«فار مكسور»    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    بالله نحسدك على ايش؟!    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم الثالث يتحمل أيضاً مسؤولية "الفجوة الرقمية" . زيارة "أخيرة" الى كتاب "التحدي العالمي" مع رحيل مؤلفه شرايبر المتفائل بالمعلوماتية
نشر في الحياة يوم 10 - 11 - 2006

في مطلع الاسبوع الجاري، رحل بصمت يُجلله الغياب، جان-جاك سرفان شرايبر، الصحافي والسياسي الفرنسي"الغرائبي"، الذي ربطته بالعرب، ومشاريعهم في التنمية والتكنولوجيا ودخول العصر الالكتروني ما بعد الصناعي، علاقات شديدة المتانة. ولعلها مفارقة هائلة ان يرحل شرايبر قبل أيام قليلة من الزيارة الثانية عربياً لبيل غيتس، مؤسس شركة"مايكروسوفت"، عملاق المعلوماتية عالمياً.
واستتباقاً، تجدر الإشارة الى ان المقارنة بين الحدثين تحضر لأن شرايبر راهن على ثورة الكومبيوتر وقدرتها على انهاض العالم الثالث، وخصوصاً العرب، من التخلف"فيما تأتي زيارة غيتس لتؤشر، ضمن أشياء كثيرة أخرى الى ان ثورة المعلوماتية والاتصالات ربما كانت فرصة ضائعة أُخرى في تاريخ العرب الحديث للحاق بركب التقدم عالمياً!
المُعالج الالكتروني ورهان التنمية
يغلب الظن ان شرايبر رحل منسياً عربياً وفرنسياً أيضاً، بعد أن هزّ الحياة السياسية فيها وصولاً الى طموحه بأن يكون جون كينيدي فرنسا، وشغل ساسة أوروبا، ونسج علاقات وطيدة مع اليابان، التي ألهمه تطورها في الكومبيوتر رؤية فائقة التفاؤل عن مستقبل العالم. أنظر المربع: شرايبر في سيرة وجيزة.
والأرجح ان ثمة زوايا كثيرة للحديث عن شرايبر، لكن اهتمامه الفائق بالمعلوماتية وثورة الكومبيوتر والاتصالات المتطورة، ومراهنته عليها كأداة للنهوض بالتنمية في العالم الثالث، يستدعيان اهتماماً خاصاً.
وعرض شرايبر رؤيته تلك، التي يحتل العالم العربي مكانة مركزية فيها، في كتاب"التحدي العالمي"Le Defi International دار"فايار"الفرنسية 1980- صدر عن"المؤسسة العربية للدراسات والنشر"في السنة ذاتها بترجمة الزميلين الياس سحاب وابراهيم العريس. ويكشف الكتاب تفاؤل شرايبر بقدرة ثورة المعلوماتية على اخراج العالم الثالث من تخلفه السحيق.
ويصعب على قارئه الافلات من الصورة المضخمة للمُعالج الالكتروني الدقيق، وهو العقل المُفكر للكومبيوتر، الذي رأى فيه شرايبر خلاصاً الكترونياً، يُصحح الخلل في العلاقات بين المركز الغربي الغني والمتقدم علمياً وبين العالم الثالث الفقير والمتخلف. ويستعرض الكتاب سياقات التبلور التدريجي لذلك"المشروع الكبير"لمنظمة الدول المُصدّرة للنفط أوبك، الذي ابتدأ مع تأسيس المنظمة في العام 1960، والذي تدرّج ليصل إلى حدّ وضع تصوّر عن ظهور"نظام عالمي جديد". فقد ارتكز المشروع المذكور على توظيف أموال البترودولار، التي تراكمت بفضل الفورة النفطية في السبعينات، لايجاد حلّ لاشكالية التنمية في العالم الثالث، عبر"نقل التكنولوجيا"Technology Transfer، من العالم الصناعي المتقدم إلى الدول النامية.
ويُفصّل كتاب شرايبر ذلك التصوّر الذي صاغتة"اللجنة الاستراتيجية الطويلة الأجل"للأوبك، في ختام السبعينات، حين رأت ان من الممكن ايجاد حلّ لمعضلة التفاوت الحضاري في العالم، بما في ذلك أزمة تخلف الدول الفقيرة وديونها، ليس عبر الصدام مع العالم الصناعي وخصوصاً اميركا بل عبر توظيف مكثّف لأموال أوبك في الدول النامية.
