ضربت أسعار الاسهم في الولاياتالمتحدة رقماً قياسياً قبل ايام، حين انتهى يوم التعامل وقد تعدى المؤشر الخط النفسي والرقم القياسي ووصل الى اكثر من 12100 نقطة. واستثمرت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش هذا الحدث الى اقصى درجة ممكنة حتى تعوض فشلها في تحويل سياستها السيئة في العراق وأفغانستان الى حرب ضد الارهاب. وها هو وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يترنح، وكثير من اعضاء الكونغرس الجمهوريين ينأون فأنفسهم عن الادارة الحالية. لقد كانت استراتيجية دعم الاقتصاد وتبييض صفحته في الايام التي تسبق موعد الانتخابات في الاسبوع الاول من تشرين الثاني نوفمبر المقبل الشغل الشاغل للادارة الاميركية. فقد امتنع رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي بن برنانكي عن رفع اسعار الفوائد. ولذلك تحسنت التوقعات في سوق البورصة، وأقبل الناس على شراء الاسهم بكثافة. وبالطبع، فإن كثيراً من استثمارات الافراد الاميركيين وأموالهم التقاعدية توضع في محافظ الاسهم، ما يعني ان ارتفاع اسعارها يشعرهم بالثراء، ويجعلهم يقبلون في شكل اكبر على الانفاق بشقيه الاستهلاكي والاستثماري. ومما دعم هذا التحول ان ارتفاع سعر برميل النفط في السنوات الاخيرة جاء في معظمه نتيجة لظروف العرض والطلب الاميركي على هذه المادة الاستراتيجية. وصار واضحاً ان التأثير الاميركي سياسياً واقتصادياً على اسعار النفط يفوق تأثير منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك. ولا أدل على ذلك من ان قرار المنظمة في اجتماعها قبل ايام بتخفيض كميات الانتاج 1.2 مليون برميل يومياً لم يمنع هبوط اسعار النفط في اليوم التالي بمقدار 1.6 دولار للبرميل الواحد. ولهذا، فإن الادارة الاميركية نجحت في تخفيض سعر غالون البنزين في محطات الوقود الاميركية من 3.2 دولار الى 2.2 دولار، أي بمقدار دولار، ولهذا، فقد شعر الاميركي انه صار اكثر غنى ودخلاً. ومن هنا زاد اقباله على الاستهلاك، خصوصاً في هذا الموسم الذي يحتفل فيه الاميركيون بعيدي الشكر والميلاد، وهو موسم الانفاق الاكبر. وكذلك، رأينا ان الادارة الاميركية عمدت الى وضع سياسات لتشجيع شراء العقارات من طريق منح المزيد من التسهيلات للمستثمرين، خصوصاً بعدما تراجع هذا القطاع الحيوي في الربع الثاني من العام لجهة حجم المبيعات ومستوى الاسعار. ولهذا، فإن استخدام الاقتصاد كوسيلة سياسية صار نهجاً تتبعه ادارة بوش التي تتناسى ارتفاع حجم العجز في الميزان التجاري الى اكثر من 500 بليون دولار، وتغض النظر عن العجز، في الموازنة العامة الذي قد يصل الى 600 بليون دولار، والى تنامي المديونية الداخلية والخارجية الى 13 تريليون دولار. ولهذا، فإن انتعاش سوق البورصة قد يكون حالة موقتة وموسمية هدفها تحقيق غرض سياسي. وما ان ينتهي موسم الانتخابات، وينتهي موسم الاعياد، فقد يشهد العام المقبل تحولات جديدة تكشف حقائق الواقع الاقتصادي في الولاياتالمتحدة. وبالطبع، فإن مجلس الاحتياط الفيديرالي قد يضطر في حال ارتفاع الاسعار الى رفع اسعار الفوائد ثانية، مما سيكون له اثر مباشر وسلبي على اسعار الاسهم وأسعار العقارات، وهذا قد يؤدي الى تراجع مؤشر البورصة. وكذلك، فإن احتمالات عودة أسعاد النفط الى الارتفاع تبدو محتملة، على رغم ان الراصدين الجويين يتنبأون بشتاء معتدل في الولاياتالمتحدة. وأمام هذه الحقائق، لا بد للمستثمر العربي الذي قد تغريه ارتفاعات الاسهم في البورصة الاميركية الى العودة الى هنالك بقوة. ولكن الحذر مطلوب، وذلك لأن الاسعار قد لا تكون بدأت نمطاً جديداً نحو الارتفاع المتجدد في الايام المقبلة، بل ربما تشهد هذه الايام ذروتها، ما يعني ان الشراء قد ينطوي على مخاطرة عالية واحتمالية الخسارة. ولا ننسى ان التحسن في سعر الدولار حيال العملات الرئيسية الاخرى مثل اليورو وكذلك حيال الذهب قد لا يستمر لأنه يعني توسعاً في العجز التجاري، ومن ثم انتكاسة في سعر الدولار. ان المستثمر العربي حصيف وذكي. ولكن الحرص من الاندفاع بسرعة نحو الاستثمار في البورصات الاميركية مطلوب جداً في هذا الموسم السياسي الخادع. * خبير اقتصادي - "البصيرة للاستشارات".