بعد فشل كل استراتيجية نفذت في العراق، وبعد تدمير العراق على رؤوس أهله وسقوط مئات ألوف الضحايا، قررت بريطانياوالولاياتالمتحدة من وراء الستار دعوة ايران وسورية الى انقاذهما، أو اخراج ما لهما من كستناء من النار، كما يقولون بالانكليزية. أريد انقاذ العراق لا جورج بوش أو توني بلير، ومع ذلك أقول إن الاستراتيجية الجديدة لن تنجح، لأن الحليفين الغربيين يريدان من ايران وسورية شيئاً في مقابل لا شيء. ورئيس الوزراء بلير بعد أن هدد ايران في الصيف الماضي ب"المواجهة"هبط الآن الى"المقاطعة"، اذا لم تقبل ايران المعروض عليها. هو عرض استراتيجية"للشرق الأوسط كله"تشمل حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، نصيب ايران منها شراكة اذا اوقفت"الإرهاب"في لبنانوالعراق، ونفذت التزاماتها الدولية، وقال إن الخيار نفسه معروض على سورية، و"المكافأة"العودة الى المجتمع الدولي. بلير ينسق دائماً مع بوش، غير أنه هذا المرة ينسق ثم يزيد الجرعة، فالرئيس الأميركي لا يزال يقول إن البرنامج النووي الإيراني"خطر على السلام العالمي"، ويريد وقفه قبل أي مفاوضات، ويؤيد موقف رئيس وزراء اسرائيل ايهود أولمرت الذي هدد ايران بصراحة. ايران، وبعدها سورية، ستطلب أشياء كثيرة لقبول"الشراكة"، وأهمها أن تمضي في برنامجها النووي، فهي لن توقفه لأي سبب، واصرار الرئيس بوش على وقفه قبل أي مفاوضات، يعني أنه وأد الاستراتيجية الجديدة في مهدها. سورية تعارض المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاغتيالات السياسية الأخرى في لبنان، إلا أن المحكمة لن تلغى لأي سبب، وسورية بالتالي لن تجد حافزاً كبيراً لمساعدة الولاياتالمتحدةوبريطانيا. لست محامي سورية أو ايران، وعندي اعتراضات على سياسات كل منهما بمفردها، وعلى المشترك في سياستهما، ومع ذلك أرى أن المعروض عليهما يخلط السم بالدسم، وبعضه يقلب الحقائق على رأسها. كيف يطلب من ايران وقف"الإرهاب"في العراقولبنان؟ الإرهاب في العراق أطلقه الاحتلال، وادارة بوش تتحمل المسؤولية عنه كاملة، فهي احتلت العراق لأسباب كاذبة، وتركت الوضع يتدهور حتى دخل العراقيون حرباً أهلية لا يعلم سوى الله متى تنتهي. ايران حتماً حليفة الشيعة في العراق وتساعدهم، ولكن من جعلها أقوى دولية اقليمية؟ ألم تدمر الولاياتالمتحدة أعداءها الى الشرق والغرب، قبل أن تستفيق وتدرك أن احدى الدول الاعضاء في"محور الشر"أصبحت تمثل أكبر تهديد للمصالح الأميركية في المنطقة. سورية لم تكن ضمن"محور الشر"الذي طلع به الرئيس بوش في خطابه عن حالة الاتحاد سنة 2002، ولكن بعد مهاجمة العراق واكتشاف براءته من الأسباب الأميركية للحرب ضمت سورية الى المحور ليظل بقوائم ثلاث مع كوريا الشمالية. توني بلير، بالإحالة عن نفسه والنيابة عن جورج بوش، طالب ايران وسورية بوقف تأييد"الارهاب"ويقصد حزب الله وحماس والفصائل المماثلة. ايران وسورية اخطأتا وتخطئان، إلا أن حزب الله وحماس حركتا تحرر وطني في وجه الارهاب الاسرائيلي، وعدد الضحايا من المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين والإسرائيليين في السنوات الست الأخيرة وخصوصاً منذ الصيف، يظهر ان حكومة اسرائيل حكومة ارهابية ذات ميول نازية. كيف يريد رئيس وزراء بريطانيا حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، وهو يرى أقله في جانب ولا يرى الارهاب الطاغي للجانب الآخر أو يرفض أن يراه؟ ثم هل يريد بلير انقاذ الوضع فعلاً أو انقاذ نفسه بعد تدمير العراق، بالظهور كمن يريد حلاً للمأساة الفلسطينية المستمرة؟ الموقف البريطاني الجديد، والموقف الأميركي معه، لا يمكن أن يعزلا عن نتيجة الانتخابات الأميركية وتقرير مجموعة دراسة العراق، أي أنه ينطلق من مصالح سياسية محلية لا من أسباب عراقية، ورغبة في رفع المعاناة عن شعبه. الديموقراطيون المنتصرون يتحدثون عن بدء سحب القوات الأميركية من العراق خلال ستة أشهر، وتقرير المجموعة النهائي سيقترح الاتصال بإيران وسورية لإشراكهما في البحث عن مخرج في العراق. بكلام آخر، الثنائي بوش - بلير لم يفكر في استراتيجية جديدة في العراق لأنه أدرك أن استراتيجياته كلها حتى الآن فشلت ودمرت العراق، وقتلت أهله، وإنما لأن بلير سيترك رئاسة الوزارة السنة القادمة، والمعارضة للحرب من داخل حزبه، مع المحافظين، ولأن بوش سيواجه مجلسي كونغرس معاديين ولجان تحقيق في الإعداد للحرب وفي إدارة العراق بعد الاحتلال. وهكذا فالتوجه نحو ايران وسورية دليل يأس لا قناعة، والمعروض فتات، فيما ايران وسورية تطلبان ثمناً غير ممكن، لذلك ستلقى الاستراتيجية الجديدة إن لم تعدّل لتقوم على بعض العدل والحيادية في التعامل مع الفرقاء مصير كل استراتيجية سابقة، ومن يعش يرَ.