يبدو ان الزمن الذي كانت فيه الفتاة تخشى ارتداء الملابس المعرية لبعض اجزاء الجسد، لانعكاس ذلك على صورتها، ولّى. فالموضة تنزع الى "تعرية" النساء اكثر فأكثر، ومن دون تمييز بين الأعمار، ومشهد الفتاة او السيدة العارية البطن وغيره، اصبح مألوفاً الى حد لم يعد معه يلفت النظر احياناً. والواضح ان هذا الواقع يعكس تطوراً عميقاً يطاول العقليات في صورة عامة. تضحك ايلين 45 عاماً، صاحبة محل ألبسة نسائية في احدى ضواحي بيروت، وهي تقول: "اذا استمرت الموضة على منوالها الحالي، فستكون ثياب الفتيات خلال فترة قصيرة عبارة عن نقاط ليس اكثر". ولا يخفى ان ايلين تشير في قولها هذا الى نزوع الموضة النسائية في اتجاه العري المتزايد. قبل سنوات، كانت التنورة القصيرة حكراً على عدد محدود من الاناث، اما الآن فترى القصير والضيق والصدور المكشوفة كما البطون، في كل مكان من لبنان حيث "الداخليات" ترتفع احياناً عن "الخارجيات". والواضح ان الفتاة لم تعد تفكر كثيراً في نظرة المجتمع حينما تختار ملابسها. وترى الكثيرات ان الثياب حالياً، بصرف النظر عن مدى تعريتها للجسد، عملية وجميلة. "انا ارتدي ما يريحني ويناسب شكلي، ولا تهمني مواقف الناس"، تقول رانيا 26 عاماً، موظفة التي تصر على اتباع آخر صيحات الموضة المعرية. وتضيف: "لا آبه الى نظر الآخرين، وأقول ان المهووس في النظر الى المرأة، سوف يفعل ذلك ولو كانت مغطاة من رأسها الى اخمص قدميها". وترى ان الفتاة اصبحت اليوم انسانة حرة لها ان تتصرف بمظهرها كما تشاء. ولا تنفي رانيا تعرضها الى مواقف محرجة احيانا، "ولكنني اعرف كيف اقمع من يعتبر ان طريقة لباسي تسمح بالتمادي في التعاطي معي وان بالكلام". وجهة نظر رانيا تتبناها غالبية النساء اليوم في لبنان، بصرف النظر عن العمر. لوسيا 24 عاماً، كانت ترتدي تنورة قصيرة جداً وقميصاً عاري الصدر في باص نقل مشترك، حينما سألناها عن طريقة لباسها: "انا حرة وليس من حق احد الحكم علي من أسلوبي في اللباس، المهم ان انظر في المرآة واشعر بأنني جميلة، وهذا يريحني نفسيا وينعكس على عملي". وتعتقد لوسيا ان الذين ينتقدون طريقتها في اللباس "يفعلون ذلك من غيرتهم فقط". وفي السياق عينه، تقول جوسلين 45 عاماً، ربة منزل انها ترتدي الشورت والقميص الديكولتيه حينما تشعر بالحر، وترى "ان على الناس تقبل الفكرة اذ ان جسد المرأة، كما جسد الرجل بالنسبة اليه، من طبيعتها ولا يجب الخجل من اظهاره، وعلى المجتمع تقبل خيارات الجميع في موضوع الثياب وغيرها". ولكن فكرة حرية التصرف التي تغلب على اجابات النساء في ما يتعلق بموقفهن من الموضة المتجهة الى مزيد من العري، لا تمنع وجود من يهوين الثياب "الجريئة" لأنها تلفت الأنظار اليهن. نادين 21 عاماً، طالبة جامعية من هؤلاء، وتقول: "أحب تعليقات الشبان الذين تجذب ملابسي انظارهم، خصوصاًعندما تكون تعليقات مهذبة". وتوافقها الرأي زميلاتها المتحلقات حولها بحللهن المتنافسة في عري البطون والصدور، فضلاً عن البنطالات الضيقة التي ترسم ملامح الجسد بدقة كبرى. وتقول احداهن: "لا اكترث البتة الى التعليقات، ولا يهمني ان يقال ان ملابسي غير مناسبة للجامعة، اريد ان اكون مرتاحة، وهذا أهم شيء". وعلى مقربة من الفتيات، مجموعة من زملائهن الشبان الذين تجمع آراؤهم على ان الفتاة التي ترتدي ثياباً كاشفة للجسد تجذب النظر قبل غيرها. "اذا أراد الشاب التحرش بفتاة، فانه يذهب في اتجاهها اولاً"، يقول زياد 22عاماً، طالب من دون ان ينفي تفضيله للحشمة في الثياب لدى الفتاة التي