ويرتكز الشق الآخر من التصوّر ذاته إلى المراهنة على تعاون الولايات المتحدة وتليها اوروبا في"نقل التكنولوجيا"إلى العالم النامي، بحيث تصبح المعلوماتية والاتصالات نسيجاً أساسياً في بنيته، فتنقلها من حال التخلف إلى طور التقدم والحداثة.
وسار بذلك المشروع اشخاص لعبوا أدواراً تاريخية مثل الكويتيين عبداللطيف الحمد مدير عام الصندوق الكويتي حينها، والذي لفت نظر شرايبر إلى حد انه اعتبره من احصنة الرهان الاساسية في التغيير العالمي وعلي خليفة الصباح، والفنزويلي كالدرون بيرتي والعراقي عوني العاني وغيرهم.
"نقل التكنولوجيا"ومؤتمر باندونغ
ينسج ذلك الكتاب صورة تقرب من الحلم الزهري، عن مجتمع عالمي يسير في ثورة الكومبيوتر، بحيث يخوض في تطور ينسجم مع التوسّع في ازدهار العالم الصناعي من جهة واحتياجات التنمية في العالم الثالث من جهة ثانية.
لم يكن الجديد في مشروع"اللجنة الاستراتيجية الطويلة الأجل"حديثه عن"نظام عالمي جديد".
فالمعلوم ان الاسكندر المقدوني كان أول من استخدم هذا المصطلح! وكذلك لم يكن الجديد هو الحديث عن"نقل التكنولوجيا". فالحال ان مؤتمر باندونغ 1955، وبحسب ما ورد في كتاب"التحدي العالمي"عينه، كان أول منتدى للعالم الثالث يضع ذلك المطلب في رأس ما تسعى الدول النامية لنيله من العالم الصناعي اضافة إلى مطلب سيطرتها على ثرواتها الوطنية.
لعل الجديد في ذلك المشروع، الذي ينسبه شرايبر بقوة إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز، هو الدمج بين تلك الامور الثلاثة: نظام عالمي أكثر عدلاً، يرتكز إلى اخراج الدول النامية من تخلفها عبر التحالف بين توظيفات البترودولار من أوبك ونقل التكنولوجيا من العالم الصناعي. وبنظرة استرجاعية، يبدو هذا المشروع وكأنه قُتل مع حرب الرئيس العراقي السابق صدام حسين ضد ايران، ثم دُفن كلياً مع غزوته المجنونة للكويت.
وفي المقابل، فإن العالم المتقدم، وخصوصاً الولايات المتحدة، أظهر تصلّباً كبيراً في مسألة"نقل التكنولوجيا". هل كانت اميركا تُعاني من تجربتها في السماح بنقل التكنولوجيا إلى اليابان وقد حفز ذلك الانتقال اشياء كثيرة، منها الأثر الاخلاقي لإلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناكازاكي؟ سؤال صعب.
اذن، رأى شرايبر أن منذ باندونغ الخمسينات، ومروراً بالمشروع الاستراتيجي لأوبك في مطلع الثمانينات، بقي مطلب"نقل التكنولوجيا"أساساً في رؤى التنمية. وفي كتابه، يلاحظ شرايبر أن ثمة فوارق اساسية بين خطاب باندونغ، المملوء بخطاب التحرر الوطني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبين مشروع"أوبك"المنطلق من التفاوض التدريجي لتحقيق المصالح الاساسية بين الشعوب.
ويرسم شرايبر الفارق في الموقف من الغرب، خصوصاً في مسألة السيطرة على الموارد الوطنية، التي تعتبر من اساسيات السيادة والقرار الوطني المستقل للشعوب. ويوضح ان مشروع"أوبك"يرى ان تلك السيطرة لا تأتي عبر الصدام مع الغرب، وانما عبر التفاوض القوي على مصالحه. ويُعرض شرايبر تفاصيل مُذهلة، تشي بقربه من مركز صنع القرار العربي حينها، عن ذلك التفاوض الذي سار بتؤدة، عبر مسلك مُتدرّج وصلب للإمساك بالمصالح الوطنية. ويبرز الأسلوب التفاوضي الصبور الذي وصلت فيه الدول النفطية إلى السيطرة على البترول: النموذج الاوضح للثروة الوطنية في العالم الثالث.
