يشكل"منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ"آيبك تجمعاً إقليمياً للقوى الدولية المسيطرة على نحو خمسين في المئة من الانتاج العالمي، والحركة التجارية العالمية، هذا فضلاً عن القوة السكانية البليونية للصين. ولذلك، فإن هذا المنتدى يُعتبر الإطار الدولي الضاغط على الاتحاد الأوروبي لدفعه نحو المفاوضات التجارية العالمية. بلغ عدد أعضاء المنتدى 21 دولة، بينها الولاياتالمتحدةوالصينواليابانوروسيا وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية، إضافة الى مجموعة النمور الآسيوية الآخذة بالنمو الاقتصادي. وها هي روسيا تستعد للانضمام الى منظمة التجارة العالمية بعد انضمام فيتنام أخيراً، كي يلتئم شمل المنتدى في هذه المنظمة التي تمثل الإطار الدولي الأهم والأوسع للعولمة الاقتصادية. وحتى تتضح شبكة المصالح بين دول المنتدى تجدر الإشارة الى جملة معطيات: العلاقات الصينية - الأميركية المستقرة تجارياً في إطار النظام التفضيلي للعلاقات البينية، بمعنى ان السوق الأميركية تستوعب أكثر من 35 في المئة من الصادرات الصينية، في مقابل فتح أسواق الصين الواسعة أمام السيارات والكيماويات والأدوية الأميركية. وكثيراً ما لجمت هذه المعادلة التجارية أي توتر دولي بين واشنطن وبكين داخل مجلس الأمن الدولي وخارجه. والعلاقات الأميركية - الروسية المراعية للمصالح التجارية في الدرجة الأولى، على رغم إصرار واشنطن على إضعاف سلطة الرئيس الروسي بوتين، ومواجهة الأحلام الامبراطورية الروسية التي ما برحت تراود خيال القيادة الروسية، وتطاول الجوار الإقليمي من آسيا الوسطى الى القوقاز الى الشرق الأوسط... هذه العلاقات آخذة بالنمو، وقد وصلت قبيل قمة آيبك في العاصمة الفيتنامية هانوي الى توقيع اتفاق تجاري ثنائي بعد عشر سنوات من التفاوض، من شأنه التمهيد لانضمام موسكو الى منظمة التجارة العالمية. أما العلاقات الصينية - الروسية فقد دخلت مرحلة التحالف الاستراتيجي، من خلال اتفاقات التسلح، والتعاون الثنائي لحل أزمة الملف النووي الكوري الشمالي في إطار الديبلوماسية، وإيجاد بيئة آسيوية آمنة في مواجهة التطرف والإرهاب، فضلاً عن العلاقات التجارية البينية. وفي تطور لافت للعلاقات الصينية - اليابانية، عقدت القمة المنتظرة في هذه السنة لتشكل فتحاً جديداً في العلاقات الثنائية والاقليمية. وتوصلت الى اتفاقات أمنية وتجارية، من شأنها تبديد مخاوف طوكيو تجاه القوة النووية الكورية الشمالية، وإيجاد بيئة إقليمية آمنة في شمال المحيط الهادئ. هذا ما يساعد على استئناف المفاوضات السداسية لتسوية الأزمة الكورية، التي تلفّ شبه جزيرة كوريا بشطريها الشمالي والجنوبي، وتطاول بآثارها السلبية اليابان التي لا تزال ملتزمة بتحالف استراتيجي مع الولاياتالمتحدة، تأسس غداة انتهاك الحرب العالمية الثانية على رغم قصف اليابان بالسلاح النووي الأميركي. من تفحص المفاوضات السداسية الآتية، التي تشمل كلاً من: كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والولاياتالمتحدةوالصينوروسياواليابان، يتضح البعد التعددي للنظام العالمي على رغم الإصرار الأميركي على الإمساك بزمام القيادة الدولية... لقد بلغت العلاقات التجارية بين القوى الدولية في المحيط الهادئ درجة عالية من التشابك والتعقيد، وصارت المصالح المتبادلة أساس العلاقات الإقليمية وعمادها، وخصوصاً على المستوى التجاري. بالعودة الى قمة آيبك الأخيرة في هانوي، نلاحظ تعزيز هذا الاتجاه القائم على رعاية المصالح التجارية، وتسهيل الطريق لانضمام كل أعضاء المنتدى الى منظمة التجارة العالمية. بيد ان هذا الاتجاه لا يحجب جملة خلافات واختلافات سياسية ستبقى مسيطرة على منتدى آيبك، وعلى العلاقات الإقليمية والدولية بصورة عامة، أبرزها: 1 - الاختلاف على آلية مكافحة الإرهاب في العالم، على رغم الاتفاق على مبدأ مكافحته عالمياً. فالبيان الختامي لقمة هانوي لم يقبل بفرض قيود تلقائية على التحويلات المالية لمنظمات وأفراد يشتبه بتورطهم بنشاطات إرهابية، وإنما شدد على أن"أي إجراء يجب أن يتفق مع الالتزامات الدولية". أي ان اجراءات التقييد لا تتعارض مع الالتزامات الوطنية - أو الداخلية - لدول آيبك. هذا فضلاً عن بروز قناعة سياسية عند معظم المشاركين بأن مكافحة الإرهاب لا تكون بوسائل عسكرية فقط، بل تكون بوسائل اقتصادية وسياسية وثقافية كذلك. ان هذا الاختلاف لا يلغي حقيقة اتفاق المشاركين في قمة هانوي على خطوات معينة، أو آلية محددة، لمكافحة الإرهاب، بينها تشديد الرقابة على حدود الدول، وعلى أمن الملاحة الجوية، وحماية الإمدادات الغذائية من التلويث عمداً. 2 - حذف فقرة من البيان الختامي تؤكد على معارضة الدول المشاركة لتهريب أسلحة الدمار الشامل. وإذا كانت هذه الفقرة تشيد في شكل أو بآخر الى حصول كوريا الشمالية على تقنيات انتاج السلاح النووي، والى إمكان حصول دول أخرى عليها مثل إيران، مع ما في ذلك من إشارات الى الأدوار الروسية والصينية والآسيوية في هذا المضمار. فإن التسوية جاءت من خلال حذف هذه الفقرة بالكامل، مع ما في هذا الخوف من شكوك سياسية بين الدول المشاركة على رغم تشابك مصالحها التجارية. من شأن هذا التقارب الاقتصادي بين دول منتدى آيبك أن يفضي الى تقارب سياسي، أو على الأقل الى تسوية الخلافات السياسية بالتفاوض والديبلوماسية. بيد أن هذه الشبكة من العلاقات التجارية الرحبة، لا تسقط من الاعتبار المصالح القومية للدول المشاركة، وإنما ستؤسس لطموحات جديدة بعضها إقليمي وبعضها الآخر أممي على مستوى العالم كله. وما الملفان النوويان الكوري الشمالي والإيراني سوى دليل على هذا الطموح، وإن كان غير مشروع في لغة القانون الدولي. ومتى كانت جميع طموحات الدول الكبرى مشروعة؟ * كاتب لبناني.