كشفت تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون وأبرز أركان حكومته خلال جلسة الحكومة الأسبوعية أمس مواقف متشددة من سورية ورفضاً لاستئناف المفاوضات معها قبل امتثالها لعدد من الشروط الإسرائيلية وإعلامها بأن هذه المفاوضات لن تقود إلى انسحاب إسرائيلي كامل من الجولان المحتل. واستمد أقطاب الدولة العبرية التشجيع مما وصفوه ب"تطابق" الموقف الأميركي الداعي إلى "عدم الانجرار وراء أحابيل الرئيس السوري". من جهتهم، دعا وزراء محسوبون على تيار الوسط إلى عدم الإعلان عن رفض اقتراح سورية احياء المسار التفاوضي كي لا تظهر إسرائيل رافضة للسلام فتخسر نقاطاً في الرأي العام الدولي، بل التصرف بحكمة "فمجرد الكلام عن درس الاقتراح السوري لا يضر"، على حد قول أحدهم. دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون وزراءه إلى "عدم الركض نحو معانقة السوريين" قبل فحص جذري لما يختبئ وراء المبادرة السورية. وكرر مطالبته دمشق بوقف "دعمها للإرهاب"، وان تثبت أولاً أنها تخوض حرباً بلا هوادة على الإرهاب. وزاد ان إسرائيل لا تنسى التعذيب والتنكيل اللذين كانا من نصيب أسراها في سورية "وقد تمت ترقية الضباط الذين قاموا بذلك". وتابع أنه يحظر على إسرائيل أن تكون "العتبة" التي يعتليها الرئيس السوري للوصول إلى البيت الأبيض "بعد أن خبرنا على جلدنا ما حصل بعدما مكنّا الرئيس الفلسطيني من ذلك". ولاقى موقف شارون دعماً من وزير دفاعه شاؤول موفاز الذي اعتبر تصريحات الرئيس السوري الأخيرة حول استعداده استئناف التفاوض انعكاساً للضغوط الأميركية عليه، ما يعني أنه "يجب أن نكون آخر من يشوش على الأميركيين، ونحول دون منح الرئيس الأسد أن يفلت من هذه الضغوط بسهولة". وأضاف ان التحقيق مع الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين سيسفر عن "تجريم" الرئيس السوري أيضاً، وعندئذ ستبلور واشنطن موقفها منه "وهذا ما يخشاه الأسد"، إذ سيضطر إلى أن يشرح للعالم كيف تلتقي تصريحاته السلمية مع مواصلته "دعم الإرهاب". وأيد معظم وزراء "ليكود" الدعوة إلى عدم التسرع، ورأى بعضهم أن الرئيس السوري في "موقع ضعف" ويجدر بإسرائيل استغلاله والتوصل إلى تسوية بشروط أفضل لم تكن في عهد والده الراحل حافظ الأسد. من ناحيته، أبلغ وزير الخارجية سلفان شالوم زملاءه أن واشنطن لا تعارض أن تجري إسرائيل فحصاً معمقاً للنيات السورية، لكنها ما زالت تنتظر التزام الرئيس الأسد بتعهداته لوزير الخارجية الأميركي كولن باول في أيار مايو الماضي اغلاق مقار التنظيمات الفلسطينية ووقف دعم "حزب الله" واغلاق الحدود السورية - العراقية في وجه "العناصر الإرهابية". وتابع ان الأسد خلص إلى استنتاج ضرورة التظاهر أنه أصبح "أكثر انفتاحاً" تجاه إسرائيل و"في كل الأحوال علينا أن نختبر أفعاله بجدية". وكان زعيم حزب شينوي وزير القضاء يوسف لبيد بادر إلى طرح الموضوع على جدول أعمال الحكومة، محذراً من عواقب أن تظهر إسرائيل في الإعلام الدولي رافضة للسلام. واقترح أن تعلن إسرائيل بكل وضوح أنها تؤيد استئناف مفاوضات السلام، ثم تعلن اشتراط ذلك "بوقف الدعم السوري للإرهاب". وقال لاحقاً إن الأسد يعمل بفعل الضغوط عليه، لكن ينبغي عدم تجاهله والتجاوب معه "شوية، شوية" قالها بالعربية. ودعا الوزير يوسف باريتسكي شينوي رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى توجيه دعوة للرئيس السوري لزيارة القدس على غرار ما فعل رئيس الحكومة السابق مناحيم بيغن حين رد على حديث الرئيس المصري الراحل أنور السادات عن رغبته في التوصل إلى اتفاق سلام. أضاف ان مثل هذه الدعوة، أو تصريحات من هذا القبيل، لا تضر بإسرائيل بل تساهم في تحسين صورتها في العالم. وكانت صحيفة "معاريف" كتبت في صدر صفحتها الأولى ان مسؤولين أميركيين حذروا إسرائيل من عدم الانبهار بتصريحات الرئيس السوري الأخيرة "لأنه غير جدي". وأضافت ان واشنطن لم تقتنع بأن الأسد لا يقوم بمناورة وانه لو كان جدياً لاختار قناة سرية بدلاً من التوجه إلى وسائل الإعلام. ونقلت عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن الإدارة الأميركية ترى وجوب ممارسة ضغوط على "زعماء ديكتاتوريين" لا القيام بلفتات تجاهه، وان تصريحاته تنم عن ضائقة حقيقية جراء هذه الضغوط. وأضاف مسؤول في مكتب شارون ان ثمة من يعتقد في واشنطن بوجوب أن ترد إسرائيل بالايجاب على مبادرة الرئيس السوري "لاعتبارات تكتيكية ليس إلا". من جهته، كتب المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" ألوف بن ان إسرائيل ترى في وقف سورية دعمها المنظمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتمويلها وارشادها "شرطاً لازماً" لاستئناف أي حوار، وان هذا الشرط بات أهم من مطالبتها بوقف دعمها ل"حزب الله". وأشار المعلق إلى أنه، خلافاً لاعتقاد بعض الوزراء في إسرائيل، انه يمكن استغلال التغيرات الناشئة في المنطقة لارغام سورية على تقديم تنازلات، فإن أركان المؤسسة الأمنية ما زالوا يرون ان سورية تتمسك ب"ثمن السلام"، وهو الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان "لكن يمكن رفع ثمن بطاقة الدخول إلى المفاوضات".