وجدت اسرائيل نفسها منقسمة على حالها، فيما حكومتها مرتبكة في تحديد موقف موحد من الحملة الاعلامية السورية المكثفة أخيرا لاستئناف المفاوضات معها. وفيما أجمع وزراء حزب "كديما" الحاكم على رفض الدعوة السورية من منطلق وجوب التماشي مع الموقف الأميركي الرسمي، صدرت أصوات بنغمة مختلفة عن وزراء من حزب"العمل"تدعو الحكومة الى"درس التصريحات السورية الأخيرة بشكل معمق وجدي"وإلى بلورة موقف واضح منها يضع حداً لتباين الآراء داخلها، ومن بين هذه الاصوات جهات أمنية تدعم استئناف المفاوضات. لكن اللافت هو ان التصريحات التي دعا الرئيس بشار الأسد فيها اسرائيل الى استئناف التفاوض واختبار جدية النيات السورية، كما تصريحات وزير الخارجية السورية وليد المعلم عن استعداد سورية للتحاور من دون شروط مسبقة، لقيت تجاوبا وردود فعل، سياسية واعلامية أوسع، قياسا بما أحدثته دعوات سابقة مماثلة. وآثر رئيس الحكومة ايهود اولمرت عدم التعقيب علنا على الرسائل السورية في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية امس، لكن الاذاعة الرسمية نقلت عنه قوله خلال الجلسة ان الوقت الآن ليس مناسبا لاطلاق حوار مع دمشق"في وقت يطالب الرئيس الأميركي سورية بالكف عن تغذية الحروب". وتساءل:"هل يجدر باسرائيل أن تقول عكس ما يقوله الرئيس بوش، الحليف الأهم لاسرائيل والذي يقاتل في كل الحلبات، بما فيها الداخلية، مدافعا عن سياسته؟". وتابع:"ليس مهماً ماذا نعطي للرئيس السوري، اذ قدم له رئيسا الحكومة السابقان بنيامين نتانياهو وايهود باراك تنازلات كبيرة، انما السؤال يبقى: على ماذا سنحصل؟ هل سننجح في الظروف الراهنة في الفصل بين سورية وايران؟ وهل توقف سورية دعمها لحركة حماس؟". وربط اولمرت بين التصريحات الأخيرة وتزامنها مع نشر تقرير بيكر - هاملتون، وقال:"هذا التوقيت ليس صدفة... الرئيس الأميركي اتخذ موقفا حاسما من التقرير، والمجتمع الدولي أيضا يطالب دمشق بالكف عن تغذية الحروب وعن التدخل ضد الحكومة اللبنانية وبالضغط على حماس". و"لإثبات"صحة موقفه، قال اولمرت ان وزير الخارجية الألماني عاد الى بلاده خائبا من نتائج زيارته لدمشق الأسبوع الماضي. ودعا اولمرت وزراءه الى وجوب درس كل الأمور"بروية وبحذر"، واعدا اياهم بطرح المسائل السياسية العالقة على طاولة الحكومة قريبا ليتيح لهم فرصة ابداء آرائهم حولها. وقال مصدر قريب من اولمرت انه لو كان الرئيس السوري معنيا حقا باستئناف الحوار مع اسرائيل لقام ببعض الخطوات الفعلية ليثبت صدق نياته مثل الضغط على رئيس المكتب السياسي في"حماس"خالد مشعل لاطلاق الجندي الاسير في قطاع غزة غلعاد شاليت. واعتبر تصريحات الأسد"كلاما منمقا لكنه فارغ وغير كاف لتحريك العملية السياسية". وتابع انه بناء على تقديرات أجهزة المخابرات الاسرائيلية، ومن ضمنها تلك التي تؤيد استئناف الحوار، فإن سورية لن تقطع علاقاتها مع ايران و"حزب الله"والمنظمات"الارهابية"الفلسطينية، حتى في حال انسحبت اسرائيل من الجولان السوري المحتل. واضاف ان رئيس الحكومة الاسرائيلية يرى انه لا مكان للدخول في مفاوضات مع السوريين"في وضع ليس أكيدا ان يغيروا سلوكهم". والتقى وزراء حزب"كديما"الحاكم في رفض الدعوات بداعي انها مناورة سورية تبغي تخفيف الضغوط الدولية عنها