شوارع الجزائر اليوم أشبه ما تكون بركن لعرض الأزياء وآخر صيحات الموضة، فأحياء العاصمة المختلفة تمنح المتجول فيها مزيجاً متنوعاً من الصور والمشاهد المتناقضة، بين الزي الأفغاني، واللحية الطليقة، والتنورة القصيرة ميني جيب، والحجاب الإيراني" تشادور"الذي تراجع كثيراً أمام حجاب الموضة، مروراً بسراويل الجينز الممزقة، ووصولاً إلى تسريحات شعر أبدع أصحابها في ابتكارها، لا تثير الإعجاب، بقدر ما تثير الضحك والسخرية أحياناً. تقول فاطمة 40 سنة - ربة بيت وهي تسرد معاناتها مع طريقة لبس ابنها:"يا لطيف من جيل اليوم، لا رأي له، إنه شباب ضائع وطائش، لم أعد أفهم من أين يستوحون تلك الأفكار في اللباس، لقد جنّوا فعلاً". أما عمر 35 سنة فيقول:"لدي ابن في الثانوية أفقدني صوابي، فكلما اشتريت له سروال جينز جديداً، لا يمر عليه أسبوع حتى أجده قد أعاد تفصيله على مزاجه، وقطعه بشفرة الحلاقة". وعلى خلاف الآباء، يدافع الأبناء عن حريتهم في اختيار الملبس وتسريحة الشعر بشدة، إذ يقول إسلام 20 سنة وهو طالب جامعي في معهد الترجمة:"لكل جيل نمط عيشه، فكما أن آباءنا كانوا يجدون متعة في إطالة الشعر وارتداء جينز طويل إلى أسفل الحذاء، جيلنا له ميل مختلف"مضيفاً:"عليهم أن يحترموا ذوقنا، لأننا لم نتدخل في خياراتهم ليفعلوا هم ذلك معنا". أما أحمد القادم من إحدى ولايات الغرب الجزائري إلى معهد الحقوق في العاصمة فيقول:"بعدما انتقلت إلى العاصمة، قررت أن أغير طريقة لباسي لأندمج مع الموضة، فلم أعد أطيق اللباس الكلاسيكي، وأفضل ارتداء الجينز والقمصان القصيرة والأحذية الرياضية لأنها تجعلني أشعر بأنني شاب فعلاً". واستطرد ضاحكاً:"حتى تسريحة شعري غيرتها، لقد أبدعت فيها كثيراً قبل أن أستقر على تسريحة معينة، ولا أخفي أن هذا يجعلني أكثر جاذبية لدى البنات". ويعترف علاء بأنه دخل في شجارات عديدة مع والده بسبب اللباس:"كنت شاباً مستقيماً جداً على رأي أبي يضحك من البيت إلى المدرسة ومن المدرسة الى البيت ولم أعش فترة مراهقتي كثيراً، وحينما انتقلت إلى الجامعة بدأت أكتشف أنني ضيعت الفترة التي ينبغي أن نعيشها في آوانها، ولذلك أجد نفسي اليوم تغيرت كثيراً، وأصبحت أدخن بشراهة وأخالط الفتيات، وأسهر في النوادي الليلية". وأضاف:"قد أكون منحرفاً في نظر والدي الذي لم يعد يتفاهم معي كثيراً، لكنني الآن أشعر أن لي شخصيتي وكياني، فأنا أبني شخصيتي بمفردي، قد أخطئ وأصحح نفسي، لكني لا أريد أن أكون دمية يصنعها والدي كما يشاء ويلبسها ما يشاء وكيفما يشاء". وللفتيات نصيبهن من تلك المعارك مع أوليائهن، تقول الموظفة أسماء 23 سنة:"ككل الشباب، حدثت بيني وبين الوالدين خلافات بسيطة حول اللباس منذ الإكمالية، حينما بدأ الاختلاط مع الشباب، فأصبح والدي وحتى شقيقي أكثر تشدداً في مراقبة لباسي وتحركاتي بحجة أنني في سن المراهقة ... بالتأكيد هذا يضايق أي فتاة، فالشاب في الجزائر يتمتع بحرية أكبر، ولا يعاتب كثيراً، بسبب أن الفتاة ينبغي أن تكون حريصة ومحتشمة وخصوصاً عندما تبلغ 18 سنة وتبدأ العائلة تنتظر من يأتي لخطبتها". أما سهام الطالبة في الثانوية فتقول:"ليس العيب في الأولياء فقط، بل في الشباب الذين يسمحون لأنفسهم بارتداء ما يشاؤون، ولكن حينما تلبس فتاة تنورة قصيرة تتحول إلى منحرفة ومن حق أي شاب أن يعاكسها، إنه منطق تافه وأناني لدى بعض الرجال". أما الشباب الذكور فلهم رأي مخالف. يقول سمير:"لست ممن يفرض على الفتاة ارتداء الحجاب، لأنها مسألة اقتناع، لكني أرى من العيب أن تخرج الفتاة إلى الشارع بلباس مكشوف بدعوى الموضة، إنه تفسخ وليس انفتاحاً، وأنا أحتار من وليّ يسمح لابنته بالخروج بزي كاشف". ويحاول طارق أن يبدو أكثر منطقية وعقلانية في طرحه:"هناك حد معين في الحرية، فحرية الشباب في ارتداء ما يشاؤون لا تعني أن يعتدوا على قيم المجتمع ولا يحترموا الناس، فأين الموضة والحرية حينما ترتدي فتاة تنورة قصيرة وقميصاً يكشف أنحاء جسمها، أو يرتدي شاب سروالاً مقطعاً في شكل غير محتشم"، مضيفاً:"لماذا يلجأ بعض الشباب الى تقليد نجوم غربيين في اللباس ونمط العيش فقط، بدل الاهتمام بأفكارهم وعلومهم، إنه الغزو الثقافي الذي يولد شخصيات مشوهة ومنفصمة عن مجتمعها".