إذا كان العالم يحفل الآن بسينما متنوعة ويشهد صعود نجوم سينما لدول عرفت طريقها للإنتاج السينمائي أخيراً مثل كوريا الجنوبية، إلا ان السينما المصرية التي ستحتفل بمئويتها في السنة المقبلة لا تزال تعاني من أزماتها المتكررة نفسها على رغم زيادة الانتاج. صحيح انه عرض اكثر من أربعين فيلماً سينمائياً في المواسم المختلفة وإنتاج ما يزيد على الخمسين، ولكن الخلافات والصراعات بين الموزعين والمنتجين لا تزال كما هي بل زادت حدتها في هذه السنة في ظل الحروب الانتاجية والتوزيعية بين الشركة العربية التي تترأسها إسعاد يونس، وتكتل الفن السابع الذي يضم شركات اوسكار والماسة وأفلام النصر، وأطلق الكثيرون على عام 2006 السينمائي"عام الضرب تحت الحزام"إذ رفضت إسعاد يونس توزيع أفلام شركة الفن السابع في دور العرض التابعة لها كرد فعل على حصارهم لأفلامها، ورفع بعض منها على رغم تحقيقه إيرادات عالية، وأكدت تلك الخلافات عدم صلاحية غرفة صناعة السينما المنوط بها حماية الصناعة. فالغرفة وقفت مكتوفة الأيدي أمام خلافات الموزعين، إضافة الى حرق الأفلام والنجوم في الموسم السينمائي الصيفي الذي بات قصيراً جداً مع تقدم شهر رمضان، واقتصر على شهري تموز يوليو وآب أغسطس، إذ يتصارع المنتجون والموزعون على عرض اكثر من 15 فيلماً في هذين الشهرين، كل هذه"اللخبطة"والربكة انعكست سلباً على مستوى ايرادات السينما المصرية والتي بلغت في العام الماضي 140 مليون جنيه في حين لم تتخط هذا العام 117 مليوناً. للشعب... فقط! وعرفت السينما المصرية في عام 2006 ما يسمى"السينما الشعبية"والتي يقوم بإنتاجها الشقيقان محمد واحمد السبكي إذ يتنافسان على عمل تركيبة درامية تقوم على وجود"راقصة ومطرب شعبي وفنان شاب كوميدي"مثلما حدث في افلام"لخمة راس"وپ"عليّ الطرب بالثلاثة"وپ"قصة الحي الشعبي"وپ"أيظن"، ليس ذلك فقط بل شهدت هذه السنة ما يسمى عودة افلام المقاولات أو بير السلم - كما يروق للنقاد ان يطلقوا عليها الظاهرة التي عرفتها السينما المصرية في الثمانينات حيث شهدت موجة من أفلام المخدرات والجنس وهي أفلام قليلة التكلفة يتم انجازها في اسبوعين تصويراً وتضم عدداً من نجوم الدرجة الثانية مثل أفلام"ايه النظام"، وپ"2 في الكلابش"، وپ"طاطا سايق العباطة". ونستطيع ان نطلق على هذا السنة سنة التناقضات الفنية. ففي حين شهدت السينما المصرية الكثير من الظواهر السلبية عرفت أيضاً الانتاجات الضخمة اذ تم انجاز فيلم"عمارة يعقوبيان"للنجوم عادل إمام ونور الشريف ويسرا وهند صبري وخالد صالح وخالد الصاوي واخراج مروان وحيد حامد بكلفة انتاجية وصلت الى 22 مليون جنيه مصري، وحقق ايرادات 20 مليوناً خلال 12 اسبوع عرض. وفيلم"حليم"بميزانية 18 مليون جنيه وايرادات لم تتعد ال 6 ملايين، وتنوع الانتاج السينمائي المصري ما بين افلام الاكشن والإثارة والرومانسية والسياسة والمليودراما والاجتماعية، مثل"ملك وكتابة"وپ"لعبة الحب"وپ"عن العشق والهوى"وپ"دم الغزال"وپ"ظاظا رئيس جمهورية"وپ"جعلتني مجرماً"وپ"ليلة سقوط بغداد"وپ"الرهينة"وپ"واحد من الناس". وانطفأت هذه تلسمو الافلام الكوميدية