يضع العراقيون أيديهم على قلوبهم من تجدد «الفتنة» الطائفية، كلما تصاعدت التحذيرات من استهداف مناسبة دينية شيعية، او حملت الأنباء معلومات عن عمليات دهم واعتقال في مناطق سنية، فيما يساهم الصراع السياسي الملتهب في تعاظم المخاوف الشعبية من انجرار البلاد الى مستنقع الحرب الاهلية من جديد. ويمتد القلق الى القوى الامنية العراقية، التي اعلنت اجراءات صارمة لحماية مئات آلاف الزائرين المتوجهين الى مرقد الامام موسى الكاظم لإحياء مناسبة وفاته، في ضوء تحذيرات من مخططات متجددة لاستهداف المناسبة بهدف إثارة «الفتنة». ولا تغادر مخيلة الأهالي صور الحرب الطائفية الطاحنة التي اندلعت في معظم مدن العراق بعد تفجير ارهابي طاول مرقد الامام علي الهادي في سامراء بداية العام 2006، واشتركت فيها مجموعات ومليشيات سنية وشيعية، ما خلَّف الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين استُهدِفوا استناداً الى هويتهم الطائفية. وعلى رغم اعلان حظر سير الدراجات الهوائية وإغلاق عدد من احياء بغداد وشوارعها استعداداً للمناسبة، التي تبلغ ذروتها غداً الإثنين، الا ان حماية مسيرات راجلة تسير لايام عبر مئات الشوارع والمدن والقرى، تبدو مهمة بالغة الصعوبة، وفق رجال الامن، الذين يواجهون في العادة تهماً وعقوبات بعد أي خرق يستهدف تلك المسيرات. ويقول المحللون إن تنظيم «القاعدة»، الذي نشط اخيراً في العراق عبر هجمات لافتة استهدفت الحكومات المحلية في تكريت وبعقوبة والرمادي والديوانية، لا يزال يتمسك بخيار إثارة النزاع الطائفي، عبر إجبار المدن والعشائر السنية على إعادة احتضانه. في المقابل، تثير تحركات عناصر تيار مقتدى الصدر قلقاً مقابلاً، خصوصاً ان عناصر في التيار ومنشقين عنه لاحقاً كان لهم دور اساسي في الحرب الطائفية. وكان عدد من أنصار الصدر أعلنوا امس استعدادَهم لتنفيذ «عمليات انتحارية» ضد «الاحتلال الكافر»، لكنهم اشترطوا، وفق رسالة باركها الصدر، ان تكون عملياتهم «من دون اي اذى او ضرر بالناس المدنيين او الاموال العامة او الخاصة». وكان الصدر هدَّد اخيراً بإعادة «جيش المهدي» الى العمل العسكري في حال تم التمديد للوجود العسكري الاميركي في العراق. وعُدَّ استعراض غير مسلح أُقيم لمليشيا «جيش المهدي» في بغداد، اعلاناً صريحاً عن قدرة الصدر على حشد المقاتلين، سواء انسحبت القوات الاميركية من العراق نهايةَ السنة ام لم تنسحب. وكانت مصادر مقربة من رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي، أبلغت «الحياة» امس، ان النجيفي اكد للمسؤولين الاميركيين خلال زيارة الى واشنطن، صعوبةَ الحصول على توافق سياسي داخلي حول مستقبل الوجود الاميركي، في ضوء حالة الصراع السياسي المتصاعدة حالياً. ويُجري الرئيس العراقي جلال طالباني اتصالات لعقد لقاء ثان للكتل السياسية العراقية نهاية الاسبوع، للبحث في هذا الموضوع وتسوية الخلاف بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وزعيم «القائمة العراقية» إياد علاوي. لكن الآمال في حل النزاع السياسي قريباً لا تبدو «عريضة»، ما يزيد القلق محلياً من انتكاسات امنية تمهد الطريق لتجدد الفتنة.