تواريخ دقيقة للمحادثات، ربما في محاولة لزحزحة الموعد الأقصى 15 كانون الثاني يناير. اقترحوا ان يصل عزيز الى واشنطن في 17 كانون الاول، وطلبوا ان يبقى لثلاثة او اربعة ايام، شارحينَ انه يريد التحدث الى الكونغرس والصحافة ايضاً…. ردّ العراق بعرض تواريخ في منتصف كانون الاول. كان هذا غير مقبول: إما ان يذهب بيكر قبل 3 كانون الاول، وإما ان يُلغى الاجتماع. لعبنا بفكرة استقبال عزيز من دون رحلةٍ لبيكر، او حتى بإلغاء زيارته كلياً، ثم قلنا للعراقيين ان اجتماع عزيز هنا يتوقف على تأكيد أحد التواريخ لاجتماع بغداد. عادوا بتاريخٍ في كانون الاول قبل ثلاثة ايام فقط من الموعد الأقصى الذي حددته الأممالمتحدة. ثم اقترح بيكر ان نُبدي مرونتنا ونُلزمهم نطاقنا الزمني بعرض خمسة عشر تاريخاً ممكناً بين 20 كانون الاول ديسمبر و3 كانون الثاني يناير. جورج بوش المفكرة، 12 كانون الاول ديسمبر تلقينا برقية اخرى من بغداد تقول انهم ثابتون على مواقفهم بشأن مقابلة صدام في 12 ]كانون الثاني/ يناير[. أعطيناه 15 تاريخاً مختلفاً ويستطيعون مقابلة جون كوناللي في 10 دقائق او رامزي كلارك، او محمد علي، ولكن لا يستطيعون مقابلة وزير الخارجية. غداً يمكن ان نقرر التخلي عن هذا الشيء كله. بدأتُ أغضب من ألعاب صدام، لكنني مع ذلك أردت استنفاد كل الامكانات. في 14 كانون الاول ديسمبر أعلنتُ انني طلبتُ من جيم ان يكون متوافراً للذهاب الى بغداد في أي وقت حتى 3 كانون الثاني يناير. في اليوم التالي ألغى صدام رحلة عزيز الى واشنطن - مدّعياً انه اذا كان كل ما نريد عمله هو تكرار قرارات الاممالمتحدة فلا معنى للحديث. على مدى الاسبوعين التاليين لم يحصل مزيد من التحرك. لم يكن لرقصة صدام من تأثير سوى تعميق تشاؤمي بحلٍ سلمي للأزمة - على رغم انني سأواصل محاولة التوصل الى صفقة من هذا النوع. كنتُ ايضاً لا أزال أقاتل جهود صدام لزرع أسافين في التحالف. في 11 كانون الاول، اجتمعتُ مع رئيس وزراء اسرائيل اسحق شامير لساعتين في المكتب البيضاوي، وحاولتُ الحصول منه على تأكيد انه سيترك الردّ للولايات المتحدة اذا هاجمَ العراقُ اسرائيل. شكرته على الهدوء الذي تبديه بلاده في وجه تهديدات صدام التي لا نهاية لها. قلتُ له: "اذا هاجمكم او صار واضحاً ان هجوماً سيقع، فان لدينا القدرة لمحو بُنيته العسكرية... ستكون ضربة وقائية من جانب اسرائيل سيئة جداً. اعرف… موقفكم من الردّ على هجوم واحترمه. ولكن اذا أمكننا التشاور اولاً، فإن تفضيلنا هو ألا تردّ اسرائيل الى ان تروا ردّنا. لدينا أهداف مشتركة وأود تحقيقها". أردتُ للحلف ان يبقى متماسكاً من اجل رد فعل ضخم. قال شامير انه يدعم كل ما كنا نفعله، وانه يفهم صعوباتنا. غير انه اشار الى انه اذا هاجم العراق اسرائيل، فسيكون الهدف مدنيين، الأمر الذي يضع بلاده في موقفٍ صعب. قال: "انني متشجع بكلماتك، ولكن سنكون مضطرين الى الدفاع عن أنفسنا ومنع استمرار مثل هذه الهجمات. تقول انكم ستمحون قدرتهم، لكنكم قد تخطئون إصابة قسم منها". قلتُ له اننا اذا شاهدنا تعبئة صواريخ بالوقود وما