التي كانت صاحبة الصوت الأصخب والأرقام الأعلى في السينما المصرية في السنوات الست الماضية إذ لم يحقق نجوم الكوميديا المرجو منهم من ايرادات، وجاءت أفلامهم نسخاً مكررة مما سبق أن قدموه، وشخصيات مستهلكة ملّ منها الجمهور، ومن هذه الافلام"وش اجرام"لمحمد هنيدي، وپ"كتكوت"لمحمد سعد، وپ"لخمة راس"لأشرف عبدالباقي واحمد رزق وسعد الصغير، وپ"عبده مواسم"لمحمد لطفي. حاول بعض النجوم الشباب الخروج من النمط الواحد الذي قدموه في السنوات الماضية ومنهم احمد السقا الذي كان يفضل دائماً تقديم افلام الاكشن والإثارة إذ خرج على جمهوره هذا العام بفيلم رومانسي"عن العشق والهوى". الحال نفسه بالنسبة الى كريم عبدالعزيز والذي فضل تقديم فيلم اجتماعي يحمل قضية"واحد من الناس"وحقق إيرادات تجاوزت العشرة ملايين جنيه، وتقدم سباقات الأفلام. وشهد هذا العام ظهور مجموعة من المخرجين وكتاب السيناريو الذين قدموا تجاربهم للمرة الأولى واثبتوا موهبة حقيقية ومن أهمهم مؤلفا السيناريو سامي ناصر ومحمد حسام في فيلمي"ملك وكتابة"وپ"لعبة الحب"، وفي الإخراج ظهر محمد علي"لعبة الحب"ومروان حامد"عمارة يعقوبيان"ومحمد ياسين في فيلم"دم الغزال". أما الانفراجة الحقيقية او التحول الذي شهدته السينما المصرية هذه السنة فكان انتاج وعرض فيلم"أوقات فراغ"الذي عاد من خلاله المنتج السينمائي حسين القلا صاحب التجارب السينمائية المهمة والمميزة في السينما المصرية وقام ببطولة الفيلم مجموعة كبيرة من الوجوه الجديدة ومنهم عمرو عابد، كريم قاسم، احمد حاتم، عمر جاهين، عمر حداد، صفا تاج الدين، راندا البحيري. وصاغ السيناريو عمر جمال شاب لا يتجاوز عمره ال 19 سنة. وحقق الفيلم ايرادات تخطت ال 6 ملايين جنيه. والمفارقة ان الكثير من موزعي السينما المصرية رفضوا عرض الفيلم في البداية، ولكن مع اصرار حسين القلا على عرض الفيلم في الموسم الاهم في السينما المصرية"الصيف"فحقق من إيرادات ما جعل الموزعين يتهافتون على عرضه، وشجع نجاح الفيلم عدداً من المنتجين على خوض تجارب مماثلة، فالمنتج هاني جرجس فوزي أقدم على إنتاج أكثر من تجربة سينمائية بوجوه جديدة ومؤلفين ومخرجين جدد ومن ضمن هذه الافلام التي أُنجزت ولم تعرض في دور العرض بعد فيلم"استغماية"للمخرج عماد البهات الذي شارك في مهرجان القاهرة الدولي السينمائي، وپ"علامات خاصة"للمخرج ايهاب لمعي وپ"ورق التوت"لعمرو بيومي، وقدم الفيلمان عدداً من الوجوه الجديدة الذين ينتظرهم مستقبل سينمائي ومنهم نبيل عيسى وعمرو ممدوح واحمد يحيى وهيدي كرم، اضافة الى المنتج محمد العدل الذي يقوم بتجربة مماثلة من خلال فيلم"الشارع 18"والابطال جميعهم من الوجوه الجديدة. كما شهدت هذه السنة تنظيم أول مهرجان للسينما المستقلة يحتفي بالتجارب الشابة في مجال الأفلام القصيرة والتسجيلية والتي بدأت تشكل تياراً مختلفاً في الآونة الاخيرة، واقيم المهرجان بجهود ذاتية لمجموعة من الشباب على مسرح"روابط". وللمرة الأولى في هذه السنة يُعرض فيلمان لمخرجين عربيين في السينما المصرية الاول هو"الجنة الآن"للفلسطيني هاني ابو اسعد، والثاني"دنيا"للبنانية جوسلين صعب.