تجدد النقاش في الأردن حول قرار فك الارتباط الذي اصدره العاهل الأردني الراحل الملك حسين عام 1988 والقاضي بفك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربية التي ارتبطت بالمملكة الأردنية الهاشمية بوحدة فيديرالية منذ العام 1950، ووضع قرار قك الارتباط فاصلاً قانونياً بين الجنسيتين الأردنيةوالفلسطينية باعتباره كل من كان يعيش في الاراضي الفلسطينية قبل صدور القرار مواطناً فلسطينياً وإن كان يحمل جواز السفر الأردني. وجاء قرار العاهل الأردني الراحل بعد خلافات مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وضغط خارجي، لكن النظام الأردني لم يتخذ الاجراءات الدستورية بوضع قرار فك الارتباط في شكله القانوني الصحيح على رغم مرور 18 عاماً، مما أبقى النقاش حول العودة عنه موسمياً، مع ان الملك حسين نفسه رفض دعوة عرفات الى علاقة جديدة بعد توقيع اتفاقية أوسلو عندما قال له عرفات:"الكونفيديرالية في جيبي يا جلالة الملك"فرد عليه الملك حسين:"خليها في جيبك"، وهذا ما يؤكد عليه الملك عبدالله الثاني:"العلاقة المستقبلية مع فلسطين مؤجلة الى ما بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة". لكن السؤال في الاوساط الأردنية يدور حول مغزى التصريحات المفاجئة لوزير الداخلية الأردني عيد الفائز حول تشكيل لجنة حكومية لپ"بحث بعض القرارات المتخذة على خلفية قرار فك الارتباط ومراجعة سوء تطبيق التعليمات"، وهل هذا يعني تمهيداً أردنياً للعودة الى القدس أم أن تصريحات الوزير حملت أكثر مما تحتمل، لا سيما انه عاد لإيضاحها بقوله:"انها تصويب لبعض الاجتهادات الخاطئة". وبحسب مصدر رسمي أردني في حديث الىپ"الحياة"فإن تصريحات وزير الداخلية تعني مراجعة حالات محددة لا يتجاوز عددها 55 حالة سحب جنسية شابها الغبن، لكن الاوساط الأردنيةوالفلسطينية لم ترتح لتلك التصريحات التي ترافقت مع تصريحات لمدير دائرة الاحوال المدنية والجوازات العامة المعنية بشؤون الجنسية الجنرال المتقاعد من دائرة المخابرات العامة ماهر مدادحة:"سيتم تمديد مدة جوازات السفر الأردنية الموقتة المعطاة الى ابناء قطاع غزة من سنتين الى خمس سنوات". والمعروف ان الحكومة الأردنية تؤكد دائماً ان لا أطماع لديها في الضفة الغربية وان جواز السفر الأردني لا يعني الجنسية بل يعني تسهيل تحركات حامله. والملاحظ ان جماعة الاخوان المسلمين التي كانت أول من عارض قرار فك الارتباط عند صدوره غيرت رأيها فيه، خصوصاً بعد فوز"شقيقتها"حركة المقاومة الاسلامية"حماس"في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، اذ قال المراقب العام للجماعة سالم الفلاحات لپ"الحياة":"لا نعرف أبعاد تصريحات الوزير لكننا نعتقد ان القضية فيها مستجدات كثيرة، والامر يحتاج الى اعادة دراسة ومراجعة لمعرفة مصلحة الطرفين في القرار". وينفي الفلاحات ان يكون موقف جماعته من القرار جزءاً من الثوابت الوطنية او الشرعية، كما يرفض تغيير موقف الجماعة منع بفوز"حماس"وتشكيلها الحكومة الفلسطينية غرب النهر. ويبدو ان الموقف الجديد للحركة الاسلامية في تخفيف لهجة المعارضة لقرار فك الارتباط لقي ارتياحاً لدى الحكومة الاردنية التي تتخوف من تمدد جماعة الاخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية المنتظرة في الصيف المقبل، بعد تنامي التسريبات الصحافية عن دراسات تجريها الحكومة لتأجيل تلك الانتخابات والتمديد للبرلمان الحالي خوفاً من سطوة الاسلاميين وإمكان فرض تشريع بالعودة عن قرار فك الارتباط، لتشبيك العلاقة الأردنية - الفلسطينية من جديد وعلى اسس اسلامية سياسية يقودها الاخوان المسلمون على ضفتي النهر. الرأي العام الأردني انقسم حول الحديث عن العودة عن قرار فك الارتباط واعتبرت غالبيته ان الظروف الاقليمية والعملية السياسية والديموقراطية القائمة في اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية قد تجاوزها الزمن، وأصبحت العودة عن القرار من رابع المستحيلات، على الأقل الى الشكل السابق. وفي المقابل هناك اطراف فلسطينية وأردنية قليلة تدعو الى عودة الخيار الأردني كخيار قومي لا فكاك منه او كحل للأزمة التي دخلتها القضية الفلسطينية في السنوات الاخيرة، وفي الوقت نفسه فإن هذا التوجه يلقى