ما الذي ارادته الدول النامية من هذا النقاش غير المجدي عن ادارة الانترنت؟ لو اعطيت الشبكة الدولية بالكامل الى تلك الدول، فهل تستطيع ادارتها بصورة كفيّة حقاً؟ لعل هذه الأسئلة، وما يشبهها، لا يصل الى عمق الأزمة الفعلية التي كانت في خلفية مشهد"القمة العالمية لمجتمع المعلوماتية"، التي تختتم اليوم الجمعة في تونس. ويكفي تذكر أن الأصل في المشكلة هو ان المعلوماتية مطلوبة لكي تُخرج العالم الثالث من دوامة التخلف. وفي هذا المعنى، يمكن وصف هذه القمة بأنها مجرد فصل بائس آخر في المهزلة - المأساة للعلاقة بين العالمين الغني والفقير. لعل الاكثر دلالة على بؤس ما توصلت اليه القمة يتمثل في الضجيج الاعلامي الضخم الذي رافق الاعلان عن كومبيوتر محمول، يدار باليد، رخيص، تباهت به الاممالمتحدة بقوة. ووقف أمينها العام كوفي أنان متباهياً به مع البروفسور نيكولاس نيغروبونتي، من معهد ماساشوستس. هل يصدّق انان حقاً ان هذه"اللعبة"الجميلة ستحل مشاكل العالم الثالث في التنمية، التي لم ينجح العالم في حلها منذ ستينات القرن الماضي؟ والاغلب ان الحل"الوسط"الذي توصلت اليه القمة في شأن ازمة ادارة الانترنت، ليس سوى تعبير عن البؤس الذي وصلت اليه هذه العلاقة في العصر ما بعد الصناعي. ليست المشكلة ان هذا الحل ابقى الانترنت في يد اميركا. ليست المشكلة في ان العالم تحوّل الى ضيف رسمي مكرس، يملك بعض الحق في مجرد الكلام، على مائدة مؤسسة"ايكان"الاميركية التي تدير بقبضتها الهائلة شبكة الانترنت. هل تصدق القمة ان بعض زوار من العالم الثالث، ليس بإيدهم الا كلمات، وكومبيوتر يدوي سيدخل القارة السمراء مثلاً في تنمية تخلصها من التخلف والفقر والفساد والجوع والتصحر والديون الفلكية الارقام التي تراكمت بأثر من الهيمنة الاستعمارية وفساد الحكام المحليين هؤلاء كان همهم الأساسي مصالح فئة مهيمنة ضيقة، والحصول على رضى الشركات الغربية، وتمزق البنى الاجتماعية كافة وتخلفها الهائل؟ اين نضع تلك القمة العاثرة في القائمة المؤلمة من الحلول اللامجدية التي اثارت غالباً ضجيجاً عالياً، مثل"نادي روما"وپ"حوار الشمال والجنوب"وپ"نادي باريس"وغيرها، وحركت آمالاً عراضاً في بعض الاحيان، مثل"المبادرة الاستراتيجية الطويلة الامد"التي صاغتها"منظمة الدول المصدرة للنفط"اوبيك في الثمانينات من القرن العشرين؟ لم تنجح محاولة استخدام كتلة البترودولار لتنمية العالم الثالث، في حل مشكلة التفاوت بين العالمين المتقدم والثالث، فهل ستنجح حلول مهلهلة وكومبيوتر يدوي، في حل ذلك التفاوت عينه؟ من المأسوي القول إن دول العالم الثالث وحكامها لعبوا دوراً اساسياً في هذا الفشل العميق! ولأسباب سياسية متشابكة ومعقدة، دخل هؤلاء الحكام في تلاعبات اختزلت التفاوت، أي ازمة التنمية في العالم الثالث، في"فجوة رقمية". ثم اختزلت تلك الفجوة الى ارقام عن اعداد الكومبيوتر والهواتف والخلويات. واخيراً، اختزلت تلك الازمة الهائلة الى نقاش عقيم عن ادارة الانترنت، والى تفاؤل بالكومبيوتر اليدوي، والى صندوق لنشر الانترنت في الدول المتخلفة، لم يجمع سوى فتات الأموال! مأساة الديموقراطية رقمياً مثلت الديموقراطية وجهاً آخر لأزمة العالم الثالث في تلك القمة. وبدت الديموقراطية احياناً وكأنها الرد العملي على مطالبة الدول النامية بزيادة حصتها في ادارة الانترنت. وفي هذا المعنى، لم تنج الدولة المضيفة من هذا النقد. ففي تقرير رافق"القمة العالمية لمجتمع المعلومات"، كشفت منظمة"هيومن رايتس ووتش"، التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، عن سجن مستخدمين للانترنت وحظر مواقع الكترونية عدة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وأوردت المنظمة وقائع عن"الرقابة على الانترنت... وتوقيف مستخدمين للانترنت بسبب انشطتهم في دول المنطقة، بما فيها تونس وايران وسورية ومصر". وأشارت الى اغلاق اول موقع انترنت للاخوان المسلمين، التي اعتبرتها"اكبر مجموعة معارضة في مصر". كما ذكّرت باعتقال مستخدم الانترنت عبدالكريم نبيل سليمان في 26 تشرين الاول اكتوبر الماضي في الاسكندرية لانه انتقد مثيري شغب مسلمين، هاجموا كنيسة في تلك المدينة. وأشارت الى"سياسات متناقضة حيال الانترنت"في المنطقة. ووضعت تلك المنظمة تقريرها على اساس تحليل"آلاف مواقع الانترنت"ومقابلات مع كتاب وناشطين في مجال حقوق الانسان، اضافة الى مستخدمي الشبكة الالكترونية عربياً. وورد فيه ان تونس"لا تزال تسجن الافراد الذين يعبرون عن آرائهم على الانترنت وتلغي المواقع الالكترونية التي تنتقد الحكومة... وفي سورية، تراقب السلطات بسهولة المعلومات والمراسلات بفعل قانون الطوارىء المعتمد منذ اكثر من أربعين عاماً... وكذلك فإن قوات الامن السورية تحتجز مجموعات من مستخدمي انترنت وتعزلهم عن العالم الخارجي وتقوم بتعذيبهم لأنهم يروون قصصاً لا تريد الحكومة كشفها". ولاحظ التقرير ان حكومات الشرق الأوسط وشمال افريقيا"تسعى الى تسهيل نشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات... لكنها تبقي سيطرتها على التداول في المعلومات". واعتبر ان" الانترنت تقدم فرصاً جديدة لحرية التعبير والاتصال في الدول التي تكمّ فيها الحكومة الصحافة".