خطا العراق أمس خطوة أخرى في اتجاه حرب أهلية مفتوحة. ولم يفد حظر التجول الذي أعلنته حكومة نوري المالكي في بغداد أول من أمس، إثر مقتل 215 عراقياً في مدينة الصدر، إذ هاجمت الميليشيات الشيعية مساجد سنية وقصفتها بقذائف الهاون خلال صلاة الجمعة. وخطفت ستة مصلين وصبت عليهم"الكاز"ثم أحرقتهم أحياء. كما قتلت ما لا يقل عن 30 عراقياً خلال هجمات على أحياء سنية قريبة من المدينة لم يوقفها إلا تدخل القوات الأميركية. كما قتل 26 بينهم 22 في تفجير انتحاري في بلدة تلعفر. وفيما ندد البيت الأبيض الذي يستعد للقاء المرتقب بين المالكي والرئيس جورج بوش في عمان، ب"عمليات القتل العبثي"، هدد التيار الصدري بالانسحاب من العملية السياسية اذا تم هذا اللقاء الذي تدرجه الادارة الأميركية ضمن مساعيها الجديدة لاشراك دول مجاورة للعراق في حل الأزمة، بينها سورية وايران حيث توجه الرئيس جلال طالباني أمس. وعلى رغم دعوات التهدئة التي أطلقتها المراجع الشيعية في النجف والزعيم مقتدى الصدر الذين دعوا الى"ضبط النفس"، وعلى رغم محاولات حكومية للسيطرة على الوضع في بغداد التي أعلن فيها حظر تجول منذ مساء الخميس وما زال مستمراً، تعرضت أحياء سنية في العاصمة، بينها الأعظمية والجهاد والجامعة لهجمات بقذائف الهاون طوال ليل الخميس وصباح الجمعة مما أسفر عن سقوط قرابة 40 شخصاً وجرح عدد مماثل، فيما أعلن مسؤول في وزارة الداخلية سقوط نحو 18 شخصاً وجرح 24 آخرين ظهر أمس على إثر هجوم شنته ميليشيات مسلحة على مناطق سنية في حي الحرية، ونقلت وكالة"رويترز"عن المصدر تأكيده إحراق أربعة مساجد سنية وعدد من المنازل. كما قُتل 22 آخرون بتفجير انتحاري في بلدة تلعفر. وجاء هذا التصعيد إثر هجوم غير مسبوق بأربع سيارات مفخخة في مدينة الصدر، معقل أنصار الصدر، أودى بحياة 202 وجرح 250 آخرين في أحدث احصائية للحكومة العراقية، وحمّل التيار الصدري"قوات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الأعمال الاجرامية بحق شعبنا الصابر". وبدا الذعر على سكان العاصمة العراقية من تطورات الاحداث بعد الهجمات التي استهدفت المدينة، على رغم انها تخضع لحصار ورقابة القوات الاميركية التي تنفذ فيها حملات دهم مستمرة. وعلى رغم دعوة الصدر أنصاره الى ضبط النفس في خطبة ألقاها أمس في الكوفة الا انه طالب زعيم"هيئة علماء المسلمين"حارث الضاري باصدار فتوى"تحرم قتل الشيعة وتدين التكفيريين، وتحرم الانضمام الى تنظيم"القاعدة"الارهابي لأنه يقتل المسلمين". وأصدر أعضاء تياره في الحكومة بياناً هددوا فيه بمقاطعة العملية السياسية برمتها اذا التقى المالكي الرئيس الاميركي في العاصمة الاردنية نهاية الشهر الجاري، وانتقد فاضل الشرع مستشار المالكي للشؤون السياسية التهديد معتبراً انه صادر عن"قراءة سياسية ناقصة"ومؤكداً في تصريح الى"الحياة"ان"اللقاء سيركز على نقل الملف الأمني الى العراقيين ما تعارضه الاطراف السنية في الحكومة". ويندرج لقاء المالكي - بوش في نطاق مساع اميركية لتوسيع دائرة الحل الاقليمي للأزمة العراقية واشراك أطراف كانت حتى وقت قريب متهمة اميركياً بدعم العنف في العراق. وتتحدث أطراف حكومية عراقية عن لقاءات مرتقبة في عمان بين المالكي وممثلين عن مجموعات مسلحة، قال اكرم الحكيم، وزير الحوار الوطني انها وافقت على الاشتراك في العملية السياسية لكن اختيار عمان مكانا للقاء بوش - المالكي يبدو بعيداً عن تحركات أطراف حكومية واميركية لعقد لقاءات مع قيادات مسلحة وبعثيين سابقين. وتؤكد المعطيات على الارض ان التدهور الأمني الذي لم يستثن المنطقة الخضراء المحصنة دفع الادارة الاميركية لاختيار مكان لقاء بديل يتوقع ان يشمل ايضاً الملك الاردني عبدالله الثاني. وفيما لم يتأكد عقد لقاء بين رؤساء ايران وسورية والعراق في طهران التي توجه اليها طالباني أكد المكتب الإعلامي للرئاسة الايرانية ان الرئيس محمود احمدي نجاد"دعا الرئيسين السوري بشار الاسد والعراقي جلال طالباني للقدوم الى طهران للبحث في المسائل العراقية ومحاولة تسوية حالات سوء التفاهم وايجاد حل لها". ويبدو ان العرض رفضته دمشق او بغداد او العاصمتان معاً. فقد صرح وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي الخميس ان"لقاء من هذا النوع ليس مدرجاً على جدول الاعمال". وكان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير دعا الجمعة سورية وايران الى ان تصبحا عاملين فاعلين في البحث عن السلام في المنطقة. ووقع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في بغداد منتصف الاسبوع اتفاقاً لإعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين كبادرة حسن نية سورية تجاه العروض الغربية لحل الأزمة العراقية. في بغداد أعرب النائب سليم عبدالله الجبوري الناطق، باسم جبهة"التوافق"عن أمله في ان"تهز مجزرة مدينة الصدر ضمائر السياسيين وتدفعهم الى التلاحم والوحدة"وقال في تصريح الى"الحياة":"نأمل ان يسفر اشتداد الأزمة عن فرج قريب وواسع". وزاد:"اعتقد ان اليد التي ارتكبت جريمة سامراء بتفجير المراقد المقدسة هي نفسها التي ارتكبت مجزرة مدينة الصدر وتحاول الضرب في مناطق تثير العواطف وتدفع نحو الحرب الاهلية". ودعا محسن عبدالحميد، رئيس مجلس شورى"الحزب الاسلامي"جميع المراجع السياسية والدينية الى الاجتماع"لمخاطبة الشعب عامة واتباعهم خاصة لامتصاص الفتنة وإيقاف نزيف الدم ومنع القوى الخارجية من التدخل بأي شكل من الأشكال". وأشار الى ان"مفتاح الحل يكمن في الاتفاق على جدولة لانسحاب قوات الاحتلال والشروع ببناء القوات المسلحة والضغط على دول الجوار لإيقاف تدخلها في شؤون البلاد الداخلية".