يشعر كثيرون من الشباب الجزائريين بالضيق والحرج ليس من ملبسهم وضيق حال أسرهم، أو أشكال أبدانهم، بل من أسمائهم العائلية. فكثير من"الألقاب"كما يصطلح عليها في المغرب العربي تثير السخرية، وفي ألطف الحالات تتحول إلى"نكتة"كلما نطق بها أصحابها للتعريف بأنفسهم. وبدلاً من أن يشعر الشباب الحاملون لتلك الأسماء العائلية بالفخر لذكر أنسابهم، لا يفصحون عنها إلا بصوت خافت جداً وبخجل، بينما يعمد بعضهم إلى نطقها باللغة الفرنسية علّها تخفّف من وقعها على الآذان وتجنبهم"الفضيحة". ولك أن تتصور وضع فتاة جميلة سحرت شباب الجامعة بجمالها وتنافسوا على كسب ودها، قبل أن"يفجعوا"بأن اسمها"وحشية"...! ومثل العديد من المجتمعات العربية التي يشعر أهلها بالفخر بالنسب، ليس سهلا أن تسأل جزائرياً عن شعوره وهو يحمل اسماً يعد في نظر المجتمع من"العيوب"، أو يجلب له"المهازل"وپ"الإهانات"، لأن الأمر يتعلق بپ"الكرامة"في نظر الجزائريين. في المقابل، فإن مجرد إثارة النقاش بين الشباب حول الأسماء العائلية التي تحمل أوصافاً قبيحة أو مثيرة للسخرية، يؤدي الى سيل من النكات التي يسترسل الشباب في ذكرها. وعن ذلك، يقول أحمد عامل باطون:"هناك أسماء يستحي المرء من مجرد لفظها ولو من قبيل الضحك، لكنني أذكر أن فتاة كانت تدرس معنا في الابتدائية عانت المسكينة الويلات بسبب اسمها العائلي"سواتي"وهو اسم مشتق من كلمة بذيئة في اللهجة الجزائرية تعني"عضو المرأة"، وطبعاً، لا داعي لأكمل بقية الحكاية، فالمسكينة كانت تقبض أنفاسها كلما سئلت عن اسمها العائلي". أما عمر طالب زراعي فيجد متعة كبيرة في سرد قصة زميلة الصبا في الثانوية قائلاً:"كانت معنا فتاة جميلة جداً في الثانوية لكن الكارثة أن اسمها"وحشية"... فالمسكينة كانت دوماً تقع في مأزق بمجرد أن تسأل عن اسمها". أما منياء خياطة متمرنة فتروي هي الأخرى بكثير من الضحك قصة شاب تعرفه"لم يكن يشعر بالخجل من اسمه، بقدر ما نجح في أن يجعل منه مثار ضحك بين الأصدقاء، شهرته"خامج"، وتعني"قذر"، وبالفرنسية يقال salopard، وحدث في أحد الأيام أن استفزّ صديقنا أحد الأساتذة فنادى عليه الأستاذ بالفرنسية salopard، لتوبيخه، ورد الطالب بعفوية تامة قائلاً: حاضر سيدي! فانفجر الطلبة والأستاذ ضحكاً، وتحولت الشتيمة مدحاً!". وتتعدد الطرائف التي تصنعها بعض الأسماء العائلية في الجزائر، بل وحتى الأسماء الشخصية أحياناً، ومنها اسم"بو خنونة"الذي يعني الإنسان الذي لا ينظف أنفه. وتروي سهيلة طالبة قصة شاب كان يدرس معها في الثانوية، وكلما اضطر لذكر اسمه، يكتفي بالقول"نونة"، فيحذف الحرف الأول منه، تفادياً للكوارث! ويميل شباب كثيرون أحياناً الى تحريف أسمائهم لإضفاء عليها ما يعتبرونه"مسحة جمالية"، لأن الاسم في نظرهم لا يوائم الموضة والعصر، بخاصة حينما يتخاطبون في ما بينهم، بينما يرى بعضهم أن ذلك يدخل في خانة"الدلع"أو"المداعبة"، مثل اسم عبدو الذي يصبح" دادي"، ومحمد