سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جنود الاحتلال أكدوا لعائلة العثامنة المنكوبة قبل أيام انهم لا يريدون إيذاء المدنيين . صدمة ووجوم ودموع وبركة دماء في بيت حانون وحداد وإضراب عام وصمت رهيب في أنحاء قطاع غزة
اقتحم عدد من جنود الاحتلال الاسرائيلي منزلا لعائلة العثامنة في بيت حانون في احد ايام عملية"غيوم الخريف"أثناء حظر التجول التام على البلدة الصغيرة الواقعة تحت مرمى النيران الاسرائيلية من الجهتين الشمالية والشرقية لقطاع غزة. دخل الجنود المدججون بالسلاح والعتاد العسكري وحاولوا ان يكونوا لطفاء مع أصحاب المنزل. شرح أحدهم بعربية مكسرة انهم يريدون السلام وان يعيشوا بأمن وأمان واطمئنان الى جانب الفلسطينيين. وقال الجندي محاولاً اظهار قدر من الانسانية ان الهدف من العملية ليس إيذاء الفلسطينيين، بل منع اطلاق الصواريخ المحلية الصنع على أهداف اسرائيلية والقضاء على مطلقيها. وبعدما خفت وتيرة خفقان قلوب سكان المنزل، وانكسر حاجز الخوف، اقتربت من الجنود طفلة من العائلة في الخامسة من عمرها، فحاول احد الجنود اعطاءها قطعة شيكولاته فرمت بها في وجهه. لم يرق للجندي"الرد السيئ"الفلسطيني الذي عبرت عنه الطفلة إزاء الاحتلال"الانساني"الاسرائيلي، وابتلع لسانه وصمت. لكن الرد الاسرائيلي لم يطل كثيرا، فجاء بالامس في شكل قذائف دبابات استهدفت منازل عائلة العثامنة فقتلت 16 منهم واثنين من جيرانهم وجرحت أكثر من خمسين. وعقاباً لهذه الطفلة، فقد قتلت قوات الاحتلال ثمانية من أقاربها من الاطفال وجرحت 25 آخرين، في مشهد مروع أدمى قلوب الفلسطينيين في القطاع الذين استفاقوا على صور المذبحة تنقلها شاشات التلفزة، وترويها اذاعات محلية وتتناقلها الألسن. وغرقت المنطقة في دماء الشهداء والجرحى التي تحولت بركة تعكس صورة المحتل الاسرائيلي المفزع. وبكى الرجال والنساء من هول فظاعة المذبحة، وهب الناس لمشاهدة آثار الجريمة البشعة ومساعدة أهالي الضحايا المكلومين. هنا ترى رجلا وقد اطبق صامتاً إلا من نحيب خافت، وهناك ترى امرأة تولول على زوجها، واخرى تصرخ بأعلى صوتها باكية أولادها او شقيقاتها، وهناك من عقدت الصدمة لسانه فلم يقو على الكلام، آخرون أقعدهم هول الحدث وشل حركتهم. وفي ثلاثة مستشفيات في المنطقة هي مستشفى بيت حانون الحكومي ومستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا ومستشفى العودة في تل الزعتر شمال مخيم جباليا كانت الجثث والدماء والشظايا والآلام والصراخ تحكي مأساة شعب يتعرض للمجازر منذ أمد بعيد. واسالت الجثث الباردة في ثلاجة الموتى الدموع الساخنة من مآقي المواطنين والزوار وحتى الصحافيين الذين طالما كانوا شهودا على مذابح الاحتلال ومجازره. وفي مستشفى كمال عدوان كان الفتى فادي العثامنة يصرخ باكياً بأعلى صوته محاطا بالاطباء والممرضين، رافضا إجراء عمليات جراحية له لاستخراج عدد كبير من الشظايا من جسده قبل ان يعود والده الى المستشفى ويقف الى جانبه. ولم يكن الفتى فادي يعلم ان والده الذي أوصله الى المستشفى ورجع الى حارتهم لنقل مزيد من الجرحى اليه، قد استشهد بعد وصوله الى المنطقة، ولن يتمكن من الوقوف الى جانبه. وقال شهود ل"الحياة"ان قذيفة مدفعية من بين عدد من القذائف سقطت على احد منازل عائلة العثامنة القريبة من بعضها بعضا، فخرج سكان المنزل للاحتماء من قذائف أخرى محتملة، كما خرج الجيران والاقارب لاستطلاع الامر، وهنا سقطت القذيفة الثانية فسقط معها عدد من الشهداء والجرحى. ثم تجمع آخرون كثر، فجاءت قذيفة أخرى بعد نحو خمس دقائق، فارتفع عدد الشهداء والجرحى وكانت المذبحة الرهيبة. واستفاق الفلسطينيون من نومهم صباحا على وقع المجزرة فتسمر بعضهم أمام شاشات التلفزة، وآخرون الى جانب أجهزة الراديو لمتابعة آخر الاخبار. واعلن الحداد والاضراب العام في القطاع، ولم يخرج كثير من الناس من منازلهم واغلقت المحال التجارية ابوابها، وساد صمت رهيب في مختلف مناطق القطاع، خصوصا مدينة غزة. وخلا شارع عمر المختار التجاري الرئيس من الناس وتوقف ميدان فلسطين قلب المدينة عن النبض، فيما جابت الشوارع مسيرات عفوية لاطفال المدارس الذين امتنعوا عن الذهاب الى المدارس، وخرج من كان ذهب باكرا اليها في تظاهرة رشقوا خلالها مقر الاتحاد الاوروبي في المدينة بالحجارة احتجاجا على الصمت المريب. وبدا الناس في حال من الوجوم والصدمة، فيما شرعت مساجد القطاع بقراءة آيات من القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت.