أترك المحافظين الجدد من عصابة اسرائىل الليكودية المتطرفة داخل الادارة الاميركية، وأجد انهم هم لا يتركونني، فقد كنت ابحث عن موضوع فلسطيني على الانترنت عندما وقعت على مقال كتبه اثنان من أسوأ اعضاء العصابة في مجلة "ويكلي ستاندارد"، وهما روبرت كاغان ووليام كريستول، عن العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. المجلة والكاتبان وردوا في حلقاتي عن المحافظين الجدد الذين ساهموا في قتل الجنود الاميركيين الشبان في حرب غير مبررة، عن تهديد غير قائم، لخدمة اسرائىل. ووجدت ان المقال لا يزال يحرض على التضحية بأرواح الجنود الاميركيين، فعصابة اسرائىل اميركية بالاسم، اما ولاؤها فهو لاسرائىل وحدها. كتب كاغان وكريستول ان "من المحتمل مع بعض الحظ ان تنجح الولاياتالمتحدة في العراق في الاشهر القليلة المقبلة، والخطر هو ان الموارد التي خصصتها الادارة للعراق الآن ليست كافية، وسرعة ارسالها غير مناسبة". وزاد الكاتبان: "ان الواقع المؤلم هو ان هناك عدداً قليلاً من الجنود الاميركيين العاملين في العراق، وهذا ايضاً ينطبق على الموارد المالية المخصصة... وهناك نقص مذهل في المدنيين الاميركيين في العراق". كنت اقرأ كلام هذين الاعتذاريين الوقحين لاسرائىل، وأقرأ في الوقت نفسه في الصحف الاميركية ان قتلى القوات الاميركية منذ اعلن الرئىس بوش وقف القتال في اول ايار مايو الماضي، تساوى مع عدد القتلى في الحرب، وأزيد من عندي انه فاق عدد قتلى الحرب امس، وسيظل يزيد طالما ان قرار الحرب والسلام في أيدي عصابة اسرائىل. اثنان من قادة العصابة، وهما بول وولفوفيتز ودوغلاس فايث، اي الرجلان الثاني والثالث في وزارة الدفاع، هما اللذان اخترعا مكتب الخطط الخاصة لتقديم معلومات زائفة او مبالغ فيها، عندما لم تتجاوب وكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة استخبارات الدفاع، ومكتب التحقيق الفيديرالي، وتقدم معلومات "مناسبة" تبرر الحرب لعدم وجودها. وكان ايجاد الجهاز البديل ضرورياً، فقد حاول افراد العصابة جهدهم مع الوكالات القائمة، ونحن نعرف اليوم ان "سكوتر" ليبي، مدير مكتب نائب الرئىس تشيني ونيوت غينغريتش، الرئىس السابق للغالبية اليهودية في الكونغرس، زارا مقر "سي آي ايه" مرة بعد مرة للضغط على المسؤولين فيها بغية تقديم المعلومات المطلوبة. مكتب الخطط الخاصة هو ذلك الثعلب الذي تسلم "قن الدجاج"، فقد تسلم ادارته اليومية وليام لوتي، المسؤول ازاء فايث، المسؤول إزاء وولفوفيتز. وهذا الاخير، وعلى سبيل تذكير القارئ، كان طلب خلال ايام من ارهاب 11 ايلول سبتمبر قبل سنتين ضرب العراق، فهو يريد تنفيذ مشروع قائم لتدمير الدول العربية واحدة بعد الاخرى، لتستطيع اسرائىل ان تهيمن على مقدرات المنطقة، ونصبح جميعاً خدماً عند مجرمي الحرب من نوع آرييل شارون وشاؤول موفاز وموشي يعالون وغيرهم من النازيين الجدد. ولا اقحم اسم شارون جزافاً في الموضوع، فقد كتب جوليان بورغر في "الغارديان" الشهر الماضي ان مكتب الخطط الخاصة "اقام علاقة وثيقة موازية مع مكتب مشابه ضمن مكتب آرييل شارون في اسرائىل، يتجاوز الموساد، لتقديم مزيد من المعلومات الى ادارة بوش، غير ما عند الموساد، والاسرائىليون الذين جاؤوا الى واشنطن لم يمروا بالقنوات التقليدية، وانما اقر عملهم ضمن سلطة فايث، ومن دون ان يملأوا اي طلبات عمل...". ليس الموضوع العراق وحده، ولو كان العراق لقلنا سبق السيف العزل، ولكن وولفوفيتز وفايث وريتشارد بيرل وكاغان وكريستول، وغيرهم رعوا استراتيجية جديدة سجلت تفاصيلها في الحلقات المعروفة تبدأ بالعراق وتكمل بسورية ولبنانوايران والمملكة العربية السعودية وغيرها، فكل هذه الدول يجب ان تدمر او تطوع "لضمان امن اسرائىل". ماذا عندنا اليوم؟ عندنا اطنان من الكذب عن سورية ومعها لبنان، وايران والمملكة العربية السعودية، وهي من الحقارة انني لا احتاج ان ارد عليها لقارئ عربي، ولكن اكتفي بالقول ان اتهام سورية وايران بأن "الارهابيين" يدخلون العراق منهما، واتهام السعوديين بأنهم "ارهابيون" "يمولون الارهاب، ليس وليد الساعة، وانما هو من ضمن خطة قديمة وجد المحافظون الجدد فرصة لتنفيذها بعد ان سيطروا على السياسة الخارجية الاميركية. والقارئ لا بد سمع عن مسؤولين اميركيين قابلا تاجر السلاح الايراني منوشهر غوربنيفار، الذي ورد اسمه في فضيحة ايران - كونترا، ولا ازيد هنا سوى ان دوغلاس فايث ارسلهما، وان مايكل ليدين الصهيوني المتطرف الآخر ليس بعيداً من الموضوع فهو منغمس فيه منذ انفجاره اول مرة في ولاية رونالد ريغان. وأعود الى ما بدأت به، فهناك اليوم 136 ألف جندي اميركي في العراق يقتل منهم كل يوم واحد او اثنان. وفي حين يطلب اهالي الجنود اعادتهم، فإن عصابة اسرائىل تطالب بزيادتهم، وزيادة الانفاق عليهم على رغم ثبوت عدم تشكيل العراق اي تهديد لأمن الولاياتالمتحدة او غيرها، فهو لم يكن يملك اسلحة دمار شامل، او برنامجاً نووياً، او وسائل تنفيذ اي تهديد، كما زعم المحافظون الجدد عبر مكتب الخطط الخاصة، والعملاء من العراقيين في بعض المعارضة، لا كلها قطعاً، الذين عادوا الى بلادهم في دبابات وطائرات هليكوبتر اميركية. ازعم ان كل بلد عربي مهدد، وان مصير العراق ينتظرها واحدة بعد الاخرى، اذا لم تقف معاً في وجه خطر اسرائىل وعملائها في الادارة الاميركية الذين يطلق عليهم كذباً اسم المحافظين الجدد والذين لا يترددون في التضحية بالأميركيين انفسهم، ما يغني عن التفكير في ماذا سيفعلون بنا لو استطاعوا.