أصيبت خطة تسلم القوات العراقية المسؤولية الأمنية تدريجاً في"المحافظات الهادئة"بانتكاسة كبيرة، حين سيطر جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر على مدينة العمارة، قرب البصرة، التي تسلمها العراقيون من القوات البريطانية في آب أغسطس الماضي. وقتل في الاشتباكات المستمرة منذ يومين 18 بينهم عشرة مسلحين وأصيب أكثر من مئة. على الصعيد الأمني ايضاً عاد التوتر الى مدينة بلد بعد مقتل 9 عراقيين في عمليات مذهبية انتقامية راح ضحيتها خلال الاسبوع الماضي 60 شخصاً. في واشنطن، أقر الرئيس جورج بوش ب"صعوبة"الوضع، وقال انه سيدرس إعادة النظر بالتكتيك في العراق، بالتشاور مع القادة العسكريين. مؤكداً ان زيادة عدد القتلى الاميركيين"سببه نشاط العدو". في غضون ذلك، وقعت شخصيات دينية شيعية وسنية"وثيقة مكة"التي تحرم الاقتتال المذهبي وتدعو الى وحدة المسلمين. ومع عودة التوتر الى بلد 70 كلم شمال بغداد بعد مقتل 9 بقصف بقذائف الهاون برز توتر آخر في العمارة حيث قتل 18 وأصيب أكثر من مئة في اشتباكات بين الشرطة وعناصر"جيش المهدي"الذين سيطروا على المدينة صباح أمس. وتجددت المواجهات مساء بعد انتهاء هدنة بين الطرفين لساعتين، فيما سارع رئيس الحكومة نوري المالكي الى ارسال وفد أمني للتحقيق في الاحداث وتهدئة الوضع، وفي الوقت ذاته وجه مقتدى الصدر رسالة الى انصاره دعاهم فيها الى التهدئة، كما أوفد أحد ممثليه للغاية ذاتها. ونفى موفد المالكي وزير الدولة لشؤون الامن الوطني شروان الوائلي سيطرة"جيش المهدي"على العمارة، ووصف التقارير التي ذكرت ذلك بأنها"ليست صحيحة ومبالغ فيها"، مؤكداً ان ما يحدث هناك"خطير". واعلن ناطق باسم وزارة الدفاع البريطانية في لندن أمس ان الجيش البريطاني مستعد للانتشار في العمارة لمساندة القوات العراقية في نزاعها مع"جيش المهدي"إذا لزم الامر. وكان الناطق باسم القوات البريطانية في البصرة الميجور تشارلي بربريدج أعلن ان قواته"وفرت غطاء جوياً للجيش العراقي"الذي استقدم سريتين لدعم الشرطة". ونفى بربريدج"سيطرة جيش المهدي على العمارة"الا انه اعترف أن"الوضع لا يزال متوترا جدا". وقال:"نتعاطى مع مجموعات مسلحة قوامها 200 الى 300 من عناصر هذه الميليشيات، ومن الصعب جدا السيطرة على هذه المدينة بواسطة 300 عنصر فقط". وذكر شهود ان عناصر"جيش المهدي"سيطروا على معظم شوارع العمارة والمباني الحكومية فيها بعد اشتباكات مع الشرطة استمرت يومين، أسفرت عن مقتل 18، بينهم 10 مسلحين. واعلن الشيخ عودة البحراني، مسؤول الاعلام في مكتب الصدر ان"موفده الشيخ مهند الغراوي اجتمع برؤساء العشائر في المدينة وبالمحافظ ورئيس واعضاء مجلس المحافظة لمناقشة الموقف وتحديد صيغة لتسوية الازمة". واكد مصدر في مكتب الصدر ان"المواجهات اندلعت على خلفية اعتقال شقيق آمر"جيش المهدي"في المدينة لدى استخبارات الشرطة الذين اتهموه بالضلوع في اغتيال مديرهم قبل يومين بانفجار عبوة مع أربعة من مرافقيه". وثيقة مكة في مكة وقعت شخصيات دينية سنية وشيعية، عقب صلاة التراويح أمس الجمعة"وثيقة مكة"المكونة من 10 فقرات وصفت بالشاملة والوافية لتأصيل علاقة صحيحة بين المذاهب الإسلامية، خصوصاً بين السنة والشيعة:"لا بغض فيها ولا اقتتال"، مرتكزة على"الثوابت المشتركة"، ومبتعدة من"نقاط"الجدل والاختلاف في"التفاصيل الفقهية". ولتحريم الاقتتال المذهبي ونبذ كل ما يقود إلى هذه الظاهرة الخطرة على مستقبل البلاد ووحدتها أرضاً وشعباً. وحظيت مبادرة منظمة المؤتمر الإسلامي التي أدت الى توقيع الوثيقة بقبول المرجعيات الدينية في العراق ومباركتها ودعت العراقيين الى التزام بنودها والعمل بمضامينها:"حقناً للدماء وإحباطاً لاقتتال مذهبي - طائفي يهدد العراقيين، وينعكس سلباً على أمن المنطقة". وكانت المنظمة أعلنت أن المبادرة جاءت بالاتفاق مع القيادات الروحية في العراق، وتشجيع حكومات الدول الأعضاء في المنظمة 57 بلداً مسلماً، مشددة على انها تعالج المستوى الديني الصرف بعيداً من أي مظلة سياسية محلية أو إقليمية. واقتصرت المساهمة الحكومية خصوصاً من العراق والمملكة العربية السعودية على تقديم"الدعم اللوجستي"المتمثل في التأييد وتهيئة سبل انعقاد مراسم التوقيع على الوثيقة. في واشنطن، اعترف بوش بأن الوضع في العراق"صعب". وقال في تصريحات الى وكالة"اسوشييتد برس"انه سيستشير القادة العسكريين ليرى إذا كان تغيير التكتيك ضرورياً لوقف العنف المتزايد. يذكر ان 74 جندياً اميركياً قتلوا في العراق خلال الشهر الجاري، وقد يكون الشهر الاكثر دموية بالنسبة الى القوات الاميركية في هذا البلد. وعزا بوش الزيادة في عدد القتلى الأميركيين الى ان"العدو ناشط وكذلك قواتنا". وأكد انه سيعقد مشاورات مع قائد القوات في الشرق الأوسط الجنرال جون ابي زيد، وقائد القوات المتعددة الجنسية في العراق الجنرال جورج كايسي. وقال:"إننا نعدل تكتيكاتنا باستمرار كي نحقق أهدافنا. والوضع الآن صعب". ورفض القول ما إذا كان التغيير ضرورياً. وأكد الناطق باسم البيت الأبيض جون سنو ان بوش لن يغير استراتيجيته، حتى لو عدل تكتيكاته. وأضاف انه"لن يعدل مقاربته للحرب بناء على معطيات سياسية".