مع اتجاه الولاياتالمتحدة الى تعديل استراتيجيتها في العراق، تتحرك الغالبية الشيعية باتجاه حلها الخاص: السيطرة على العاصمة عبر طرد الأقليات السنية من مناطق مختلطة مذهبياً. وخلال الشهور الماضية، أصبحت قطاعات كاملة من بغداد شيعية، في حين تواصل الميليشيات الشيعية معركتها ضد المسلحين السنة في قلب العاصمة، ما أدى الى نزوح آلاف السكان السنة. وتحولت عشرة أحياء كانت مختلطة منذ حوالي سنة، الى شيعية بالكامل، بحسب سكان وقادة عسكريين أميركيين وعراقيين ومسؤولين محليين. وخلال السنوات الأولى من الحرب، كانت الميليشيات السنية هي الأقوى، ودفعت الشيعة الى النزوح خارج أحياء تسيطر عليها، وقتلت في شكل منتظم الخبازين والحلاقين وعمال النظافة الذين يكونون عادة شيعة. لكن، بدءاً من شباط فبراير الماضي، عندما فجر مسلحون القبة الذهبية لمرقدي الامامين الشيعيين علي الهادي وحسن العسكري في سامراء، بدأت الميليشيات الشيعية بتوجيه ضربات والتحرك من الغرب باتجاه إعادة رسم الخريطة المذهبية للعاصمة حيث يعيش ربع سكان العراق. وزادت خطط لبناء جسر جديد فوق منطقة سنية مضطربة في شرق العاصمة، واقتراح بتسليم أراض الى سكان قرى شيعية محيطة ببغداد لنقل الشيعة الى مناطق سنية، من مشاعر القلق في أوساط السكان السنة. كما أن لا سيطرة سياسية للسنة في العاصمة، إذ بين 51 عضواً في مجلس محافظة بغداد الذي يدير الخدمات في المدينة، هناك عضو سني واحد فقط. لكن هذه التغييرات تعتبر في طرق عدة، تطوراً طبيعياً لأن الشيعة، وهم غالبية سكان العراق، استُبعدوا من النخبة الحاكمة في عهد الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، وبات لديهم الآن نفوذ يماثل أعدادهم. إلا أن الخطر، الذي يحذر منه العرب السنة، هو أن تُقدم ميليشيات متطرفة على عمليات قتل واسعة من دون أن توقفها الحكومة، أو بمساعدتها كما يخشى البعض. وقد يدفع هذا التطور الدول المجاورة الى المشاركة في المعركة، ما يسفر عن حرب إقليمية يخشاها الأميركيون. وفيما يدرس الرئيس الأميركي جورج بوش إرسال مزيد من الجنود إلى العراق، يقول البعض في الحكومة العراقية إن على الأميركيين أن يبقوا خارج الصراع المذهبي في العاصمة وترك المعركة فيها لأن التدخل سيطيل أمد القتال. وفي قاعدة للجيش العراقي في شمال بغداد، حرك جنرال عراقي يده فوق خريطة للعاصمة التي قال إنها تنقسم بسرعة وكتب على كل منطقة"سنية"أو"شيعية". وخسرت مناطق شرق العاصمة حيث يملك"جيش المهدي"الموالي للزعيم الشيعي مقتدى الصدر نفوذاً واسعاً، كثيراً من أقلياتها السنية من شباط فبراير الماضي. وحتى مناطق الطبقة الوسطى مثل زيونة وغدير المختلطة منذ ستة شهور، بدأت تخسر سكانها السنة. جنوباً، في منطقة نارية، تجلس عائلة شيعية لاجئة في منزل احتلته أخيراً. وهذا المنزل كان يعود الى عائلة سنية هربت خوفاً من عمليات القتل المذهبية، إلا أن مكتب التيار الصدري في المنطقة عمل على اسكان عائلة شيعية في المنزل. وقال مصطفى أحد أبناء هذه العائلة:"قالوا لنا إن هناك أماناً هنا، إنها منطقة شيعية يحميها جيش المهدي". وليس لدى أبناء هذه العائلة أي تعاطف مع السنة، لأنها غادرت بعقوبة المضطربة بعدما قتل مسلحون والدهم وهو رجل في السبعينات من عمره، وخطفوا شقيقاً لهم وقتلوا آخر. وقال مصطفى إن حوالي 400 عائلة شيعية هربت من بعقوبة الى نارية ومنطقة بغداد الجديدة المجاورة في الشهور الماضية. في المقابل، قال باسم، وهو سني متزوج من شيعية، إن مسلحين شيعة أرغموا العائلة على مغادرة منزلها في منطقة الحرية غرب نهر دجلة. كما ترك باسم وظيفتين كان يشغلهما لكونهما في منطقتين شيعيتين بالكامل. وقالت زهراء كريم علوان، زوجة باسم، التي باتت تقطن مع زوجها في مدرسة في منطقة العدل السنية إن"زوجي سني لكن لا علاقة له بالمسلحين". واشارت زهراء الى أن وحدة من الجيش العراقي ساعدت عائلتها وعائلات أخرى على الانتقال الى منطقة العدل، في حين يقول كولونيل أميركي إن الشيعة احتلوا منازل النازحين السنة خلال 48 ساعة. لكن النائب هادي العامري زعيم منظمة"بدر"الجناح العسكري ل"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"قال إن هذه الأحداث"مجرد دعاية لنشر المخاوف بين العرب"، في اشارة الى الدول العربية. واضاف أن المشكلة الرئيسية هي العمليات الانتحارية. وتابع:"يريدون العودة الى المعادلة القديمة عندما كانوا ضباطاً وكان الشيعة مجرد جنود وعبيد. هذا لن يحصل أبداً مجدداً. عليهم الايمان بهذه المعادلة الجديدة".