قبل أيام فقط كان الرئيس جورج بوش يبدي ثقته في وزير دفاعه دونالد رامسفيلد ويؤكد أنه سيبقى معه حتى انتهاء ولايته الثانية، ثم جاءت"الصدمة والترويع"عبر الانتخابات النصفية هذه المرة، وسقط بطل حرب العراق، أو شرير تلك الحرب. رامسفيلد يتحمّل أكبر قسط من المسؤولية عن الجريمة التي ارتكبت بحق العراق وشعبه، الا انه ليس المذنب الوحيد، فرئيس العصابة هو نائب الرئيس ديك تشيني، وهذا منتخب، فأرجو ان يستقيل، وعذره المرض بعد ان أصيب بنوبات قلبية متتالية. وطبعاً يبقى جورج بوش المسؤول الأول، الا أنني قلت في السابق، وأقول اليوم إن الرئيس الأميركي جاهل وغير قادر على ان يتعلم، لذلك فهو يستفيد من مبدأ"لا حرج عليه"، وأرجو ان يعود الى مزرعته لصيد السمك في نهرها الى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً. جرائم بقية أفراد العصابة لا يجوز ان تمرّ من دون عقاب، وأنتظر يوم يبدأ الكونغرس الديموقراطي الجديد بتشكيل لجان تحقيق فعلية لا تخبئ قمامة الادارة تحت سجادة، وتستدعي أركان الادارة للشهادة وتفند كذبهم. ربما كنتُ متفائلاً اذا توقعت محاكمات وإدانات، غير ان العدالة تقتضي ذلك، فقد ثبت الآن ان الحرب على العراق طبخت بليل وقاد تشيني ورامسفيلد عصابة من المحافظين الجدد الموالين لاسرائيل بالكامل، لفقت المعلومات عن أسلحة دمار شامل وعلاقة مع القاعدة لتبرير حرب على العراق، قتل فيها حتى الآن أكثر من نصف مليون عراقي و2800 جندي أميركي، وفتحت أبواب الشر على المنطقة كلها. لا اذكر ان سطراً واحداً في كتاب بوب وودوارد الأخير"حالة إنكار"نُفي أو سُحب، وإذا عدنا الى الفصول 11 الى 16 في الكتاب، أو حوالى 70 صفحة من 560 صفحة، نجد ان وكالة الاستخبارات المركزية انتصرت في الحرب على"طالبان"في أفغانستان بأقل جهد ممكن، فهي استخدمت عملاءها على الأرض وبعض القوات الخاصة وتحالف الشمال مع القوة الجوية الأميركية لإسقاط النظام المتطرف في كابول وتشريد ارهابيي"القاعدة". رامسفيلد ونائبه في حينه بول وولفوفيتز، ووكيل الوزارة دوغلاس فايث، تآمروا على العراق، ولفقوا الأدلة لتبرير الحرب، ثم أساؤوا ادارة العراق بعد تحريره. واتهم فايث بانه تعمّد تدمير العراق لأنه لا يمكن ان يكون من الحمق أو الغباء ان يرتكب ألف خطأ وضعت البلاد الآن في أتون حرب أهلية. رامسفيلد العنيد المتغطرس أدار حرب العراق وحده، بعد ان سعى من أول يوم له في البنتاغون الى اعادة تنظيم القوات الأميركية بجعلها أقل عدداً مع اعتماد على السلاح والتكنولوجيا وسرعة الحركة. وجاء النصر على صدام حسين سريعاً، وقرّرت العصابة انها صنعت النصر، أو"النزهة"كما قيل في حينه، ولم تقدّر ان صدام حسين مجرم حرب يكرهه العراقيون، كما يكرهون ان يجدوا بلدهم محتلاً ومستباحاً. وتحوّلت"الصدمة والترويع"تدريجاً الى كابوس أميركي انتهى بالانتخابات النصفية التي عاد فيها الديموقراطيون ليسيطروا على مجلسي الكونغرس. انتظر يوماً يقف فيه رامسفيلد أمام لجنة الاستخبارات أو الخارجية في الكونغرس ليردّ على التهم الموجهة اليه بتزوير أدلة الحرب، وبسوء ادارة العراق بعد الاحتلال، وبالفشل في استعمال القوات المسلحة، فقد قال الجنرالات جميعاً ان الاحتلال في حاجة الى 400 ألف جندي وربما نصف مليون، واختار رامسفيلد 150 ألفاً، حتى وهو يعلم ان جورج بوش الاب بنى قوة من 800 ألف جندي لتحرير الكويت وحدها، ثم اختار الا يكمل بدخول العراق. ومعرفة الحقيقة، تمهيداً لمعاقبة كل المسؤولين في الجريمة، لا تكتمل من دون استدعاء وولفوفيتز وفايث، اذاً لا يجوز بعد قتل مئات ألوف الناس وتدمير بلد على رأس أهله ان يكافأ وولفوفيتز بتولي رئاسة البنك الدولي، او يسمح لفايث بالعودة الى العمل الخاص وبراءة الأطفال في عينيه. هؤلاء جميعاً عصابة اسرائيلية عملت عن سابق اصرار وتصميم لتدمير العراق، بعد ان أعطاها صدام حسين بتصرفاته الخرقاء العذر، وهي كانت تخطط لضرب ايران وسورية، لولا ان القوات الأميركية استنزفت في العراق، ثم جاءت الانتخابات النصفية لتدفن نهائياً حلم الامبراطورية ودور اسرائيل في الهيمنة على المنطقة. ماذا بقي من رامسفيلد الآن؟ بقي سجل أسود، فهو أكد يوماً وجود أسلحة دمار شامل في العراق، بل أعلن مكان وجودها الى الشرق والغرب من تكريت وبغداد. غير انني أتركه وليس في ذهني عنه سوى بعض الكلام المفرغ من أي معنى فهو الذي قال يوماً وأترجم حرفياً:"الرسالة هي انه لا توجد"معروفات". هناك أشياء نعرف اننا نعرفها وهناك مجهولات معروفة، أي أشياء نعرف اننا لا نعرفها. الا ان هناك أيضاً مجهولات غير معروفة. هناك أشياء لا نعرف اننا لا نعرفها". هذا كلام لا يفهمه سوى جورج بوش.