يريد الوقوع في غرامها. ولكن الشبان باتوا مقتنعين بأن الثياب لا تعكس بالضرورة اخلاق الفتاة. موسى 23 عاماً، طالب، يؤكد ان سلوك زميلاته الفتيات اللواتي يرتدين الثياب الجريئة "محافظ أكثر من اللزوم احياناً، وأنا تعلمت الا احكم على احد من مظهره". في المحصلة، يبدو ان الثياب الكاشفة لأجزاء من الجسد دخلت في العادات، باعتبارها اصبحت شائعة ترتديها الصغيرة والكبيرة، ولم تعد تعني الشيئ الكثير لجهة شخصية وطبيعة الفتاة او السيدة، بخلاف ما كان عليه الوضع في الماضي حيث كان "تقصير" التنورة ينعكس عموما سلبيا على صورة من ترتديها. وأصبحت الثياب المعرية شائعة حاليا الى حد تجد معه الباحثة عن ملابس "محتشمة"، صعوبة في ايجاد ضالتها، ما خلا طبعاً اللباس "الشرعي" الذي يمكن ايجاده في محلات متخصصة. "لا أوافق كثيراً على طريقة لباس ابنتي ذات العشرين عاماً"، تؤكد ايلين، وتستدرك بالقول: "غير انني اعرف ان الموضة هكذا والناس تغيروا، واعرف ايضا من خلال مهنتي في بيع الملابس منذ عشرين عاما، ان المحلات لم تعد تعرض الا الثياب المعرية لان لا طلب تقريبا حاليا الا عليها". والواضح ان هذا الاتجاه في الازياء النسائية، يأتي في سياق تطور عام لا يقتصر على الموضة. "حصلت تغييرات كثيرة ومتسارعة اثرت على كل انماط الحياة، بما فيها طريقة اللباس"، يقول نزيه عبدو المتخصص في علم الاجتماع، مؤكداً ان "نظرة المجتمع الى اللباس تغيرت كثيراً، فلم يعد مثلا مفهوم الحشمة مرتبطاً به". وللأمر تفسير نفسي ايضا يشرحه الدكتوربيار منصور بالقول: "حينما تلفت الفتاة النظر الى مظهرها عبر إظهار اجزاء من جسدها او حين ترتدي ملابس ايحائية تظهر من خلالها مثلاً بعض ثيابها الداخلية، فإنما هي تعبر عن نضوجها العام والجنسي خاصة وعن انوثتها، تماما كما يمكن ان يعبر الشاب عن ذلك بالتدخين او السهر او قيادة السيارة بطريقة لافتة للنظر". ويضيف: "كل فتاة تمر بهذه المرحلة وتعبر عنها بطريقة ما، ولكن جاءت الموضة المحررة للجسد، لتصبح الطريقة الأكثر شيوعاً". اما عندما تكون المرأة قد تعدت سن المراهقة الى النضوج، يتابع منصور، "فيكون لباسها الكاشف للجسد نوعاً من مقاومة للضغوط الاجتماعية، وتعبيراً غير مباشر عن إرادة الحرية والتحرر، كما يكون تأكيداً لاستقلالها كانسان كامل لا يحتاج الى احد في اثبات ذاته". ويختم بالقول: "نحن في زمن نقترب فيه كل يوم اكثر من المساواة بين الرجل والمرأة في الانسانية، فهي باتت قادرة على الانتاج والاستقلال، الخ، وبالتالي لها ان تتخذ قراراتها كما تشاء، تماما كما الرجل، بما في ذلك ما يتعلق بجسدها". وفي رأي علم الاجتماع، يصيب التطور الحاصل الرجال ايضاً. ويقول عبدو في هذا السياق "ان الكثير من الرجال باتوا يتقبلون فكرة سيطرة الفتاة على مجريات حياتها ويحترمون خياراتها، بل ان مجموعة كبيرة منهم أصبحت تنجذب الى الفتاة ذات الشخصية المستقرة التي تتصرف من منطلق الوعي بانسانيتها وبالتالي حاجاتها. انهم ايضاً يريدون ان يتعاطوا مع المرأة من الند الى الند". ويستدرك بالقول: "طبعاً هذه ليست حال الجميع، ولكن الأمور تتطور في ذلك الاتجاه... ولا يجب ان ننسى ان وعي الذات وحاجاتها ليس حال جميع النساء ايضاً". وفي النتيجة، مهما كان الأمر، فان مشهد الفتاة ذات الجسد المكشوفة اجزاء كثيرة منه، اصبح شائعاً في شوارع لبنان الى حد بات معه احياناً لا يلفت النظر. وربما لذلك يبالغ بعضهن في التعري، ولكن، في رأي الجميع، "كل شيئ يزيد عن حده... ناقص". كريستين غسطين - الجامعة اللبنانية