ففي بداية خمسينات القرن العشرين، أي عندما حاول رئيس الوزراء الايراني الراحل محمد مصدق تأميم النفط في بلاده، كان"تقاسم الريع"تعبير تقني عن مداخيل النفط يجري بنسبة 70 في المئة للشركات و30 في المئة للبلاد المنتجة. ومع ولادة منظمة أوبك في العام 1960، تغيّرت النسبة إلى المناصفة. واستمرت دول النفط، خصوصاً العربية منها، في الضغط على حلفائها الغربيين، وخصوصاً الاميركيين، فتوصلت أوبك إلى اتفاقية طهران في العام 1971، التي جعلت النسبة 30 في المئة للشركات مقابل 70 في المئة للدول. وفي العام 1972، وبممارسة الضغط التفاوضي القوي، استطاعت تلك الدول ان تصل إلى الوضع الذي تعتبره عادلاً: 95 في المئة للدول مقابل 5 في المئة للشركات، أي ان الشركات باتت تأخذ الثمن الفعلي لأعمالها.
ويُلاحظ ان ذلك الهدف تحقق قبل حرب تشرين الاول اكتوبر للعام 1973، التي تلتها المقاطعة البترولية الشهيرة التي تُسمى"صدمة النفط". ويعطي هذا الانجاز تفسيراً لأشياء كثيرة، منها حديث مدير"البنك الكويتي للتنمية"، حينها، عبد اللطيف الحمد عن تحالف أموال اوبك مع تكنولوجيا العالم الصناعي، كأساس لظهور نظام عالمي جديد وعادل.
ويبدي شرايبر اعجاباً كبيراً بشخصية الحمد. كما يظهر كتاب"التحدي العالمي"مؤلفه كسياسي أوروبي يملك قناعة راسخة بان مشروع أوبك يمثل حلاً عالمياً. وقد دافع عنه في كتابه المذكور.
ولاحقاً، ركزّ شرايبر معظم نشاطه السياسي حول الأفكار الاساسية لذلك المشروع، وخصوصاً موضوع نقل التكنولوجيا الغربية للعالم النامي، مما رسمه كشخصية غربية فريدة من نوعها، وذات نكهة عالمثالثية بدت غير مستساغة عموماً في الغرب.
ويقضي الانصاف القول إن"نقل التكنولوجيا"لم يُمثل مطلباً أساسياً وملحاً بالنسبة لمفكري العالم الثالث وسياسيّيه فحسب، بل ان اصواتاً لا تُحصى ظهرت في الغرب لتدعم ذلك المطلب.
ومن الأمثلة على تلك الأصوات يمكن ذكر آلن توفلر مؤلف كتاب"صدمة المستقبل" وجاك أتالي في كتاب"القول والفعل" وميشال كروزييه في"التحدي الاميركي" وصاموئيل بيزار في"أسلحة السلام" وموريس غورنييه "الفرصة الاخيرة أمام العالم الثالث"، وسياسيون مثل روبرت ماكنمارا مستشار الرئيس جون كينيدي لشؤون الامن القومي ورئيس صندوق النقد الدولي سابقاً والأمين العام السابق للامم المتحدة كورت فالدهايم، والمستشار الالماني السابق ويلي براندت، اضافة إلى ما لا يحصى من تقارير المؤسسات الدولية مثل"منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية"والبنك الدولي ونادي روما والمجلس الاقتصادي والاجتماعي للامم المتحدة وغيرها.
بيل غيتس والفجوة الرقمية
لعل أكثر الافعال السياسية الاميركية استجابة لمطالب العالم الثالث، وخصوصاً في مجال نقل التكنولوجيا، يتمثّل في ما حدث أيام الرئيس الديموقراطي السابق بيل كلينتون، الذي أولى"الفجوة الرقمية"Digital Divide التي تفصل بين العالمين النامي والمتقدم في المعلوماتية والاتصالات، إهتماماً فائقاً.
اعتمد كلينتون على البروفسور جون ليسيغ، استاذ المعلوماتية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا. ويميل ليسيغ إلى اعلاء مبدأي الحرية والعدالة كأساس للعمل المعلوماتي عالمياً، مما يعني فتح المعارف امام الشعوب وكذلك لجم ميل الشركات العملاقة إلى الممارسات الاحتكارية.
وناوأ ليسيغ، على سبيل المثال، اصرار بعض شركات الكومبيوتر على الاحتفاظ بالاسرار العلمية لنُظم تشغيل الحاسوب، التي تعتبر اساس عمله.
