اليوم، في بدايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وبعد مرور نحو 21 عاماً على إطلاق أول فضائية بتمويل سعودي مئة في المئة («أم بي سي»)، لا يزال السعوديون محرومين من قناة سعودية محلية خاصة.الفارق بين ما يقدمه التلفزيون الحكومي والخاص، المحلي تحديداً، لا يحتاج إلى براهين. لا يمكن بأي حال من الأحوال مطالبة القنوات السعودية بمحاكاة تجربة «بي بي سي» في بريطانيا. ولا يمكن أيضاً، الحديث عن دول يحظى مواطنوها بعشرات من القنوات المحلية، وتصل في بعض الدول إلى مئات، ف «إذا أردت أن تطاع... اطلب المستطاع». تكفي المقارنة بين القنوات الحكومية والخاصة، في مصر ولبنان والكويت، مثلاً، مع الأخذ في الاعتبار تفاوت التجربة بين الدول الثلاث. «المشاهد السعودي» يشبه في سلوكه أي مشاهد آخر. يبحث عما يشبهه. يريد مرآة تعكس واقعه. وسائل التواصل الاجتماعي (بلاك بيري، فايسبوك وتويتر) زاخرة بالقضايا السعودية المحلية. لماذا غزا الإنتاج الدرامي السعودي والخليجي الفضائيات؟ يحتاج السعودي، مثل غيره، أن يرى «نفسه» عبر الكادر. «طاش ما طاش» اقترب من إكمال عقده الثاني. التلفزيون السعودي دفع أكثر من 4 ملايين دولار مقابل عرض مسلسلي «سكتم بكتم» لفايز المالكي و «في الثمانيات» لحسن عسيري، في رمضان المقبل. «تلفزيون دبي» دفع أكثر من 6 ملايين دولار لاحتكار مسلسل «غشمشم» لخمس سنوات. «أل بي سي» دفعت أيضاً مراراً، قبل تغيير توجه «روتانا خليجية»، منذ سنوات. ماذا يمكنك أن تشاهد في قناة سعودية محلية منوعة، إضافة إلى الدراما المحلية؟ تشكل البرامج بتصنيفاتها العمود الفقري لأي قناة محلية. يشاهد السعودي عبر قناة «العربية»: «واجه الصحافة» لداوود الشريان. يُشاهد أيضاً «في المرمى» لبتال القوس. يشاهد «إضاءات» لتركي الدخيل. يبحث عن نفسه في تلك القناة. يشاهد السعودي أيضاً، يومياً، «يا هلا» لعلي العلياني على «خليجية». كان يشاهده، قبل ذلك، في «أل بي سي» إلى جانب زميلتيه منى سراج وغادة مصلي، في برنامج «عيشوا معنا». «خليجية» أطلقت أخيراً برنامج «اتجاهات» لنادين البدير، و «الأسبوع في ساعة» الذي يقدمه إدريس الدريس، ويشاركه الحوار جمال خاشقجي ويحيى الأمير وغيرهما. كذلك أطلقت القناة ذاتها أخيراً، «لقاء الجمعة» الذي يقدمه عبدالله المديفر، وقبلهم «كورة» ويقدمه تركي العجمة. ألا تستهدف كل تلك البرامج المشاهد السعودي؟ السعودي يشاهد إعلاميين سعوديين في قنوات عدة، ولو لم يناقشوا قضاياه. كان يشاهد على «أم بي سي» فهد السعوي وأحمد الفهيد يحاوران سلمان العودة، ولا يزال يشاهد لجين عمران على القناة ذاتها، وأيضاً أحمد الشقيري في «خواطر» كل رمضان. وعلى قناة «المستقبل» شاهد لفترة رانيا الباز في «صفحات خليجية»، ولا يزال يشاهد عبر «الحرة» في «هنَّ» بثينة النصر، وفي «حديث الخليج» سليمان الهتلان. وربما من باب الفضول يشاهد علي الظفيري على «الجزيرة». اللائحة تطول... وهناك أيضاً نجوم «البرامج الدينية» مثل: عائض القرني وسعد البريك ومحمد العريفي وعبدالعزيز قاسم وسواهم. «المشاهد السعودي» يشبه في سلوكه أي مشاهد آخر. يبحث عما يشبهه. يريد مرآة تعكس واقعه، تختلف عن المرآة الحكومية. ربما لا يريد كل أولئك الإعلاميين في قناة واحدة - تشبهه ولا تشبه غيره. ربما لا يريدهم أنفسهم، لكنه يريد سعوديين يتحدثون عن السعوديين، ولا مانع أن يتحدثوا عن أمور أخرى، تحت مظلة قناة سعودية. يحتاج السعوديون، مثل الآخرين، إلى مرآة لهم وبصوتهم فقط. ربما ليس كل السعوديين. هناك من لا يقبل مذيعة كسميرة مدني تنزل إلى الشارع وتحاور الناس بعباءتها، وتشارك في تغطية على الهواء مباشرة من الجبهة السعودية في الجنوب. هؤلاء نجحت قنوات مثل «المجد» و «دليل» في تلبية رغباتهم. ماذا عن الآخرين؟ لماذا توفيت قناتا «ألف ألف» و «الغالية» المحليتان قبل أن تولدا، على رغم تعيين كادر إداري وتنفيذي لهما، والإعلان عن قرب انطلاقهما بعد فترة مخاض امتدت لنحو عام، لكل منهما على حدة؟ في الأشهر القليلة الماضية ركّزت وزارة الثقافة والإعلام السعودية على «الإعلام الجديد»، عبر مؤتمرات وتصريحات متنوعة وتدشين لإدارة جديدة. لكن، لا يزال الحديث عن قناة سعودية محلية خاصة «مكانك... سِرْ». والعبارة الأخيرة «وصفٌ» ألطف وربما أدق من «محظور»! ما الذي يمنع مستثمرين في الإعلام من إطلاق أول قناة سعودية محلية خاصة؟ في الجواب عن هذا السؤال جانبان لا ثالث لهما، إذا تجاوزنا جودة المنتج – القناة، وحرفية القيمين على صناعته. الجانب الأول بحكم القانون، والثاني بحكم جدوى الاستثمار وإمكان توفير دعم لوجستي له. ولكن، يبقى غياب تنظيم واضح يقنن إطلاق وعمل قنوات فضائية في المملكة، بحسب معظم الروايات، «المانع الحديدي». أغلب الظنّ أن جواب الأكثرية الساحقة من خبراء الإعلان في المجال: لا علاقة ل «المانع» بالربح والخسارة، فجدوى مشروع كهذا، محسوم، في ظل سوقٍ ناشئة، زبائنها مستهلكون من الدرجة الأولى، مقارنة بالدول العربية كافة. يكفي لإثبات ذلك، الاطلاع على المداخيل المالية لقنوات مجموعات مثل «أم بي سي» و «روتانا» و «أوربت شوتايم»، من السوق السعودية فقط. يضاف إليه اطراد مشاريعها ومنتجاتها الجديدة، التي تستهدف المستهلك (المشاهد) السعودي. هذا الجواب بجانبيه (القانوني والاستثماري)، يجعل من العمل على وضع نظامٍ مسؤولية تاريخية كبرى، ثقافيّاً وإعلامياً وإنسانيّاً، تقع على عاتق وزارة الثقافة والإعلام السعودية. ولعل الأخيرة نجحت في فعل مماثل، إلى حد ما، حين فتحت الباب لاستقبال طلبات رخص إطلاق إذاعات سعودية. تمخض عن فتح ذلك الباب ولادة أربع إذاعات (مطلع 2010)، كسرت احتكاراً دام نحو 15 عاماً، لموجة «أف أم»! كانت الروايات حينها، تشير إلى أن «المانع» من «فتح الباب» وجهة نظر تقول: إن الداخل السعودي غير مهيأ لإذاعات خاصة محلية، تُخصص برامج تُبث على الهواء مباشرة، تستقبل اتصالات المستمعين، وتتناول بشمولية قضايا الشأن السعودي المحلي بتصنيفاتها. بعد مرور نحو عام على تلك التجربة – إطلاق إذاعات – تكشّف أن الرقابة الإعلامية الذاتية، قادرة على كبح جماح ما قد يزعج أصحاب وجهة النظر الممانعة، حتى الآن. وبعبارة أخرى، رأس المال الخاص، الباحث عن الربح، ليس مستعداً للمخاطرة باستثماراته. وبعيداً من المقارنة، بين التجربة الإذاعية المحلية الواقعية، والتلفزيونية المأمولة، تشير الروايات أيضاً إلى أن «وجهة النظر» التي أخّرت ولادة أربع إذاعات خاصة، تقف ذاتها وراء «المانع الحديدي» لإنجاب قنوات فضائية سعودية محلية خاصة. المادة السعودية التلفزيونية موجودة بوفرة. تحتاج إلى عين ترسم لها كوادر بلغة مهنية عالية. «المشاهد السعودي» يشبه في سلوكه أي مشاهد آخر. يبحث عما يشبهه. يريد مرآة تعكس واقعه. متى يتوقف عن جمع المادة السعودية، كحروف الكلمات المتقاطعة، من قنوات خاصة؟