تنشغل الاوساط السياسية والعسكرية في انقرة بانعكاسات احتمال انسحاب اميركي من العراق على المصالح القومية التركية. وقال رئيس الاركان التركي الجنرال يشار بيوك انيط، في أقوى وأهم التصريحات التركية في هذا الشأن انه اذا اراد الاميركيون لايران ان تتمدد جغرافيا وسياسيا لتصل الى حدودهم أو حدود حلفائهم، في اشارة الى اسرائيل، وتكون جارة لهم فيمكنهم حينها التفكير في الانسحاب من العراق او تقسيمه. هذا التصريح يدعم ويكمل تصريحات متكررة لوزير الخارجية التركي عبدالله غل حذر فيها من عواقب انسحاب اميركي من العراق قبل استتباب الاوضاع فيه. وكان غل صرح في الاسبوع الماضي، وقبل اعلان واشنطن انها تدرس تغييرا لسياستها في العراق، بأن تركيا لن تقبل قيام دولة كردية في شمال هذا البلد. ومع هذه التحذيرات بدأت مشاورات ساخنة قبل شهر تقريبا في الخارجية التركية لإعداد خطة سياسية لمواجهة عواقب اي انسحاب اميركي محتمل من العراق. فإلى حساسية المشكلة الكردية لدى تركيا، ترى انقرة في تقسيم العراق او دخوله في حرب اهلية خطرا يهدد امنها القومي. لكنها تبدو حاليا امام خيارات قليلة جدا على مستوى قدرتها على التحرك لمواجهة ذلك الخطر الذي تصر على مواجهته لوحدها من دون الدخول في اي احلاف او تكتلات. فتركيا تدرك أن العراق هو الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة على ان توازن الثقل الايراني فيها، وان تقسيم العراق يعني اختلال هذا التوازن وتمدد ايران شيعيا في المنطقة بشكل قد يهدد الاستقرار فيها. لكنها ترفض تماما فكرة ان تحل هي محل العراق او ان تلعب دور الدولة التي تقف نداً لايران في المنطقة، وذلك لخطورة هذه المهمة. فالعراق دفع ثمن ذلك من خلال حرب خاضها لثماني سنوات ضد ايران، في حين ان انقرة لا يمكنها ان تدفع هذا الثمن، او حتى ان تخاطر بما هو اقل منه، على حد قول احد مسؤولي الخارجية التركية ل"الحياة". ولاحظ المصدر ان طموحات تركيا الاوروبية تتطلب منها عدم الانزلاق في اي صراع اقليمي والعمل فقط على تأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي. لكن تقسيم العراق او دخوله في حرب اهلية يعني نهاية حلم تركي بسوق عراقي كبير و مصدر جديد للطاقة. كما انه يهدد بزعزعة الامن والاستقرار في منطقة الخليج وبلاد الشام من خلال تمدد النفوذ الايراني فيهما . ويأمل المسؤولون الاتراك بسياسية اميركية تسعى الى الاستقرار في المنطقة والاهتمام بمشكلة الشرق الاوسط لتخفيف الضغط على قواتها في العراق قبل اي انسحاب منه. وتأتي في هذا الاطار نداءات رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لعودة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والسوريين من جهة والاسرائيليين من جهة اخرى برعاية اميركية. وفي الوقت نفسه تفضل انقرة السعي، من خلال الديبلوماسية السرية مع طهران، الى تفادي عواقب سلبية قد تصيبها نتيجة تمدد النفوذ الايراني في المنطقة. وذلك من خلال الايحاء لطهران بالتزام الحياد وعدم الانضمام الى تكتل مناهض لها في المنطقة، او على الاقل عدم الدخول في اي عمل يستهدف طهران مباشرة او حلفاءها.