في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، و"مخاوف اركانها من المحاكمة الدولية في هذه القضية، و"بطاقة دخول لنادي أصدقاء واشنطن"، وأن ثمة"مسافة كبيرة بين التصريحات والأفعال". ودعم النائب الأول لرئيس الحكومة شمعون بيريز موقف رئيسه الرفضي، وقال انه ينبغي طرح كل الامور على الطاولة بصراحة تامة:"لا توجد دولة في العالم تحمي اسرائيل من كل سوء مثل الولاياتالمتحدة، وهي التي تحرص على ان لا تضغط علينا اوروبا، ولا أسوأ من الخروج اليوم ضد الموقف الأميركي وفتح حوار مع الرئيس الأسد فقط لأن الأخير يبحث عن سبل اخراج نفسه من الورطة". وأيد زعيم حركة"شاس"الدينية الشرقية نائب رئيس الحكومة ايلي يشاي موقف المعارضين، معتبرا المبادرة السورية"مصيدة تبغي منها سورية نزع صفة الارهاب عنها". موقف"العمل" من جهته، قال زعيم حزب العمل"وزير الدفاع عمير بيرتس قبل اجتماع الحكومة انه لا ينبغي الرد على تصريح صادر عن دمشق،"لكن على الحكومة اجراء بحث فوري لتحدد أولوياتها من المفاوضات مع سورية وتقرر ما اذا كانت لديها شروط مسبقة لذلك". وزاد ان المسألة مركبة ولا يمكن الاكتفاء بالرد على هذا التصريح او ذاك، و"اسرائيل ليست وحيدة في هذه المعركة، بل يجب بلورة موقف شامل يأخذ في الحسبان موقف اوروبا وواشنطن". وزاد ان الثمن المطلوب من اسرائيل دفعه لقاء السلام مع سورية واضح، لكن السؤال الأهم:"هل نرى أهمية استراتيجية عليا في عزل سورية عن المحور الراديكالي ومنع التعاون بينها وبين حزب الله؟". وأيد بيرتس في موقفه وزراء من حزبه ومنافسوه الثلاثة على منصب زعيم الحزب، اوفير بينيس وداني ياتوم وعامي ايالون، الا ان الأخير اضاف وجوب الاعداد لاحتمال ان تختار سورية الحرب مع اسرائيل، بينما قال ياتوم ان من واجب اسرائيل ان تواجه تحدي السلام الذي اطلقته سورية لتفادي حرب غير مجدية. ودعا وزراء ونواب آخرون من"العمل"الحكومة الى التجاوب مع الدعوات السورية وعدم سد الأبواب امامها"لأن ليس لاسرائيل ما تخسره". ونقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن زعيم"ليكود"المعارض بنيامين نتانياهو قوله في جلسات مغلقة انه يؤيد الدخول في مفاوضات مع سورية تحت اربعة شروط هي: ان تنأى سورية بنفسها عن ايران، وان توقف ارسال الأسلحة ل"حزب الله"، وان تغلق مقار الفصائل الفلسطينية، وأن تنسق اسرائيل تحركها في هذه المسألة مع الولاياتالمتحدة. ولفت مراقبون الى ان نتانياهو لم يشترط بقاء الجولان المحتل تحت السيطرة الاسرائيلية، كما فعل في الماضي، وأنه، بحسب اوساط قريبة منه، مستعد لتسوية في الجولان. لكن مكتب نتانياهو رد على هذا النشر بالقول انه زعيم"ليكود"ما زال متمسكا بموقفه من ابقاء الجولان تحت السيطرة الاسرائيلية في كل الأحوال. الى ذلك، نقلت الاذاعة الاسرائيلية عن اوساط أمنية رفيعة المستوى رأيها ان"واجب اثبات النيات الحقيقية"هو على الرئيس السوري،"لكن ينبغي درس مغزى التصريحات الأخيرة وتوقيتها وما اذا كانت تشكل تغييرا حقيقيا في الموقف السوري نابعا عن قرار داخلي يفتح المجال امام نبذ سورية الارهاب والمشاركة في خلق واقع جديد في المنطقة، أم انها مناورة تكتيكية". وقال مصدر أمني انه يجدر عدم اغلاق الباب امام فرص سياسية"وسبر البون بين التصريحات والأفعال".