ما الذي يحدث في صناعة السينما المصرية؟ هل هذا الانتعاش حقيقي وهل يجني المستثمرون أرباحاً حقيقية من سوق السينما في مصر... سواء دور عرض، إنتاج أفلام، توزيع أفلام مصرية وأميركية؟ خصوصًا أنها سوق تتزايد إيراداتها سنوياً بنسبة لا تقل عن 15 في المئة، وهي نسبة مرتفعة مقارنة ببقية أسواق العالم السينمائية التي يعاني بعضها تراجع الإقبال الجماهيري على دور العرض. وهذه تساؤلات تصيب أي متخصص بالحيرة الحقيقية في ظل سوق عشوائية تتوسع من دون ضوابط ومن دون جغرافيا محددة. ما يفتح هذا النقاش هو حال النشر العشوائية التي تمتلئ بها الصحف والمجلات المصرية عن فشل أو نجاح أو تحليل لأرقام عامة غير دقيقة والأهم من دون أساس للتأكد من كون الفيلم ناجحاً أو فاشلاً فعلاً. لكن يجب التأكيد في البداية أن أي فيلم يحقق في النهاية مكاسب مهما بلغت تكلفته ولكن على المدى البعيد، فسوق الفضائيات فتحت مجالاً اقتصادياً مستمراً من دون توقف لإيرادات أي فيلم ناجح أو فاشل. منذ بداية الصيف حسمت الصحف مقاييس الفشل والنجاح، ففيلم مثل"ملاكي إسكندرية"طالما أنه جمع في 3 أسابيع 4 ملايين ونصف مليون جنيه، إذن فهو ناجح ورابح. بينما فيلم مثل"الحاسة السابعة"الذي حقق 600 ألف جنيه فقط في أسبوعه الأول هو فيلم فشل فشلاً ذريعاً وفق وصف أكثر من صحيفة. الحقيقة أن كلا الفيلمين فاشل حتى الآن. فالأول بلغت تكلفته الإنتاجية مضافًا لها طباعة النسخة والحملة الإعلانية الضخمة أكثر من خمسة ملايين جنيه. أي أن الفيلم يحتاج إلى إيرادات عشرة ملايين جنيه كي يبدأ تغطية التكاليف باعتبار أن دور العرض تحصل على 50 في المئة من إيرادات أي فيلم، والموزع يحصل على 15 في المئة من الإيراد، لكنه في حال"ملاكي إسكندرية"كما في حال معظم الأفلام المصرية هو نفسه المنتج، وأحياناً صاحب دار عرض، بما يضمن دخلاً كاملاً للفيلم. الفيلم الثاني"الحاسة السابعة"وصلت تكلفته إلى 3 ملايين ونصف مليون جنيه، أي يحتاج إلى سبعة ملايين جنيه إيرادات لن يحققها بالتأكيد من السوق الداخلية. الفيلمان يشتركان في أنهما بلا نجوم صف أول.. ليس هناك نجم واحد يلتهم نصف موازنة الإنتاج، وهذا ما يجعل أرقام إنتاجهما معقولة بعض الشيء مقارنة بأفلام أخرى بنجوم. لدينا مثال آخر هو"علي سبايسي"للمطرب الشعبي المصري حكيم، والذي تكلف ثمانية ملايين جنيه - بحسب ما نشر في الصحف - لكنه لم يستطع الوصول حتى إلى مليون جنيه في أسبوعيه الأولين. بينما يحتاج إلى 16 مليوناً من الجنيهات كي يبدأ تغطية تكاليفه الإنتاجية والإعلانية. ومثال أكثر مثالية هو فيلم يا أنا يا خالتي لمحمد هنيدي الذي شهد تراجعاً جماهيرياً على أفلامه خلال السنوات الثلاث الماضية، وأصبح الفيلم من بطولته لا يتجاوز العشرة ملايين جنيه، بعدما كانت إيراداته تصل إلى 20 - 25 مليون جنيه. فيلمه الجديد حقق 3 ملايين و300 ألف جنيه في أسبوعه الأول وهو افتتاح معقول لكنه ليس قياسياً، ولا يدل على إجمالي سيبتعد عن عشرة ملايين جنيه في المحصلة. وإذا ما صدق ما قاله صناع الفيلم عن أن كلفته وصلت إلى 12 مليون جنيه - وهو رقم مشكوك في أمره تماما - فهو يحتاج إلى 24 مليوناً كي يغطي التكلفة. إذاً الأفلام جميعها خاسرة.. في الواقع هي خاسرة على المدى القريب، أي بمنطق هوليوود فإن أي فيلم لا يجمع كلفته من السوق الداخلية هو فيلم خاسر حتى لو غطى كلفته من السوق الخارجية، لأن ما يحمي أي صناعة هو تغطية تكلفتها من السوق الداخلية، وما تحققه في السوق الخارجية هو مكاسب وأرباح. بذلك تصبح جميع الأفلام المصرية معرضة للخسارة التامة، فإن يعتمد أي منتج أو موزع على ما سيحققه الفيلم من جميع منافذ عرضه، فهذا لا يحقق استقراراً للصناعة، كما أنه يؤدي إلى زيادة الكلفة الإنتاجية من دون مقاييس حقيقية، خصوصاً أسعار النجوم. حتى أن تكاليف الإنتاج السينمائي نفسه زادت بنسبة 100 في المئة منذ عام 2000. بل إن بعض الأفلام أصبح يبالغ في كلفته كي يحقق سمعة إعلامية تضعه في خانة الأفلام الأكثر كلفة في تاريخ السينما المصرية.