استحساناً أميركياً ودعماً اسرائيلياً، ويقع في الوسط من هذين الطرحين موقف الغالبية من الأردنيينوالفلسطينيين الذين يرون ان الأولوية لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعندها يمكن الحديث عن الخيار الأردني من خلال العودة الى الفيديرالية او قيام كونفيديرالية جديدة، وفي الوقت نفسه فإن الاطراف كلها تعتقد ان القرار لا بد من ان يأخذ شكله القانوني عبر تشريع يقره البرلمان لأن"التنازل عن الضفة الغربية لا يكون الا بقانون تصدره السلطة التشريعية ويوافق عليه الملك". ويعبر عن الخيار الاول وزير الاعلام الأردني الأسبق صالح القلاب الذي قال لپ"الحياة"ان التطورات السياسية أثبتت ان قرار فك الارتباط كان صحيحاً وان لا عودة عنه الآن". ويعلل القلاب رأيه بأن القرار الذي اتخذه الملك حسين عام 1988 جاء استجابة لرغبة ممثلي الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية. ويتفق مع هذا الرأي رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري الذي يعتقد ان شكل العلاقة الأردنية -الفلسطينية السابقة تجاوزها الواقع بعد اتفاقية اوسلو وإنشاء السلطة وقيام الانتفاضة الاولى والثانية وترسيخ مبدأ الفك بين الدولتين. وقال لپ"الحياة"قرار العودة عن فك الارتباط اصبح غير ممكن والضجة حول الموضوع ليست في مكانها ولا في وقتها الصحيح. لكن المصري يدعو الى شكل جديد من العلاقة بين الدولتين يتناسب والمستجدات الاقليمية في المنطقة. ويرى أيمن المجالي الذي سبق ان شغل منصب نائب رئيس الوزراء كان من الشخصيات المقربة من الملك حسين بحكم وظيفته رئيساً للتشريفات الملكية، ان القرار اتخذته القيادة الأردنية جاء بضغط خارجي والعودة عنه لا بد من ان تأتي بضغط خارجي"على رغم انني وجدانياً مع الوحدة الا ان ظروف الاحتلال منذ 1967 خلقت وضعاً نفسياً مختلفاً بين من هم في الضفة الغربية وبين سكان الاردن بمن فيهم الاردنيون من أصول فلسطينية". ويشير المجالي الى تجربته الى جانب الملك حسين"ان عرفات لم يكن يسعى الى وحدة مع الأردن، عكس الملك حسين الذي كان حلمه وحدة الضفتين". ويعتقد المجالي ان الظروف المحلية والاقليمية تجاوزت قرار فك الارتباط ووضعت الكثير من العقبات أمامه، وأصبح الخطر يهدد الطرفين الأردنيوالفلسطيني. ويمضي المجالي ليقول:"ليس من السهل ان تدمج شعباً في مرحلة الثورة مع شعب آخر يعيش مرحلة الدولة"... ومن جانبه فإن وزير الاعلام الأردني الأسبق عدنان ابو عودة يعتبر ان تصريحات وزير الداخلية أعطيت اكبر من حجمها وهي جاءت لمعالجة حالات محددة، ويقول لپ"الحياة":"قرار فك الارتباط كان عملية جراحية اقرب الى البتر منه الى التفكيك في العلاقة مع الضفة الغربية، ولا شك في ان عملية البتر يصاحبها آلام كبرة وصعوبات صحية، وظهر ذلك جلياً من خلال التطبيق العملي لقرار فك الارتباط". ويعتقد ابو عودة، وهو من أبرز الوجوه الأردنية من اصول فلسطينية التي لعبت دوراً سياسياً في مرحلة الملك حسين، ان"لا عودة عن قرار فك الارتباط بالشكل الفيديرالي السابق، واي كلام عن ذلك سيكون نتاج الحال الفلسطينية وليس من الحاجة الأردنية، وأي شكل جديد للعلاقة لن يتجاوز الشكل الكونفيديرالي بين دولتين". وكانت العلاقة الأردنية مع الضفة الغربية مرت بمرحلة الفيديرالية التي أنهاها احتلال اسرائيل للضفة الغربية عام 1967، وبعدها سعى الأردن في عام 1972 الى طرح مشروع المملكة المتحدة وهو شكل فيديرالي رفض فلسطينياً واسرائيلياً، وجاء بعده توقيع اتفاقية"الكونفيديرالية"مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في شباط 1985 ثم تراجع عنها عرفات لاحقاً بضغط فلسطيني وعربي، وأنتج ذلك التراجع قناعة أردنية بأن زمن الفيديرالية الأردنيةالفلسطينية ولى الى غير رجعة وأسس ذلك لصدور قرار فك الارتباط عام 1988. وعلى رغم ان الاطراف الأردنيةوالفلسطينية تشير الى ان الظروف المحلية والاقليمية تجاوزت الشكل الاتحادي في العلاقة الأردنية - الفلسطينية، الا ان شكلاً جديداً من العلاقة بين الدولتين يبقى الخيار الوحيد الذي لا بد من ان يقرره الشعبان بأسلوب ديموقراطي، لكن التساؤل يبقى مشروعاً: لماذا لم يأخذ قرار فك الارتباط شكله الدستوري والقانوني على رغم مرور 18 عاماً على صدوره؟