وفي هذا السياق جاءت المعركة الشهيرة التي خاضها كلينتون، عبر محاكمة استمرت سنوات استناداً إلى قوانين منع الاحتكارات في اميركا، ضد امتناع شركة مايكروسوفت عن كشف شيفرة المصدر لنظام التشغيل"ويندوز" Windows.
ومثّل البروفسور ليسيغ العقل المفكر لهذه المحاولة في تعميم المعرفة. وفي عهد كلينتون ايضاً، توصلت بعض الشركات إلى نوع من حل وسط في مسألة نقل التكنولوجيا عبر ما يعرف تقنياً باسم"تصدير المصدر"Out Sourcing . وقد استفادت الهند من هذا الحل، فشكل أساساً في نموها المعلوماتي، بحيث بات هذا القطاع بحجم 17.7 بليون دولار راهناً.
انه نموذج عن نجاح فكرة نقل التكنولوجيا، ولو انه جزئي ويحتاج إلى تقويم أكثر عمقاً مما يسمح به هذا المقال.
ونورد تلك الأمور في محاولة للوصول إلى بعض الاشياء الاساسية التي أوصلت مساعي كثيرة لحل مسألة الهوة الرقمية، إلى الفشل. وليس من المجازفة القول ان احد تلك الاسباب يتمثل في الانزلاق المتواصل نحو فصل موضوع ادماج التكنولوجيا الرقمية اي علوم الكومبيوتر والانترنت والاتصالات المتطورة في سياق عملية تجديد بنى الدول النامية وخصوصاً في الاقتصاد والتعليم بحيث تقدر اقتصادياتها على تحقيق طفرة حضارية تنتشل تلك الدول من واقعها المتخلف، وما يتضمنه من ديون هائلة وفقر وانكماش علمي وجوع وتكلس في البنى السياسية والاجتماعية …الخ.
وبقول آخر، فإن غياب التنبّه الى العلاقة بين"الفجوة الرقمية"وپ"الفجوة في التنمية"بعضهم يسميها الفجوة الحضارية يقف في صلب ذلك الفشل.
ومع إفراغ"الفجوة الرقمية"من سياقها التاريخي والاجتماعي، مالت النقاشات الى الدخول في حلقات غير مُجدية، وخصوصاً ذلك الميل لتقليص الفجوة الرقمية الى مجموعة من الأرقام عن التقنية وتفاصيلها وأدواتها وشبكاتها ومكاتبها وأرقامها المالية وغير ذلك. وبدل التنمية، صارت ادارة الحركة الالكترونية على الانترنت ومسألة اعطاء اسماء المواقع وعناوينها وهي مسألة مهمة، لكنها سياق آخر، مثلاً، هي الاساس! ولعل ذلك يُفسّر، ولو جزئياً، الاهتمام السعودي بحديث بيل غيتس، ابان زيارته للمملكة، بالعلاقة بين المعلوماتية والتنمية. راجع"الحياة"بتاريخ 8/11/2006
عند هذه النقطة، يعود الكلام مُجدداً إلى كتاب"التحدي العالمي"الذي لمس ملمحاً مهماً في هذا السياق، هو دور العنصر الذاتي في التخلّف.
وبعبارة أُخرى، فان الشعوب المتخلفة تتحمل أيضاً جزءاً كبيراً من تخلفها. يتحدث كتاب شرايبر مثلاً عن فساد انظمة الحكم في العالم الثالث، وعلاقتها مع استمرار التخلف اضافة إلى علاقات التبعية للغرب في تلك الدول.
ويعطي امثلة ذات دلالة، منها تجربة ديزيريه موبوتو سيسيسيكو، الذي أطلق على نفسه إسم"كيوكا ناغاباندو وازا بانغا"، وترجمته"المُحارب القوي، قاتل الدجاجات وسائر الأشياء الأنثوية الأُخرى"!
قد لا يتسع المجال لاستعراض هذا البعد تحديداً، واللصيق الصلة بالسياسة في معناها المباشر.
وفي المقابل، فقد بات شائعاً، وخصوصاً في عالم المعلوماتية، القول بفشل دول العالم الثالث في الخروج من التخلف.
