ظهرت مشكلات حاسمة في ادارة اسرائيل للحرب أبرزها انتهاج الحرب النظامية الديموقراطية "ما بعد البطولية" على رغم القيود التي تفرضها، والتصرف على نحو يفيد العدو، والعمل على ضوء افتراضات واعتقادات غير ممتحنة، الخروج على المبادئ العسكرية الأولى وتردد القيادة السياسية عن الحسم. انتهاج الحرب النظامية الديموقراطية منذ عملية الليطاني، في 1978، تخوض اسرائيل غمار منازعات منخفضة الحدة، انطلاقاً من مبدأ الحرب النظامية الديموقراطية التي تقوم على ركنين: تجنب الخسائر في صفوفنا، وتجنب قتل المدنيين في صفوف الخصم. ومثل هذه الحرب حالت بين اسرائيل وبين جمع ادارة الحرب الفاعلة الى المحافظة على المعنويات العالية في اثناء المعارك. تحتم علينا ذلك في وجه خصم لا يزال يتبنى مثال الحرب البطولية ونموذجها، لا يتردد في التضحية بمقاتليه، ويسعى الى ايقاع أكبر عدد في مستطاعه ايقاعه في المدنيين. وانقضت مدة طويلة على اعمال اسرائيل الحرب النظامية الديموقراطية. وهي أعطت ثمارها في الحرب مع الفلسطينيين، على نحو أقل في الحرب على"حزب الله". وظهر قصورها أخيراً. ونجمت معضلة عن اضطرار اسرائيل، من وجه، الى التضحية بجنود ومدنيين في وقت واحد، في سبيل بلوغ أهداف عسكرية. ولكن الخروج عن قواعد الحرب النظامية الديموقراطية، من وجه آخر، كان يترتب عليه تقييد حركة اسرائيل العسكرية. والحق أن ما حصل هو ارتفاع الخسائر الاسرائيلية والخسائر المدنية اللبنانية معاً، على رغم الفرق الكبير بين الخسارتين. التصرف على نحو يفيد العدو: يسعى"حزب الله"، وهو منظمة وليس دولة، الى اصابة ثغرة في العدو المتفوق عليه عسكرياً وتكنولوجياً. وهذا يقتضي، تكتيكياً، خوض حرب أنصار عصابات على وحدات صغيرة من جيش العدو. وأما على المستوى الاستراتيجي الأوسع، فيتوسل بأعمال ارهاب يوجهها الى التجمعات المدنية، والى المنشآت الاقتصادية. وفي الحرب الأخيرة استخدم مقاتلو"حزب الله"طاقاتهم الدفاعية المتطورة، والاسلحة غير المعقدة، الى خطط مناورة ناجحة، وشبكة خنادق، وألفة بالمكان والسكان. وأعملوا هذه الوسائل في استدراج مجموعات صغيرة من الجنود الاسرائيليين الى اشتباكات في ظروف تلائمهم. وقدروا، من طريق صواريخ الكاتيوشا شل الحياة الاجتماعية والاقتصادية بشمال اسرائيل، وحمل السكان على الفرار وترك التجمعات السكانية المستهدفة، وأوقعوا خسائر في الأرواح والممتلكات. وأدى التلكؤ الاسرائيلي في ارسال أعداد كبيرة من القوات البرية تتمتع بقوة نار كثيقة ومرونة حركة، في وقت مبكر من الحرب، الى الإخفاق في وضع اليد على مصادر اطلاق الكاتيوشا، وفي بلوغ أهداف الحرب المعلنة، تالياً. العمل على ضوء افتراضات وتقديرات غير ممتحنة - ومن هذا الباب التعويل على سلاح الجو، في أعقاب سنوات من الدفاع عن صدارته وصرف الشطر الأكبر من موارد الدفاع عليه. فنشأت توقعات في صفوف القيادة السياسية والمواطنين معاً، لم يضطلع بها سلاح الجو كلها. فهو دمر صواريخ"حزب الله"البعيدة المدى، ولكنه عجز عن تدمير الصواريخ القصيرة المدى، وهي أوقعت الشطر الأعظم من الأضرار والخسائر. وافتراض قدرة سلاح الجو على حسم الحرب غير صائب. فالمعارك البرية لا تحسم من الجو وحده إلا حسماً تكتيكياً. ولبنان ليس كوسوفو. وعلى خلاف كوسوفو لم يكن الأميركيون ليرضوا بتدمير الأبنية التحتية اللبنانية على غرار ما صنع الأطلسي هناك. استعمال القوات الخاصة القليلة العدد والعالية الكفاءة - ولازم التعويل على القوات الجوية التوسل بالفرق الخاصة. ولا تتولى هذه احتلال أراض، فهذا دور تقليدي يناط بالقوات البرية. وعليها القتال على شاكلة وحدات مستقلة وقليلة العدد، والتنسيق مع سلاح الجو. وكان يتوقع أن تتولى الفرق الخاصة، بالتنسيق مع سلاح الجو، تدمير مواقع"حزب الله"، والسيطرة على أرض المعركة بقوة النيران الكثيفة. وهذه مهمة أنجزت جزئياً. وفي المقابل، شن"حزب الله"معركة واسعة، استراتيجية وتكتيكية، على مثال المعارك البرية التقليدية. وأظهر التنسيق بين التصميم والقدرات التكتيكية، واستخدام التكنولوجيا المتطورة والبسيطة، فاعلية لا شك فيها، ومرونة ميدانية مناسبة. لوثة التكنولوجيا وافتراض معلومات استخباراتية مثالية - ولا ريب في أن الجيش الاسرائيلي، طوال سنين، انبهر بالتكنولوجيا الأميركية الموجهة، وبثورتها المزعومة. وقوام هذه ايلاء جمع المعلومات الاستخباراتية ثم السيطرة على الخصم من طريق المناورة وتوجيه ضربات دقيقة الى الأهداف اللوجستية المركزية وهي بمنزلة الدماغ من الجسم. وأثر الانبهار، سلباً، في ادارة المعارك وجهاً الى وجه مع العدو، وفي الحرب الاستخبارية. وثبت أن برنامج القوات البرية الرقمي "زاياد"بالعبرية قاصر على تزويد القوات البرية بمعلومات استخباراتية دقيقة. فكانت هذه القوات تتحرك على غير هدى. وفاجأها تسلح العدو بالصواريخ المتطورة المضادة للدبابات، وصواريخ أرض - بحر. وأصابت منها تكتيكات"حزب الله"مقتلاً. والحق أن الإنصاف يقتضي القول ان تحويل القوات البرية قوات رقمية لم يبلغ غايته بعد. مراقبة أرض المعركة بدل احتلالها - وقاد الالحاح على قوة النار، نقيضاً للعمليات العسكرية الميدانية، الى الميل الى فكرة"السيطرة"على الميدان. وكانت هذه مقتصرة على الاطارين، الجوي والبحري. وترتب عليها العزوف عن احتلال الأرض والمواقع البرية. وثبت أن السيطرة قاصرة عن تدمير الابنية التحتية، وعن احراز الحسم العسكري. تنظيم الجهاز اللوجستي - وقرر الجيش الاسرائيلي، الى احلاله قوة النار محل الخطط العسكرية الميدانية، تنظيم صفوفه والخدمات اللوجستية تنظيماً جديداً. ونجم عن التنظيم المركزي تقييد الوحدات المقاتلة، وتعثرها بمعوقات لوجستية. عن آفي كوبر باحث في معهد بيغين - السادات، موقع "برسبيكتيف" الاسرائيلي 9 / 2006