الى ذلك فسنتشاور. ردّ شامير بأنهم لا يفكرون في ضربة استباقية، ولكن يجب ان يتبادل عسكريونا المعلومات على اي حال. قال مقترحاً "ولكن اذا حدث شيء، فيجب ان نحاول التشاور سلفاً، قبل اطلاق شيء ما". طمأنته الى اننا مستعدون لعمل ذلك. طوال كانون الاول ديسمبر بَذَلَ المحللون قصارى جهدهم في التنبوء بأحلك السيناريوهات عن صراع محتمل. جرى ترديد تقديرات عن الخسائر في الارواح واقتباسها بصورة اعتباطية تقريباً. وبعكس كتابات كاتب العمود روبرت نوفاك وآخرين كانوا يذكرون ارقاماً مثل 20 ألفاً او اكثر، كانت التقديرات العسكرية أقل من 2000. تنبأ وزير الدفاع السابق ماكنمارا ب 30.000 على الاقل، بينما جادل السناتور جون ماكغفرن بأن فوائد الحرب لا تعوّض عن كلفة تصل الى ارواح 50.000 اميركي، ورَسَمَ صورة مرعبة قوامها آلاف أوصال الجثث…. كان بعض الكلام ينمُ عن مواقف غير مسؤولة وانتهازية، مع تغيّر المواقف تَبَعاً لتطور الازمة والحرب. آراء حرّة من صحافة حرّة. ولكن بات بوكانن كان مثالاً جيداً على الطرف الانعزالي. تنبأ بان الحرب ستشقّ الحزب الجمهوري، وتُحدِث استقطاباً في البلاد، وتُسمّم حياتها السياسية. لكنه سأل بعد ذلك: "هل يعتقد صدام بأن الشعب الاميركي لن يوحّد صفوفه عندما تبدأ المدافع بإطلاق نيرانها؟". وقال في مرة اخرى: "الحرب ضد العراق ستكون آخر حرب في النظام العالمي الجديد الذي يتحدث عنه المستر بوش. عندما تنتهي هذه، لن نرى الاميركيين وهم يتلفتون بحثاً عن مصالح متحالفة للدفاع عنها، او مهمات للأمم المتحدة للعب دور الشرطي في كوكبنا بمشاة البحرية الاميركيين". وبعد الحرب، قال: "ان مشاهدة آلة الحرب الاميركية تذكّر المرء بملاحظة الجنرال شارل ديغول خلال ازمة الصواريخ الكوبية: هناك في الواقع دولة عظمى واحدة". جورج بوش مع انني كنت اعلم ان الانتقاد يأتي مع المنصب، فقد قلقتُ من ان القصف من الكونغرس والمحللين يرسلُ كل الاشارات الخاطئة الى صدام حسين، بمعلوماته الانتقائية، ولن يسفر الا عن تشجيعه على التعنّت ومحاولة الصمود للعقوبات. ومع وجود قوات تحالفنا الكبيرة في المملكة العربية السعودية، صار من الاقل احتمالاً ان يستفزّنا، ويُحتمل انه فهمَ اننا كنا جادين برغم انني اعتقد بأنه لم يكن يصدّق، حتى الطلقة الاولى التي أطلقناها، اننا سنقاتل. لكنني شعرتُ بأنه لا بد من ان يتساءل عما يحدث بالضبط وهل كانت لدينا الارادة لعمل ما كان ضرورياً. كان انزعاجي من اولئك المنتقدين في وسائل الاعلام والكونغرس الذين كان لهم تاريخ ثابت في معارضة استخدام القوة، اقل من انزعاجي من الآخرين الذين لم يُقدِّموا حلولاً بنّاءة وإنما كانوا يكتفون بإلقاء محاضرات علينا. لم تكن عليهم اي مسؤولية او لديهم اي قدر من القلق الذي يُرافق اتخاذ قرار للقيام بعمل عسكري، ومع ذلك فقد شعروا بأنهم أحرار في الهجوم علينا. لم يكن عليهم ان يُعنوا بمعنويات القوات، وصعوبة المحافظة على تماسك تحالف، وحقيقة ان الوقت كان ينفد. وقبل كل شيء، لم تكن عندهم مسؤولية عن ارواح جنودنا، وبحّارتنا، ورجال سلاحنا الجوي.