وطريّ في الذاكرة، ذلك الفشل المدوي الذي حاق بپ"قمة مجتمع المعلوماتية العالمية"التي كرّستها الأمم المتحدة في شأن الفجوة الرقمية، والتي استضافت تونس حلقاتها الثانية العام الماضي. ولم تلمس تلك القمة مسألة العنصر الذاتي في الفجوة، ولو من بعيد! ويشمل هذا العنصر أيضاً مسائل مثل انظمة الحكم والديكتاتورية والديموقراطية والخيارات الكبرى في مجال السياسة العالمية وصلاحية النظام في ادارة البنى الاجتماعية وغيرها.
[email protected]
سيرة موجزة
وُلد جان جاك سرفان - شرايبر في باريس في 13 شباط فبراير 1924، فكان بكر أبيه اميل سرفان - شرايبر، مؤسس صحيفة"لي زيكو".
في عام 1943، أثناء دراسته في"معهد البوليتكنيك"، انضم الى"قوات فرنسا الحرّة"التي تزعمها الجنرال شارل ديغول، وسافر الى الولايات المتحدة ليتدرب طيّاراً حربياً، ومع ذلك، لم يُشارك في معارك الحرب العالمية الثانية.
آمن مُبكراً بعدم جدوى الميول الاستعمارية لفرنسا، وكتب مُعارضاً الحرب في الهند الصينية. وأدت تلك المعارضة الى تعرّفه الى بيار ميندس، الذي صار رئيس وزراء فرنسا لاحقاً.
تحت رعاية ميندس، شارك شرايبر في تأسيس مجلة"اكسبرس"الاسبوعية مع فرانسوا غيرو، التي ظهرت أولاً كملحق لجريدة"لي زيكو". وسرعان ما تحوّلت الى"اكسبرس"الى ملتقى للنخبة من المثقفين الفرنسيين، فشارك فيها جان بول سارتر واميل كامو وفرانسوا مورياك واندريه مارلو وغيرهم.
في عام 1956، ألف كتاب"مُلازم في الجزائر"الذي فضح فيه الوحشية الفرنسية تجاه الجزائريين، وتصادم مع ميندس. ولم يقرّبه ذلك الى ديغول، فعارض عودته الى السلطة عام 1958.
في العام 1964، حوّل الى"اكسبرس"الى مجلة اسبوعية على نسق"تايم"الاميركية. واهتم بالتكنولوجيا الإلكترونية وبحركة تحرر المرأة.
في عام 1967 للفرنسيين أنّ القوة الحديثة تكمن في القدرة على الابتكار، بمعنى آخر البحث، والقدرة على قولبة هذه الابتكارات في منتجات معينة، والمقصود هنا التكنولوجيا.
شهدت ستينات القرن العشرين صعوداً قوياً لنجم شرايبر، ودخل المعترك السياسي فأسس"الحزب الراديكالي". وانتخب نائباً عن منطقة اللورين. واشتهر بدعوته الى الاستقلال السياسي والاستراتيجي لأوروبا عن الولايات المتحدة. ومدّ خيوط الصداقة القوية مع القوى الصاعدة في الشرق، خصوصاً اليابان. وعُرف بصداقاته المتينة في العالم العربي، وخصوصاً مع الملك فيصل بن عبد العزيز.
نشر كتاب"التحدي الأميركي"عام 1967 وأظهر فيه تنبهاً مُبكراً للأهمية الحاسمة للتكنولوجيا الإلكترونية بوصفها عنصر القوة الاستراتيجي للقرن المُقبل. وحضّ الفرنسيين والأوروبيين على التقاط الفرصة التي تتيحها تلك التكنولوجيا، إضافة الى العلاقات الوطيدة مع دول البترول والعالم الثالث، لصنع قطب سياسي دولي مواز للولايات المتحدة.
على رغم ميوله اليسارية، عُرف بسوء علاقاته بجورج مارشيه، الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي الفرنسي.
في عام 1980، ظهر مؤلفه الأشهر"التحدي العالمي"الذي راهن فيه بقوة على صعود اليابان الى مركز القوة العالمية بفضل قدراتها في الكومبيوتر والحوسبة الإلكترونية.
حاول تأسيس مركز للتكنولوجيا المعلوماتية في فرنسا، ليكون مركزاً عالمياً في تلك التقنية ولم يكتب له النجاج.
عمل مستشاراً في الظل لدى الرئيسين فرانسوا ميتران وفاليري جيسكار ديستان.
في منتصف الثمانينات من القرن العشرين، انسحب من الحياة السياسية. ثم أُصيب بمرض ألزهايمر. وقضى سنواته الأخيرة في العتمة. ثم غاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.