الذي يتحوّل إلى" مو"أو"موح"أو"مومو". والغريب في الأمر أن بعض الشباب يحولون أسماءهم، غير مبالين مثلاً إن كان الاسم لشخصية يهودية أو غير إسلامية، كأن يقال ل"يوسف""جو"، أو"موسى""موشي"، وفي كثير من الأحيان أيضاً يتم ذلك عن جهل بمعنى الاسم وجذوره الاجتماعية والثقافية. قصة الأسماء العائلية في الجزائر تحولت إلى قضية سياسية للنقاش الوطني منذ الاستقلال في 1962، حيث أفاق الجزائريون على"كابوس"زرعته فرنسا أثناء فترة الاستعمار حينما عمدت إلى منح الجزائريين أسماء عائلية، يرى كثيرون أن الاستعمار تعمدها كجزء من الإساءة اليهم. فأعطى الفرنسيون بعضهم أسماء تصلح للحيوان، مثل"معيزة"وأسماء تحمل أوصافاً قبيحة ومنفرة مثل"قلاع الضروس"أو"دماغ العتروس"الذي يعني"دماغ التيس". ومنحت فرنسا أسماء عائلية للجزائريين بهدف تسجيلهم في دفاتر الأحوال المدنية، لتسهيل إحصائهم، ومراقبتهم أمنياً. وبعد الاستقلال عمد كثيرون من الجزائريين إلى تغيير أسمائهم، وبالأخص في العاصمة الجزائر والمدن الكبرى التي كان أهلها أكثر اطلاعاً على القوانين. ويقول المحامي رضا هني في تفسيره لمشكلة الأسماء العائلية:"هناك فارق بين تغيير الاسم الشخصي والاسم العائلي من وجهة نظر القانون الجزائري، وعادة الاسم العائلي أو اللقب هو الذي يكون محل مطالبة بالتغيير إذا كان يرمز لمعنى يعد"عيباً"أو يثير السخرية والإحراج للعائلة". ويضيف:"في هذه الحالة يلجأ صاحب الاسم العائلي إلى وكيل الجمهورية لمقر سكناه ويقدم نسخة من شهادة ميلاد أصلية له وللأب والأم والجد، وعريضة تتضمن الاسم العائلي الذي يرغب أن يحمله، مع تبرير سبب الاختيار لذلك الاسم، وعلى أثر ذلك تفتتح الضبطية القضائية تحقيقاً حول الظرف الاجتماعي والشخصي للمعني للتأكد أنه ليس إرهابياً مثلاً أو من ذوي السوابق العدلية ويرغب في تغيير اسمه العائلي للتنصل من جريمة معينة، ثم تحول نتائج التحريات إلى قاضي التحقيق الذي يمنحه اسماً جديداً ودفتراً عائلياً جديداً. لكن قبل ذلك، تعمد مصالح البلدية إلى تعليق"إعلان"يتضمن منح الاسم العائلي الجديد للشخص، وفي حال اعترض شخص على ذلك لسبب معين ومقنع، خلال شهرين فإنه قد يسقط حقه". ولا تزال المحاكم تشهد إلى يومنا هذا، لا سيما في مناطق الشرق والغرب والمدن الداخلية، طوابير لمواطنين يتقدمون بطلبات لتغيير أسمائهم العائلية. أما بالنسبة للأسماء الشخصية، فإن الجزائر عمدت سنة 1976 إلى سن قانون ووضعت قائمة من الأسماء الشخصية التي يمنع تسمية المولودين بها بحجة أنها غريبة عن المجتمع الجزائري، مثل اسم"شهناز"الذي كان يوصف بأنه اسم غربي، ولم يكن في وسع أي مواطن جزائري إلا أن يختار من ضمن قائمة تضم 71 اسماً شخصياً فقط ليمنحه لمولوده الجديد. وتم العدول عن القانون بداية من العام 1985 حينما أصبحت مصالح الحالة المدنية تتغاضى عن هذه الأسماء، إلا ما كان منها يحمل وصفاً يعتبر معيباً في نظر المجتمع.